أننا نملك دليلاَ مؤيداَ يرجع الى أوائل الألف الثانية قبل الميلاد, وهو لوحة كشف عنها فى إدفو لسنة 1922 خلال الحفائر التى قام بها المعهد الفرنسى للآثار الشرقية بالقاهرة. وعلى هذه اللوحة منقوش إهداء إلى الإله حور من شخص يدعى "إمحب" وكان تابعا لممثل متجول وبعد سرد الدعوات المألوفة التى يتكفل بها غذاءه فى الدار الآخرة, نجد ممثل الميم (محاكاة إيمائية لحالات مجردة اشتقت هذه الكلمة من كلمة meme sis اليونانية ومعناها المحاكاة وتشير فى الأصل إلى مجموعات متجولة من الممثلين والمهرجين والبهلوانات الذين يعرضون فنونهم فى أماكن تجمع الجماهير فى الأسواق والميادين وفى أيام الأعياد وكان بعضهم موهوبا فى فن المحاكاة الإيماء وقد اتجهت تمثيلية الــmime فى العصر الحالى وخاصة فى فرنسا إلى الأداء الصامت على أيدى أعلام مثل جان لوى بادو ومارسيل مارسو.
لقد قادتنا الشواهد والآدلة إلى أن مصر شهدت نوعين من الدراما هما : الحفلات الطقسية, والدراما الدينية وكانت الحفلات الطقسية يقيمها الكهنة فى المعابد فقد انشأ الكهنة فى مصر القديمة مدارس لتعليم الرقص تابعة للمعابد- كما أن الرقص عند قدماء المصريين كان يوظف دراميا وذلك ما يمكن استنتاجه من استخدامه فى المسرحيات السرية حول البحيرة المقدسة فى قدس الأقداس بالمعابد ماسبقت به مصر بقيه دول العالم فى هذا المجال وكان ملامح الدراما فى المعابد ليس لها ملامح درامية إلا طريقة الاداء, وما بعد هذا فإيماءات وحركات شعائرية تصاحب المشاهد المسرحية فى تسلسلها وأقوال تضفى على هذه الطقوس ثوبا اسطوريا تصلح به لأن تكون دراما فكرية لا تقع العين فيها إلا على رموز ومثال ذلك حفل تتويج الملك يحمل إليه ساقية الخاص وهو بين حاشيته, وجبة قليله (وجبه خفيفة تقدم للملك) خلال الحفلات الطويلة يغالب بها جوعة إلى موعد تناول الطعام ويقدمها له ويقول إننى أقدم لك عينك ربها راضياَ فيقول رجال الحاشية راجين "ضعها فى وجهك"
-أما المسرحية الدينية, فكانت شيئا آخر, فقد كانت مسرحية حقا بمدلولها الذى نعرفه اليوم, تحاكى فيها المحاكاة كلها أحداث الماضى بصورها, كما يعتمد فيها الأشخاص وحركات الرقص والحوار, وليس ثمه رموز يقصد بها إثارة إيحاءات معينة لهذا كانت عرضا مسرحيا لا عرضا طقسيا.
- وإنا نجد الكثير من الشواهد التى تتصل بمكان العروض المسرحية عند قدماء المصريين تشير إلى أن مكانها كان المعبد حيث كان الرقص أيضا فى المعابد ولقد عاش المسرح المصرى مرتبطا بالدين الذى كان مرتبطا بالرقص وملازما له ملازمة الظل لصاحبه.
أن دراما الرقص كانت أقدر الاتصالات الجادة بين الناس سابقة الكلمات, والموسيقى وجميع الفنون الأخرى لأنها تؤكد أن حركة الرقص ارتبطت بالشعور الدرامى كأسس فى حضارتنا, وأن ينابيعها قديمة قدم الإنسان توجد فى العاطفة والإيقاع والتوصيل واذا نسى الراقصون أو الدراميون هذه الحقيقة فإنهم يخسرون كثيرا وفن الرقص هو أقدم هذه الوسائل وأكثرها مخاطبة مباشرة للشعور الدرامى وهو الوريث الخاص لتجارب الجسم والوعاء الذى يحتوى على حركة قام بها الانسان منذ خلقه.
- ثم انقضت العصور الطويلة وأصبح الرقص البسيط للأنسان المتوحش طقسا معقدا, يرتبط بكل فكرة,وبكل حس فى حياة الجماعة.
- وحوالى سنة(4000 قبل الميلاد) كانت تمثيليات راقصة كثيرة فى مصر وغيرها من بلاد العالم القديم, تستغرق أياما فى أدائها وكانت تفوق فى طولها وحماستها أى شئ مثلها مما تلاها وفى كل جزء من أجزاء العالم حل به الناس كانوا يتصلون بآلهتهم عن طريق الرقص, وكانوا يرون فى قصص جنسهم كل منها للآخر بالرقص والموسيقى والشعر .
- ويبدو أن الإنسان بلغ ذروة هذا التطور فى التراجيديات القديمة التى كانت تشمل مجموعات من المغنين والمرددين
(chorus ) والراقصين.
بقلم /ا.د شريف بهادر المصدر/ تاريخ الموسيقى و الغناء و الرقص
ساحة النقاش