<!--
<!-- <!-- <!-- [if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:SimSun; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->
منذ ربع قرت من الزمان ، وبالتحديد عام 1988 ، حصل "نجيب محفوظ" على جائزة نوبل للآداب ، فأنتقل قراء رواياته المترجمة للأسبانية من قاعات المستعربين إلى ساحات المقاهى وعربات المترو بأسبانيا ودول قارة أمريكا اللاتينية الناطقة جميعها باللغة الأسبانية ، فيما عدا البرازيل ذات اللسان البرتغالى ، وتدفقت ترجمات روايات كاتبنا العربى الكبير للغة تحتل المرتبة الرابعة فى سلم المتحدثين عالميا ، ويتكلم بها أكثر من أربعمائة شخص ، وشاركنا فى إنجاز كتاب باسم (عالم نجيب محفوظ) El Mundo de Naguib Mahfiz بإشراف العلامة "بدرو ملرتينيث مونتابث" ، ووقع العديد من ترجمات كاتبنا للأسبانية فى أخطاء فادحة ولطيفة ، فترجمت مثلا أسماء الروايات الدالة على أماكن جغرافية مثل ثلاثيته (بين القصرين) و(قصر الشوق) و ) السكرية) ، وكلها أسماء لمناطق توجد بحى الجمالية التراثى الشعبى ، وتدور فى فضاءاتها أحداث الروايات الثلاث ، فتمت ترجمتها حرفيا إلى ( Entre dos palacios ) أى بين قصرين مشيدين ، و( Palacio del deseo ) أى قصر الرغبة و( La azucarera ) أى الإناء الذى نضع فيه السكر على موائد الشاى .
ومنذ عشرين عاما ، وبالتحديد فى سبتمبر 1993 ، انتشيت فرحا وأنا جالس بقاعة عرض افلام المسابقة الرسمية بمهرجان (سان سباستيان الدولى) بشمال أسبانيا ، وهو أحد أهم أربعة مهرجانات أوربية دولية ، إلى جانب (كان) الفرنسى و(فينيسيا) الإيطالى و(برلين) الألمانى ، وذلك حين قرأت اسم كاتبنا الكبير على شاشة فيلم مكسيكى يحمل نفس عنوان روايته (بداية ونهاية) Principio y fin ، قام بإخراجه المخرج الكبير "ارتورو ريبستين" ، تلميذ "لويس بانويل" ومساعده فى إخراج فيلمه (الملاك المبيد) عام 1962 ، وحصل ب(بداية ونهاية) على الصدفة الذهبية فى المهرجان كأفضل فيلم ، وغزا به غالبية مهرجانات العالم الكبرى ، من كان إلى برلين وميونيخ وتورونتو ولندن حتى نانت وكوبا والمكسيك وقرطاجنة الكولومبى ، خلال عامى 1993 و 1994 ، وتنوعت الجوائز الحاصل عليها ما بين أفضل فيلم وأفضل مخرج ، إلى جانب أفضل ممثلة وأفضل ممثل وأفضل تأليف موسيقى وأفضل ديكور ، فضلا عن جوائز نقاد السينما وعلى رأسهم جائزة الاتحاد الدولى للصحفيين السينمائيين (الفيبريسى) فى مهرجان هافانا السينمائى بكوبا عام 1994 0
لم يتوقف منتج (بداية ونهاية) "الفريدو ريبستين" – والد المخرج ومنتج أهم أفلام "لويس بونيويل" المكسيكية – عند هذه الرواية القاهرية بل راح فى العام التالى ينتج فيلما عن رواية "محفوظ" الشهيرة (زقاق المدق) ، أخرجه "خورخى فونس" ، وعرض باسم (زقاق العجائب) El callejón de los milagros ، دعى الفيلم لأكثر من أربعين مهرجانا دوليا ومحليا وقتها ، محققا سبقا متميزا فى تاريخ السينما المكسيكية ، حيث حصل على أكثر الجوائز التى حصل عليها فيلم مكسيكى من قبل ، فوصل بها إلى 49 جائزة خلال عامى 1994 و 1995 ، حيث حصل من لجان تحكيم المهرجانات على جوائز الأفضل على مستوى الفيلم والإخراج والسيناريو والتصوير والمونتاج والتأليف الموسيقى والأزياء والمكياج والممثلين : أول وثانى ، رجال ونساء ، إلى جانب جوائز النقاد والجمهور كأكثر الأفلام مشاهدة ودخلا عام 1995 فى أكثر من دولة من دول أمريكا اللاتينية 0
