يحاول فنان الغرافيتي اللبناني - السوري سمعان خوّام في أحدث معارضه المعنون بـ «كرسي، طاولة، والرجل العصفور»، نبش صراعات المدينة الداخلية وتحويلها أعمالاً فنية. يدخل إلى أعماق ذاته باحثاً عن قصة يتذكرها من أيام الحرب والرقابة والاعتقال والرسم على جدران مدينة حزينة.
في تصريحه لـ «الدوحة»، يرى خوّام أن معرضه عبارة عن حوار علاجي وتصوير شخصي ليومياته، وما يحيط به في مسكنه ومشغله، وهو كل ما يحتاج إليه من متاع في الحياة: الكرسي والطاولة والنبتة والألوان.. مشيراً إلى أن الرجل العصفور هو الإنسان المعاصر المحلق بعقله وروحه، لكن ثقل الجسد يعيده إلى الأرض. فالجسد على حد قوله، يأسر الحرية، والأرض أحياناً تكون جسداً ثقيلاً. كما يتمثل الثقل في أعماله بعدم القدرة على التحرر من الأيديولوجيات البالية، وفي التزمّت الديني والطائفي.
شارك خوام أخيراً في معرض فني في سنغافورة، مقدماً أعمالاً عن الثورة السورية والربيع العربي. يقول في هذا الصدد: «تعاملت مع الثورة من المنظار الإنساني البحت، لأنني خسرت أصدقاء طفولة استشهدوا بغض النظر عن توجههم السياسي، وأنا طبعاً ضد النظام، وأعتبر أن الثورة تأخرت 40 سنة على انطلاقها». وكان خوام قد انتقل من الشام إلى بيروت في عمر 16، هرباً من قسوة النظام الاستخباراتي، وهناك جرب حمل السلاح في صفوف القوات اللبنانية لفترة وجيزة خلال «حرب التحرير والإلغاء» ضد الجيش السوري. وعن إمكانية عودته إلى القتال مستقبلاً، يوضح: «طبعاً لن أحمل السلاح مرة أخرى، فقد تصالحت مع الموت بالفن وليس بالضرورة أن يتحول الفنان إلى مقاتل..».
عاش خوام (38 سنة) في بيروت. تجارب مختلفة ساهمت أحياناً بشكل مباشر في تشكيل أعماله، وفي أحيان أخرى كانت المدينة بكل ما فيها من تناقضات خلفية لهذه اللوحات. ولكن هل بيروت مدينة إشكالية أم تشكيلية بالنسبة إليه؟ يجيب: «هي مدينة لا تعرف سوى التشنج، على الرغم من أنها أكبر سرير وثير للعشاق والصعاليك على حد سواء. وهي مدينة الجياع للخرافة والروماتيزم. تستقبل برحابة بدوية، كل مستنجد تبخّر وطنه. هي مصدر كل يأسي ومصائبي ولا أستبدلها بمدينة ألعن، حتى أنني أتحسر في كثير من الأحيان على كونها لم تهلك من الحرب، مثل أي مدينة عظيمة».
إضـــــــــــافة إلــــــــى أعـمــــــــــــاله التشكيلية وديوانيه الشـــعريين «مملكة الصراصير - 2001»، «دليل المهرج - 2012»، بدأ معه فن الغرافيتي في لبنان يأخذ منحى جديداً، وكان منصة لانتقادات سياسية لاذعة عن الحرب والفساد والطائفية جرته إلى الاعتقال، حيث أوقفت السلطات الأمنية خوّام لما رسم على جدار عسكريين مدججين برشاشات «إم 16» وتحت كل منهم تاريخ فصل من فصول الحرب اللبنانية، بتهمة مخالفة الأنظمة وتشويه الأملاك العامة. وطمست أجهزة الدولة كل رسومه الغرافيتية، والتى يحاول فيها تحذير الشعب والناخبين من قيام حرب أهلية جديدة، وينبه إلى أن لبنان ما زال يعاني من حرب أهلية سابقة دمرت الوطن سابقاً. ولا زال يقدم رسوماً تحذر الناخبين من قدوم حرب ميليشيات جديدة، وكلها تصوّر العسكر في تفسيرات هجائية، منها رسومه القوية عن المرحاض السياسي، والتي دون فيها «الرجاء عدم رمي الأصوات في المرحاض».
يعتقد خوام أنه ليس فنان غرافيتي، ولكنه يستعمل هذا الأسلوب ليقول ما يريده، معبراً عن المشاكل الاجتماعية أو مبدياً رأيه السياسي البعيد عن كل الأطراف المتنازعة في لبنان. يقول: «لا أستطيع الانتماء إلى فكر معين، فأخسر حريتي لأجل عبودية ما، و ما حدث معي، لم يكن بسبب الرسم على الحائط، إنما ممارسة قمع سياسي، لذلك تحديت الدولة تحت عنوان حرية التعبير مهما كان شكله، وحولتها بمساعدة مجموعة من الأصدقاء إلى قضية عامة».
سمعان خوّام
المصدر / مجلة الدوحة ـ مايو 2013-05-29
ساحة النقاش