حين يتعلق الأمر بالنغمة وتنبيه الضمائر، فالمسألة بحاجة إلى تمرد موسيقي. ينطبق هذا على «ZOOM» الألبوم الحديث للموسيقي الجزائري رشيد طه (1958) مثلما ينطبق إجمالاً على تجربته الفردية منذ إقلاعها مطلع التسعينات.


يقدم ملك الروك العربي في هذا الألبوم، وهو التاسع في مسيرته، إحدى عشرة أغنية تشكل في مجملها جواز سفر سندبادي متمرد، بدأ من هوسه المرجعي بموسيقى متذمرة ومعارضة للتنميط

ROCK AND ROLL, PUNK، وميوله إلى العفوية والوضوح في أنغام البلوز على طريقة BO DIDDLEY BEAT، وانتهاء بإشهاره تذكرة العودة معتمداً على إيقاع الركادة والراي، وتقاسيم الماندولين.

أعمال رشيد طه الموسيقية بين من عاشرهم ومن تأثر بهم: جون فوغ الشاعر الأفريقي الأصل، ألان باشينغ رائد الروك الفرنسي، جيان أداد نجمة البوب الإنجليزي، الشابة فضيلة أيقونة وهران... صداقات عميقة استضافها في أغنيات مشتركة ضمن ألبومه «ZOOM».

وهكذا، تستحضر أغنيتان رائحة هرمين كبيرين ملهمين، هما أم كلثوم وإلفس برسلي. الأولى بعنوان «ZOOM SUR OUM» وضع كلماتها جون فوك، ولَحَّنها رفيق هذا الأخير في أغاني عديدة وهو ألان باشينغ، الجزائري المولد. في هذه الأغنية، التي تستحق أن تكون درساً في

الـ «فيزيون»، ينحرف مطلع أغنية «إنت عمري» من كلثوميته وإيقاعه الأصلي إلى وقع نغمة موسيقى الراي وإيقاع الركادة الوهراني. ورفقة جيان أداد بصوتها الإنجليزي، يمزج رشيد طه بين روح أغنية إلفس برسلي المعروفة NOW OR NEVER المقتبسة أيضاً عن الأغنية الإيطالية النابولية الشهيرة «شمسي» O SOLE MIO لإدواردو دي كابوا، وبين تقاسيم آلة الماندولين، والكورال الجماعي، مع وقع أنغام العلاوي والركادة الشعبيين.

ومن استعادة سحر الذي مضى ويبقى، تسلِّط أغنية «أنا ANA» الضوء على الراهن، راهن ربيع عربي بلا زهور كما يقول رشيد طه. لكنه أراده ربيعاً خاصاً به. تقول الأغنية بأسلوب تقريري مصاحب بتوليفات القيثار البسيطة والناي القبايلي (القصبة): أنا الربيع، أنا الشتاء، أنا الصيف، الخريف، الشمس، الحق، أنا فرحان... أنا كل الألوان، أنا كل الفصول...

يمارس رشيد طه السياسة بالموسيقى، ويحلو له أن يشبه أغانيه بما كان يفعله بريخت في مسرحياته، فهو يضع نفسه بين مهمتين لا يمكن الفصل بينهما: الفن، وتنبيه الضمائر. رثى ضحايا العراق ودماره على إثر الاحتلال الأميركي، وغنّى لصحراء دارفور... وله أغنية قديمة بعنوان «حسبوهم.. لوحوهم» احتج بها على المعاملة السيئة للمهاجرين في فرنسا، ولأنه دأب في كل حفلاته على إشهار إيقاعات «الركادة» و«العلاوي» في وجه العنصرية، أعاد من جديد توزيع أغنيته VOILÀ VOILÀ التي يعود تسجيلها إلى 20 سنة، وهي مانيفستو رشيد طه ضد التمييز العنصري في فرنسا وغيرها.

في قلب الراهن كذلك، يعيد طه تقليب موقف سابق سَجَّله في أغنية تضامناً مع الفتاة «زبيدة» التي أجبرت على الزواج من طرف ذويها، هذه المرة في أغنية «جميلة» تمتزج صرخة موسيقى الروك، بحزن أنغام الراي والكورالات الجماعية. قضية الفتاة أمينة المغربية التي راحت ضحية إجبارها على الزواج من مغتصبها، ألهمت طه في هذه الأغنية وهي قصة قديمة جديدة لجميلات كثيرات كن يحلمن ويفرحن، «جميلة» في يوم من الأيام (تقول الأغنية) زوجت دون أخذ رأيها، فَسُدَّت في وجهها الأبواب دون أن تعرف ما العمل سوى أن تقتل روحها.

«زووم» على الذاكرة، على المقهورين في عتمة العالم، غضب صاخب على ما يزعج حياة الناس، وهو أيضاً «زووم» على التأمل في الذات ومحيطها، ومساءلتهما معاً في أغنية واحدة بعنوان «واش نعمل» (ماذا أفعل؟) في يوم صعب لم ينل مثله في حياته، هذا اليوم يجب أن يكون يوم إضراب... يوم أسود يرغمه في كل الأيام ينتظر الأيام، وفي كل الليالي ينتظر الليالي. وعند كل صباح يطرح السؤال: كيف يصير العالم؟ ولا جواب غير تقسيم تأملي على آلة الماندولين. هذه الأغنية التي لا لحن فيها بقدر ما هي إلقاء صريح وتساؤلات متتالية: (من أنا؟ هل أنا قبيح؟ هل أنا عربي؟ هل أنا أوروبي، هل أنا هندي؟ هل أنا أسود؟... مشات وخلاتني قلبي ديما صافي) استهل بها رشيد طه ألبومه الجديد، بشكل جعل باقي الأغاني العشرة جواباً لسؤال: من أنا؟ ما المعمول؟. فنجد في أغنية «الفنانون» المهداة إلى إلفس برسلي وجون لينون وكيرت كوبان، تصريحاً بالغربة وواقعها: لا جواز سفر لي، ولا تأشيرة، ولا بطاقة زرقاء. لا حب لي، لو كان عندي جواز سفر لذهبت إلى المطار. وفي أغنية «قلبي» بلحن وإيقاع شعبيين مع مرافقة قيثار أكوستيك، يقول: (أنا حر، أعبر عن شعوري، قلبي دائماً بجواري، صاحبي وصديقي، يطمئني ويهديني، هو دليلي وخلاصي...). أما في أغنية «تانغو جزائري» بموسيقى إلكترونية، يبوح بوفائه لمن يحبونه، ولن ينساهم كما لن ينسى الأعداء، القبيح منهم والجميل، سيتذكر الماضي دائماً ولن ينسى العبودية والعنصرية.

وبين موسيقى الروك وصراحة نغمة الراي يرتفع صوت رشيد طه رفقة الشابة فضيلة من أجل حرية المرأة وتحريرها من الذهنية البطرياركية، تقول الأغنية وهي بعنوان «خليوني، خليوني»: أنا حي عليا وما عندي زهر. نبغي حياتي حرة حتى القبر».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر / مجلة الدوحة ـ يونيه 2013

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,832,239