أعاد الفيلمان استنبات المادة الروائية المحفوظية فى الأرض المكسيكية ، ونقلا وقائعها من الثلاثينيات والأربعينيات إلى التسعينيات من القرن الماضى ، وأخضعا الكثير من دقائقها لبيئة أخرى مغايرة ، مما أثر بالتالى على البنية الجمالية للفيلمين ، وخلق منهما وجودا مستقلا فى ذاته ، رغم استلهامهما لمادتهما من الرواية المحفوظية ،
فى لقاء خاص مع السينمائي المكسيكى "أرتورو ريبستيين" ، الذى وصل لسن السبعين هذا العام (مواليد ديسمبر 1943) ، وذلك بأروقة مهرجان (سان سباستيان الدولى) بشمال أسبانيا عام 93 ، سألته عن سر اختياره لرواية الكاتب العربى ، هل بسبب ترجمة الكثير من رواياته للغة الأسبانية بعد حصوله على نوبل 1988 ؟ ، أجابنى بأن الترجمة للغة التى يتحدث بها غالبية أبناء أمريكا اللاتينية ، والأحاديث الإعلامية والأدبية التى تثار عادة حول الحاصل على النوبل فى عامه ، لهما دورهما فى الانجذاب لإبداع الحاصل على الجائزة الشهيرة ، ولكنه أكد أيضا على عاملين أساسيين فى اختياره لرواية (بداية ونهاية) ، أولاهما يتعلق بعشقه لفن الرواية ، وسعيه الدائم لصياغة السرد الروائي المقروء فى بنية درامية مرئية / سمعية ، ويرتبط ثانيهما بهذا التشابه الكبير بين القاهرة والمكسيك العاصمة ، عندما قرأ أعمال "محفوظ" ، وبصورة خاصة عندما وفد إليه للتعاقد معه فى شقته على ضفاف النيل ، وهو ما أكدت عليه "باث اليثيا جارثيا دي ي جو" زوجته وكاتبة السيناريو للفيلم المحفوظى وغيره من أفلامه فى السنوات العشرين الأخيرة ؛ والتى تعشق بدورها إعداد الروايات العالمية والعمل على (مكسكيتها) لتلائم عقل وسبل تلقى المجتمع المكسيكى والأمريكي لاتينى للسينما ومنجزها الجمالى .
تكشف القراءة المتأنية لأفلام "ريبستين" الممتدة من عام 1965 إلى عام 2011 (فيلما) عن ذلك الوله بالرواية والتعلق بأعمال الروائيين ، فأول أفلامه (زمن الموت) Tiempo de morir 1965 ، الذى تصدى لإخراجه وهو بعد فى الواحدة والعشرين من عمره ، أعتمد فيه على سيناريو كتبه له كلا من الروائيين الكولومبى "جابرييل جارثيا ماركيز" (ينطق فى بلاده "ماركيث") والبنمى "كارلوس فوينتس" ، وفيه يخرج "خوان ساياجو" من السجن بعد 18 سنة عقوبة لقتله "راؤل ترويبا" ، يريد استعادة الزمن المفقود ، ويعيش بهدوء مع حبيبته القديمة "مارينا سامبدرو" ، لكنه يواجه بتحرش دائم من أبناء المقتول للثأر لأبيهم ، مفسدين عليه زمنه المأمول ، ودافعين إياه لزمن الموت .
فى فيلمه الثانى (ألاعيب خطرة) 1966 ، وكان إنتاجا مكسيكيا برازيليا ، شارك فى إخراج الجزء الأول منه ، وكتب وأخراج الجزء الثانى البرازيلى "لويس الكوريثا" ، بينما كتب سيناريو الجزء الأول أيضا "جارثيا ماركيز" ، ويدور حول شخصية رجل الدعاية التليفزيونية الشهيرة المشهور ب "صوت الخبرة" ، يتوجه وحيدا فى طريقه نحو ريو دى جانيرو ، حينما ألتقى "كلاوديا" و"لويس" ، زوجان متزوجان حديثا توقفت بهما السيارة فى الطريق بحادثة ، وبينما ينتظر "لويس" رافعة للسيارة ، يحمل "هوميرو" الزوجة الشابة فى سيارته إلى منزل الزوجية حيث أنه على العرسان الجدد قضاء شهر عسلهم ، وبسبب وجود سلسلة من الحوادث العارضة يضطر للبقاء بعض الوقت مع الزوجة ، حيث تعترف له أنها تزوجت من "لويس" مجبرة من أبيها لإنقاذ ثروته ، مستميلة الرجل إليها ، وحين يهم بها يظهر "لويس" فجأة ، كاشفا عن أن كل ما حدث بين الزوجة والرجل تم تصويره ، وذلك وفق خطة مدبرة مع "فرخينيا" (أسم كلاوديا الحقيقى) لابتزازه أمام زوجته وأولاده الذين وصلوا للفندق المتفقين عليهم معه ، فلا يبملك الرجل غير شجاعة المواجهة ، وكشف الحقائق ، مما يجبر "لويس" و"كلاوديا" على الفرار ، بحثا عن فريسة أسهل .
