و لماذا تغيب البسمة عن عروضنا المسرحية ؟ و لماذا تضطر هذه العروض للتصنع و (الفرسكة) عندما تريد أن تضحك جمهورها ؟ و لماذا بالمقابل تهيمن الكآبه و التشاؤم على غالبية هذه العروض و يسودها التشاؤم و البكائية ؟
قد يرجع ذلك لسيطرة روح الإحباط على أجيالنا الشابة ,التى للغرابة و المفارقة صنعت ثورة شعبية عظيمة متعددة الموجات , و مع ذلك مازالت عروضها تكرر ما قدمته فى سنوات ما قبل ثورة 25 يناير ,شجبا للأنظمة السياسية و الأجتماعية ,و بكاء على حال المواطن المصرى المغلوب على أمره ...و ربما يرجع لتصورها أن الجدية تعنى التراجيديا لاأو الدراما الدامعة , وأن الكوميديا هى درجة أدنى ,و الأضحاك سبيل أخف فى التقديم ولا يحتاج لجهد حرفى ولذا تطرح هذه العروض للبحث عن الموضوعات المثيرة للألم و المنزلقة لجب الميلودراما و الصارخة فى وجه جمهورها ,ساقطة فى النهاية فى تشاؤم من الغد القادم.
لقد غاب التحريض عن عروضنا و فقدت هذه العروض طريقا واعيا من الغفلة إاى اليقظة و ابتعدت بالتالى عن الكوميديا التى هى فى الأساس طريق العقل اعرض الواقع و السخرية من تناقضاته و الدعوة الصريحة لتغييره بينما التراجيديا أو الدراما الجادة المثيرة للشجن طريقها الوجدان و غاياتها دوما التوقف عند سقوط الثائر بسبب أخطائه الإنسانية وما بين العقل المحرض و الوجدان الملتهب مسافات بحاجة لأن يدركها مسرحنا لكى يعرف طريقه الصحيح نحو التعبير عن مجتمعه و بث الوعى الصحيح بعقول أهله و التحرك بهم نحو مستقبل أكثر فاعلية .
سخرت كوميديا أرسطوفانيس من التعالم و التفاخر ,و (مرمطت) كوميديا موليير الطباع الإنسانية المتدنية و عرت الرذيلة المتفشية فى مجتمعه و كشف ألفريد فرج المسافة الوهمية بين حلم العدالة الأجتماعية و طرق تحقيقها فى رائعته (على جناح التبريزى) فلم تخلق الكوميديا للتسلية فقط بقدر ما صيغت من أجل إضحاك الإنسان على خطاياه و المسكوت عنه من خباياه ,مخاطبة عقله الواعى فلا استدرار لعاطفة مشبوبة ولا رغبة فى دغدغة حواسه المشتعلة وإنما هى توقظعقله الذى يعمل هو أو عادات و تقاليد المجتمع أو سلطاته السياسية على تعطيله و الزج به فى ظلمة الأحاسيس و المشاعر التى تبكيه و تفرغ طاقاته الثورية و تطهر نفسه من أية نوازع تمرد على الواقع .
تفجر الكوميديا لدى الجمهور المشاهد شعورا بالبهجة يجعله يتعلق أكثر بالحياة و يعمل على إيقاظ كل ما يحقق له السعادة داخلها فقد ولدت الكوميديا من شعائر الخصوبة و ظلت تخصب الحياة بكل ما هو جديد و نتجدد فيها لهذا حرص مسرحنا منذ نهضتها الكبرى فى خمسينيات و ستينيات القرن الماضى أن تكون الكوميديا أبرز الأنواع المسرحية التى يقدمها و حرص أكثر على أن توجد فرقة تحمل أسم (المسرح الكوميدى ) فى زمن تصنيف فرق التلفزيون و تحويلها لفرق تابعة الى وزارة الثقافة عام 1963 هذا دون مصادرة حق بقية الفرق على تقديم البسمة الرائقة و الضحكة الصافية فى عروضها .
و مع هذا غابت فرقة المسرح الكوميدى عن المشاركة فى دورة هذا العام من المهرجان الحالى و قلت العروض الكوميدية القادمة من الحقول الجماهيرية و الجامعية و الأكاديمية و الحرة و المستقلة , وحرصت غالبية العروض على استثارة العواطف الجامحة و استجداء التصفيق من الجمهور جاهز الإعداد مسبقا بالإنفعالات الحادة و الصراخ الذى يهز القلب و يقف متخاذلا و عاجزا عن الوصول الى العقل لتنشيطه و استنهاضه و التنوير المطلوب اليوم فى حياتنا يتطلب مزيدا من من الوعى بدور العقل و العقلانية فى تحريك هذا المجتمع هذا المجتمع للأمام , مما لا يعنى أن يكون للمسرح دور طليعى ,يتقدم مجتمعه بخطوات للغد القادم و يستحثه على المضى معه نحوه , و الوصول للحرية و العدل الإجتماعى لن تتحقق بصراخ النمل ولا بشجب ما تم شجبه و إعادة إنتاج ما أنتج من قبل من حكايات كئيبة بل بالتمسك بالحياة و العمل على بث البهجة بين أعطافها بالضحكة الحلوة و البسمة المنيرة و الكوميديا الواعية بأنه بالعقل , و بالعقل وحده تتقدم الحياة فمتى يتوقف مسرحنا عن كراهيته للكوميديا ؟
بقلم : الدكتور حسن عطية
المصدر نشرة المهرجان القومى للمسرح العدد 9
ساحة النقاش