هاملت وهو استغلال للاسم دون الاقتراب من النص الشكسبيري في كثير من النقاط ومن ثم فما شاهدناه هو تأليف ونتاج لصاحب الفكرة المخرج والمؤلف معا أما ما يتصل بهاملت فكان في البداية حيث شاهدنا مشهد هاملت الشهير مع حفار القبور ورؤية هاملت لجمجمة يورك مضحك الملك الذي أضحك هاملت وحمله علي كتفه وهو صغير وهو الآن جمجمة لا حول لها ولا قوة .. ما أضعف الإنسان .. وقبل انتهاء المشهد يتدخل المخرج المشخصاتي ومعه الريجيسير وتحدث بينهم وبين بطل الفرقة مشادة كلامية نتيجة خروج بعض الممثلين معه في المسرحية عن النص وينتهي الأمر بأن يقرر الممثل ترك المسرحية والرحيل تاركا الفرقة في حيرة من أمرها وباحثة فيما بينها عمن يمكنه أن يقوم بدور البطولة .. دور هاملت .. ويبدأ كل منهم في الرغبة في الحصول علي الدور .. بل ويلعبه كل منهم ولو لبعض دقائق ويتخلل تلك الفترات التي يجسدون فيها المشهد الشكسبيري بشكل ساخر بعض اللحظات الإنسانية التي يخرج كل منهم ما بداخله في محاولة منهم لإخراج مشكلاتهم خارجهم ، وطريقة السيكودراما تلك بتنويعاتها المختلفة أصبحت هي الطريقة الأكثر شهرة في عالمنا المسرحي في مصر .. فكل العروض التي تعتمد وتقوم علي الارتجال أصبحت فكرة التفريغ النفسي عن مكنون الشخوص هو الأساس الذي تعتمده معظم الفرق الحرة وكأنه أصبح سمت الشاب والمواطن المصري عامة .. وهكذا الحال في وداعا هاملت حيث قامت كل شخصية بسرد حكايتها وطرح مشكلتها أمامنا مع جو من الموسيقي المناسبة والإضاءة واللتين ساعدتا في توصيل الحالات المختلفة ولا سيما أن أغلب الحالات إن لم يكن كلها قد حمل مأساة بداخله وغلف الحزن مشكلات الجميع .. أما فيما عدا تلك اللحظات فقد جاء العرض وكأنه حلقة ارتجال واسعة يسعي الجميع فيها للإضحاك ولا شيء سواه ، وأصبح البحث عن الكوميديا سمة المؤلف والممثل معا وبمساعدة المخرج بالطبع .. وأصبحت كمتلق متوقعا للعديد من المشاهد والمواقف الدرامية التي لم تحدث بعد، فبعد رحيل الممثل البطل والصراع بين الجميع علي دور هاملت أصبحت متوقعا أن يدور الدور علي الجميع ويلعب كل منهم المشهد الشكسبيري بشيء من المبالغة للإضحاك والذي لم يزول حتي أثناء لعب الشخصية الجادة الوحيدة فيهم للدور وخاصة فيمن حوله من شخوص .. وبرع المخرج حين جعل الممثل البطل يُلقي بعباءته علي الأرض ويخرج لأنه حين يتنازع الجميع الدور تنازعوا علي العباءة .. عباءة هاملت .. ورغم الضعف الشديد الذي أصاب الدراما حيث لا يوجد رابط قوي يساعد علي ربط الأحداث بعضها ببعض سوي رابط واه وهو أنهم جميعا شخوص دفعتهم الحياة للهروب من مشكلاتهم فهربوا إلي المسرح ، وأقول هو رابط ضعيف لكنه مكرر من ناحية فكثير من المسرحيات تناولت الطرح بهذا الشكل منذ مسرح الستينيات ولعل آخرها مسرحية المبدع الراحل مؤمن عبده ( الأوضة الضلمة ) ولكن ليس هذا التكرار وحده هو ما عاب البناء الدرامي ولكن التفكيك الذي أصاب هذا البناء فالشخوص لم تكن مترابطة بالشكل الكافي ولم تتضح أو تتعمق دائرة وشبكة العلاقات فيما بينهم وكذا لم تكن المبررات الحياتية والمشكلات التي صاغها المؤلف بدوافع حقيقية للهروب من الحياة إلي المسرح ولنأخذ الشخص المتشدد ذي اللحية نموذجا .. حيث أفرد المؤلف أحد شخوصه وجعله متشددا ذي لحية ومُمسكا في يده مسبحة وكلماته مليئة بالاستغفار وتعتمد علي التشدد في إظهار حرمانية الأشياء وكأن المسرح الذي هرب من شدة أبيه إليه لم يغيره في شيء ولم يؤثر فيه وكذا الحال مع بقية الشخوص والتي لم يتم نحتها بالشكل المطلوب لتحقيق رسالتها الدرامية ولعل الخبرات الدرامية المتتابعة هي ما تصنع كاتبا محترفا وربما المسرحية ذاتها والغرض منها هو ما دفعا بالمؤلف والمخرج معا لإظهار الأمر بما بدا عليه .. حيث إن المسرحية هي نتاج إستديو الهوسابير ونتاج ورشة فنية يجب أن تنتهي بعرض مسرحي يقوم ببطولته أعضاء الدفعة الأولي التي أنتجتها ورشة الاستديو ولهذا