تتوالى أفلام "ريبستين" المعدة سيناريوهاتها عن روايات شهيرة ، فيظهر فيلم (ذكريات الغد) 1968 عن رواية المكسيكية "إلينا جارّو" ، يتقدم فيه قصة الثورة المكسيكية فى عشرينيات القرن الماضى ، وفيلم (الأرملة السوداء) 1977 عن النص المسرحى (لابد من وجود أساقفة) للمكسيكى "رافائيل سولانا" ، عن علاقة شائكة بين أسثف وربة بيت ، تنتهى بموته 0 وعن رواية (المكان بلا حدود) للروائى التشيلى المعروف "خوسيه دونوسو" قدم "ريبستيين" عام 1977 فيلما بذات العنوان ، حصل به مخرجه على جائزة التحكيم الخاصة بمهرجان سان سباستيان الدولى ، وأحتل الفيلم المركز التاسع فى قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما المكسيكية ، وفقا لاختيارات النقاد للقائمة التى نشرتها مجلة ( somos ) فى يوليو 1994 .
مع ثمانينيات القرن الماضى ، يصعد نجم "ريبستيين" ويتألق إبداعه ، بداية من فيلمه (أمبراطورية الحظ) الذى كتبته السيناريو له زوجته "باث أليثيا جارثيادييجو" ، مفتتحة به مشوارها مع أهم أفلامه ، ومنطلقة من تقديم رؤية جديدة لرواية "خوان رولفو" (الديك الذهبى) التى قدمها من قبل المخرج "روبيرتو جابلادين" فى فيلم له عام 1964 ، شارك فى كتابة السيناريو له كلا من "جابريل جارثيا ماركيز" و"كارلوس فوينتس" ، مقدمان به رؤية جديدة ومغايرة لذات الرواية التى صاغها اثنان من أبرز كتاب الرواية والسينما فى أمريكا اللاتينية .
ومع عام 1991 تحول "ريبستين" بنظره نحو العالم خارج المكسيك ، فالتقط رواية (الميناء) Le Port للفرنسى "جى دى موباسان" ، التى سبق للمكسيك إنتاجها عام 1934 بعنوان (امرأة الميناء) من إخراج "آركادى بويتلر" و"رافائيل سيبيا" مازجين فيه بين القصة الرواية الأصلية وقصة (ناتاشا) للروسى "ليون تولستوى" ، وحقق هذا الفيلم نجاحا جماهيريا ونقديا ، أدخله ضمن أفضل مائة فيلم مكسيكى ، وقد كان أحد أسباب التقاط "ريبستيين" لهذه الرواية تحديا مع فيلم سابق لأحد أبناء بلده ، فضلا عن خروجه بروايات أفلامه نحو أوربا ، فقامت "باث جارثيا دييجو" بكتابة السيناريو الجديد معتمدة فقط على الرواية الفرنسية ، وحمل الفيلم الجديد أيضا عنوان (امرأة الميناء) ، شاركت الولايات المتحدة فى إنتاجه ، وقدم "ريبيستيين" من خلاله عالما يبدو شبيها بعالم مسرحية "البير كامى" الشهيرة (سوء تفاهم) ، والتى يغيب فيها الابن لسنوات طوال ، ليعود ذات يوم إلى حيث تعيش الأم والأخت اللتين تديران فندقا صغيرا بشاطئ بحرى ، يخفى حقيقته عنهما بغرض المفاجأة ، غير أنه يقتل بأمرهما طمعا فى ماله ، بينما الابن هنا "مارو" يعود بعد غياب طويل ليهبط كبحار بأحد الموانئ ، ليجد المرأة "توماسا" تدير مع ابنتها الجميلة "برلا" العاهر منزلا للمتعة للبحارة ، فيقيم دون أن يدرى علاقة محرمة مع أخته ، ويتم سرد دراما الفيلم عبر الرؤى المختلفة للشخصيات الثلاث .
