يبدو أن جدلية الحياة والموت، باتت تشكل هاجساً للممثل المصري أحمد حلمي، فصار مولعاً بأعمال تناقش هذه الفكرة وما وراءها من تفاصيل. مناقشة فكرة الخوف من الموت، والابتعاد عن الأحبة في إطار كوميدي فانتازي.

في العام 2009، قدّم حلمي فيلمه «1000 مبروك» (اخراج أحمد جلال)، الذي بدا وكأنه يدور من حول أسطوره إغريقيه هي اسطورة «سيزيف». وتدور أحداث الفيلم حول شخص يستيقظ صباح كل يوم، ليمر بمواقف مختلفة عدة، ومن ثم يموت في تمام الساعة الثانية عشرة ليلاً، ويستيقظ صبيحة اليوم التالي، ليجد أنه يعيش اليوم ذاته الذي قضاه بالأمس. ويمر الوقت مجدداً وبأحداث متشابهة، فيجد البطل نفسه محاصراً في يوم واحد فقط من حياته لا يستطيع الفرار منه.

في فيلمه الجديد «على جثتي» (إخراج محمد بكير)، لا يموت البطل يومياً، بل يدخل في غيبوبة بعد تعرضه لحادثة، وتبقى روحه عالقة بين السماء والأرض، فيتحول إلى شبح غير مرئي لا يتذكر اسمه أو أي شيء عن حياته السابقة، ويقابل من طريق الصدفة شخصاً آخر يعاني الحالة ذاتها.

هذا الجو السينمائي الفانتازي واللامعقول له خصوصــيته وأفكاره، لكن الرؤية الإخراجية لفيلم «على جثتي» لم تعكس ذلك، ما سبب ارتباكاً للمشاهد أحياناً إذ ضيّعه بين الواقع والمتـــخيل.

مهما يكن، فإن الفيلم يعكـــس هواجس الانسان ومخاوفه وتساؤلاته عن الحياة الأخرى، وحب الاطلاع على الأسرار، وآراء الناس بالشخص الميت.

يجسد حلمي في الفيلم شخصية مهندس ديكور متسلط على زوجته وابنه وموظفيه. وبدافع الخوف من العقاب، يقبل الموظفون بشروط عمل سيئة، كما تقبل الزوجة بمزاجية زوجها، والإبن بقسوة أبيه. لكن الرجل لدى دخوله في الغيبوبة تتغير أحواله وأحوال المحيطين به، حيث إن الهاجس الذي كان يرعب الجميع، لم يعد موجوداً، فنرى الزوجة ترقص وتطالب بكل الممتلكات، والابن يكسر صورة أبيه انتقاماً لعشر سنوات من القهر، والموظفين في حالة فوضى عارمة. لقد كان الخوف هو الذي يحدّد سلوك الكل، وحين انتهى بدأت الحرية.

على رغم أن كل هذه المشاهد متخيلة، فإنها تبدو في الفيلم شديدة الدلالة في إشارتها الى اننا نحتاج أحياناً صدمة لنعرف كيفية التعامل مع التناقضات. ولا سيما منذ يدرك «الشبح» رؤوف (أحمد حلمي)، أن طريقة تعامله مع من يحيطون به، كانت خطأً، وعليه اعادة النظر في كثير من الأمور أهمها عدم الشك في كل شيء، ومحاولة الثقة أقله في شريكة حياته.

اللافت في العمل، أن حلمي ما زال يقدّم أفكاراً تصدم المشاهد، وتفتح له أفقاً للنقاش. ما كان يؤكد دائماً ان هذا الممثل المصري يتميز عن زملائه من «الهزليين الجدد»، بابتعاده عن الابتذال والرتابة في صوغ الأفكار، والاستعانة برؤية إخراجية عصرية. حيث كان من أهم أسباب نجاح أعمال حلمي، اعتماده الطرف الذكية وسرعة البديهة في التعامل مع المواقف، واختيار نصّ مطعّم بالكوميديا السوداء، لكن من دون طغيانها. لكن هذا لا ينطبق على أحدث أفلامه. فالمواقف الكوميدية التي تميز بها حلمي سابقاً، لم تأت هنا موفقة على قلتها، حيث نراه يكتفي بتعليقات ساخرة مساندة لفكرة الفيلم الأساسية.

كما أن الدور المخصص له طغى على باقي الأدوار ولم يفسح لها أي مجال لإظهار قدراتها، كما حصل مع غادة عادل وحسن حسني. مع انه كثيراً ما كان يستعين في السابق بهذا الأخير لخفّة ظله وذكائه، هذه المرة لم يفسح له حلمي المجال لإظهار ذلك، وقد يكون السبب الخط الدرامي الذي سار به الفيلم، وطبيعة الفكرة الغريبة. والى هذا، يمكن القول ان التشابه الدرامي أحياناً، ما بين فيلمي «1000 مــبروك» و «على جثتي»، وفكرة عودة البــطل الى الحـــياة، أثّرا في الأخير، فبدا كأنه يدور في فـــلك الأول مع بعـــض التجديد والتأنق.

كما أن المخرج لم يحـــسن اختيار مــــشاهد العالم اللامرئي، وهنا كان يجب أن يكون للفانتازيا والمخيلة دور أكبر، خصوصاً أن ثمة الكثير من المواقف الكوميدية التي تفرض نفسها في هذا الاطار، كتغيير الحقائق مثلاً، أو التلاعب بأعصاب الموظفين أو الزوجة أو الإبن، قبل اكتشاف «الراحل» أن عليه تغيير تصرفاته لاحقاً.

ومع هذا كله، يظهر الفيلم، على رغم بعض هفواته، دلالات عدّة عن الحب والخيانة وعدم الثقة والتعلق بالحياة، والغدر والرقابة والألفة وفلسفة الحياة. هي رحلة الى داخل الانسان لإعادة اكتشاف ذاته، علّه يعرف ما سبب كذبه وخداعه وضعفه وقوته.

محمد غندور

المصدر / جريدة الحياة اللندنية ـ  ٢٤ مايو ٢٠١٣

 

 

ساحة النقاش

adelsabry

لك كل جزيل الشكر على تفصيلك للعمل ، فبالتأكيد أن أحمد حلمى قد نجح فى طرح معادلات سينمائية ذات أبداع غير منتظر فى ظل الآهتمام بالآسفاف ونقص شاشة السينما من الآعمال الآبداعية فمهما كانت الآفكار مقلدة أو ممصرة فالمشاهد المصرى يشاهد فنانه المبدع وأذا كان يلجأ أحمد حلمى لآفكار مقلدة فهذا يجعلنا نجتهد لكى نعمل أفكارا مصرية خالصة تمارس المنافسة مع هذه الآفلام وعلى منتجى السينما أن لا يقوموا بتعليق أتجهاتهم على أن ما يفعلونه هو طلب السوق فعليهم أن ينظروا الى أيرادات أحمد حلمى فى كل أفلامه .

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,820,237