وكالعادة التي تآلفنا عليها في السنوات الأخيرة أن يكون نتاج مثل هذه الورش عرضا كوميديا في المقام الأول للقدرة علي جذب الجمهور من ناحية وتحقيق الدعاية اللازمة للورش القادمة والدفعات الجديدة .. وللأسف قد أصبحت العروض الكوميدية التي تقترب من الاسكتشات المتراصة بجوار بعضها أصبحت وكأنها ضرورة كنتيجة نهائية لمثل هذه الورش ، والنماذج لذلك ليست بالبعيدة فهناك ورشة مركز الإبداع بدفعاتها الثلاثة السابقة وكذلك ورشة مسرح الشباب .. ولذا فمن الواجب ألا نري العمل بمعزل عن المراد منه والهدف المرجو تحقيقه من ورائه .. ورغم السلبيات التي قد تتجلي في عمل كهذا إلا أن هناك العديد من الإيجابيات التي لا ينبغي أن نغفل ذكرها كقدرة المخرج أحمد راسم علي قيادة فريق مسرحي وصنع حالة مسرحية ولا سيما في الأجزاء الأخيرة من المسرحية حيث جاءت الحركة علي المسرح أكثر تدفقا وأكثر حيوية وجاءت التداخلات الدرامية في تداخل المشكلات بين الشخوص أكثر تأثيرا من طرح كل ممثل لمشكلته علي حدة ، وجاءت عناصر العرض المسرحي من إضاءة وموسيقي وإيقاع أكثر تلاحما عن باقي أجزاء المسرحية السابقة وكأننا أمام مخرج آخر ومؤلف آخر .. بل وممثلين آخرين .. ولم يعب هذا الجزء الأخير سوي شرح المؤلف والمخرج لفكرتهما عن المسرحية وتحولهما لشارحين ومجيبين عن التساؤل الذي ثار في عقول المتفرجين منذ البداية وهو لماذا وداعا هاملت وما سر اختيار تلك المسرحية بالذات ولماذا هاملت كشخصية درامية دون سواه ، وأقول للأسف لأن الرد لم يأت في سياق الدراما وخلال الأحداث بل جاء في شكل تفسيري شارح وموضح فهم قد اختاروا هاملت لأننا جميعا هاملت .. نحمل تردده ونسعي للثأر مثله ولكننا لا ننجح بل ونحن من نموت في النهاية .. هدف جميل وغاية سامية وطرح جيد بشرط أن نفهمه نحن ونعيه بمفردنا لا أن يتلوه الممثلون علينا وكأننا في درس علمي وليس مسرحية درامية .. ، ورغم كل ما قد يشوب التجربة من مثالب إلا أن التمثيل جاء إحدي الإيجابيات في العمل حيث برع العديد من المممثلين في أدوارهم ولا سيما من قام بدور الصعيدي ، ومن قام بدور اللبناني والفتيات كلهن تقريبا ظهرن علي مستوي عال من الحرفية والبراعة ، وكذا أحمد برعي الذي قام بدور هاملت في بداية المسرحية ونهايتها ، والذي قام بدور المخرج وقدرته علي الإضحاك ببساطة وبتلقائية وساعده تكوينه الجسماني الضئيل علي ذلك .. والشاب الذي أدي دوره في جدية ولعب دور هاملت بشكل جيد داخل المسرحية ورغم تجمهه طوال المسرحية إلا أنه برع في دوره ، وعموما فإن غالبية الممثلين في هذه الدفعة قد برعوا في تقديم شهادات ميلادهم الفنية علي المسرح رغم ما به من صعوبة وما زال أمامهم الكثير ليتعلموه قبل أن يقدموا لنا المزيد من الأعمال الفنية والنتاجات الأخري .. وعموما تجربة مسرح الهوسابير وهذا النوع من الورش تجربة ناجحة وتثبت نجاحها من مكان إلي آخر ، وليتها تعمم في كل الأماكن التي من الممكن أن يكون بها أشخاص موهوبون في حاجة إلي من يرعاهم ويخرج بهم إلي النور ويُظهرهم في أعمال فنية تساعد علي اكتشافهم وتفجير طاقاتهم الإبداعية في مكانها الصحيح وشارك في بطولة العرض كل من : " محمد عامر، أحمد زرقا، شيماء عصمت، سامح عبد المنعم، فاطيما، وفاء رمضان، أحمد مصطفي، كريم منير، عماد عادل، يوسف عيد، زيزو، راضي، أحمد علي، عمرو عنتر، محمد ترك، رائف صبري، مخرج منفذ ياسر عطية ، ساعد في الإخراج موسي، ترك، كريم، سمر، تجهيزات الإضاءة والصوت عز حلمي، حسن محمد، ديكور مصطفي التهامي ، تنفيذ أحمد الزرقا ، إدارة الإنتاج منتصر وأيمن وأحمد، ولذا فالجهد المبذول في الورشة من القائمين بها والقائمين عليها هو جهد مشكور للغاية وخاصة لمن قام بالتدريبات وهم مجموعة من المدربين المتميزين وهم الفنان أكرم مصطفي في التمثيل والأستاذ محمد عوض في الإلقاء ومصطفي الصاوي في الصولفيج ..
بقلم/ خالد حسونة
المصدر / جريدة مسرحنا
ساحة النقاش