يجئ عام 1993 لينقل توجه "ريبستيين" للرواية نحو الوطن العربى ، فيقوم بإخراج رواية "محفوظ" (بداية ونهاية) ، ويشرف من خلال إنتاجه والده على خروج فيلم عن رواية (زقاق المدق) أخرجه تلميذه "خورخى فونس" ، بينما أنشغل "ريبستيين" بعمل فيلم عن السيرة الحياتية بعنوان (ملكة الليل) فى نفس العام 1994 ، ثم استلهم موضوع فيلمه التالى (قرمزى عميق) ، والذى شاركت أسبانيا وفرنسا فى إنتاجه ، من فيلم سابق أنتجته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969 بعنوان (قتلة شهر العسل) من إخراج "مارتين سكورسيسى" و"ليونارد كاستل" ، وهما معا يحكيان قصة حقيقة حدثت بالولايات المتحدة فى أربعينيات القرن الماضى ، وعرفت بقصة (قتلة القلوب الوحيدة) ، وهى أشبه بقصة الأختين "ريا" و"سكينة" المصرية ، ولكنها هنا قصة عاشقين ، لا يقف أى شئء فى طريق حبهما ، يديؤان مكتبا لتسفير النسوة خارج البلاد ، ومن تأتى إليهما تقتل وتختفى ، يقدم الفيلم أربعة جرائم قتل منها على الشاشة ، والقصة المصرية التى تكرر إخراجها ، عادت الولايات المتحدة لإنتاج نفس القصة عام 2006 بعنوان (القلوب الوحيدة) من إخراج "تود روبينسون" وبطولة "سلمى حايك" و"جارد ليتو" مع "جون ترافولتا" .
فى نهاية تسعينيات القرن الماضى يعود ريبستيين" لعالمه الأثير ، عالم السرد الروائى ، عائدا فى نفس الوقت للروائي الذى شاركه أفلامه الأولى ، بعد أن صار عالميا ، وهو "جارثيا جابرييل ماركيز" ، فيقدم له فى إنتاج مشترك مع أسبانيا وفرنسا روايته الشهيرة (ليس الكولونيل من يراسله) وذلك عام 1999 ، مقدما هذا الموقف شديد المأسوية لكولونيل وصل لسن التقاعد ، وتمر السنون لتبلغ 27 سنة ، وهو ينتظر دون جدوى وصول خطاب استحقاقه للمعاش ، ومع ذلك فمازال يتباهى بذاته متفاخرا بما أنجزه ، مكتفيا فى بيته الخرب بصحبة زوجته التى تكرر عليه مأساة موت أبنه فى عملية حقيرة ، ومكتفيا بديكه "" الذى يعده تميمته ورفيقه ووسيلته للغنتصار على الآخرين فى مباريات صراع الديكة . أنه نفس (الديك الذهبى) الذى ظهر فى فيلم ( إمبراطورية الحظ) عن سيناريو لماركيز وقصة "خوان رولفو" .
بفيلم (هكذا هى الحياة) عام 2000 ستجه "ريبستيين" مرى أخرى إلى المسرح ، ليقدم عن سيناريو "جارثيادييجو" ، وبالتصوير الرقمى( الديجيتال) ، مسرحية(ميديا) للكاتب الرومانى القديم "سنيكا" فى صورة عصرية ، تظهر فيها الزوجة "جوليا" محبة للحياة ، ومخلصة للزوج وأبنيهما ، ومشاركة له فى الحياة المنزلية بالعمل كممرضة ببيتها ، وذات يوم يقع زوجها "نيكولاس" فى هوى أخرى أصغر منها سنا ، هى ابنة صاحب بيتها ، فينهار العالم الذى صتعته بيديها ، بعد أن هجرها الزوج ، وطردت من البيت ، وتوشك أن تفقد حضانة ولديها ، فتقوم بالانتقام من زوجها فى ولديهما .
عن رواية الكاتب الأسبانى المولد ، الألمانى الأصل ، المكسيكى الإقامة والكتابة "ماكس أوب" تكتب "جارثيادييجو" سيناريو فيلم (عذراء الرغبة) ، ليقدم على الشاشة "ريبستيين" فيلما مثيرا للخيال ، وتدور وقائعه فى أربعينيات القرن الماضى بمدبنة فبلا كروز المكسيكية ، وذلك حول مجموعة من الأسبان الهاربين من حكم ديكتاتور أسبانيا الجنرال "فرانكو" ، يبرز من بينهم الشاب الخجول "إجاناثيو خورادو" والذى يعمل نادلا بأحد المقاهى ، لا يفعل شيئا فى حياته غير العمل والاستغراق بخياله مع مجموعة من الصور البورنوجرافية ، حتى يلتقى بالغانية "لولا" التى تقابل خجله بالمواجهة الفجة ، ويصبح بالتدريج أسيرا لها ، بينما تتعلق هى بمصارع ملثم يحتقرها ، فلا يملك "إجناسيو" غبر خياله ومجموعة الأسبان اللاجئين عالما يفر إليه ويستقر بأعماقه .
مواصلة للنهل من عالم الرواية ، يتوجه "ريبستيين" للدومنيكان ليلتقط مع كاتبة السيناريو له الأثيرة "باث إليثيا جارثيادييجو" رواية (كرنفال سادوم) الكاتب الشاب "بدرو أنطونيو بالديث" ، والتى حققت نجاحا نقديا باهرا حين نشره لأول مرة عام 2002 ، ليقدمها عام 2006 فى فيلم بذات العنوان ، يقدم من خلاله مجموعة من المحبطين فى مجتمعهم ، يلتقون داخل بيت ليس فوق مستوى الشبهات ، ويستعدون للمشاركة فى كرنفال القرية السنوى ، فيمتزج فى علاقتهم بصورة إستعارية الفساد والجنس وازدواجية أخلاقية داخل ثقافة مهجنة تصيب أصحابها بالإحباط من كل شئ فى المجتمع .
تشكل الرواية الفرنسية وعوالمها الخاصة ، أحد أسس إبداع المكسيكى "ريبستيين" ، فبعد تقديمه لرواية "موباسان" (الميناء) ، يقدم فى أخر أفلامه حتى الآن معالجة حرة لرواية الكاتب الفرنسى "جوستاف فلوبير" الشهيرة (مدام بوفارى) باسم (نوازع القلب) 2011 ، فى إنتاج مشترك مع أسبانيا ، بعد أن سبقه فى التقديم "جان رنوار" و"كلود شابرول" و"مانويل دى اوليبييرا" ، حيث نلتقى بربة البيت "إميليا" المحبطة بدورها من حياتها المتواضعة ، بسبب فشل زوجها فى العمل ، وعدم إنجابها ، شاعرة بأن كأس صبرها يكاد أن يفرغ ، ومحاصرة داخل بيت أشبه على الشاشة بالسجن أو المستشفى ، تبحث عن أيامها الضائعة أمام مرآة تكشف زوال العمر ، فلا تملك ألا أن تدخل فى المغامرة تلو الآخرى ، دون أن تحقق ما تصبو إليه من حياة سعيدة ومستقرة ، فتقدم على الإنتحار فى نهاية المطاف .
يتوقف "ريبيستين" عن الإخراج خلال العامين الماضيين ، ليظهر مؤخرا كممثل فى فيلم ينتمى لعالم السينما المستقلة ، بعنوان (الانترنيت المدمن) مع "أنخلا مولينا"، من إنتاج وتأليف وإخراج الكولومبى "ألكسندر كاتزوفيتش" ، يسعى للكشف عن الحب المفقود اليوم ، بسبب إدمان الانترنيت ، وذلك عبر تشابك مجموعة من العلاقات العاطفية التى تتم بين أماكن متباعدة ، يظل أصحابها أسرى العالم الافتراضى دون قدرة على الفكاك منه .
عشق محرجنا المكسيكى للرواية ليس عشقا لذاته ، بل هو مؤسس على وعى بما تمتلكه الرواية من عمق الموضوعات ، وكثافة تكوين الشخصيات ، وتعدد المواقف والأماكن والأجواء ، فضلا عن أن تضعه فى حال تحد مع إبداع سابق عليه ، وأبنية ترتكز على السرد والوصف للأماكن والأحاسيس ، عبر راو يعرف كل شيء عن كل شيء ، بينما تتأسس السينما على فن الصور المرئية التى ترصد الأماكن وتقدمها بعيون مصوريها ، وتعتمد الحوار وسيلة للكشف عما يدور بالأعماق ، وهو ما يضع على كاهل "ريبستيين" وغيره من السينمائئين مهمة إعادة تقديم العالم الروائي سينمائيا برؤى مغايرة ، وليس فقط ترجمة الكلمة لصورة مرئية ، وقد نجح "ريبستيين" فى تحقيق الغاية الأولى ، فصار أبرز مبدعى السينما الروائية .
بقلم د. حسن عطية
مجلة العربى – يناير 2014
ساحة النقاش