كان المطرب والملحن المصري الشهير كارم محمود نجما ساطع في الحياة الموسيقية المصرية والعربية, فقد كان مطربا عُرف بقدراته الصوتية المتميزة التي جعلته بجانب أدائه للأغاني في مختلف ألوانها, نجما ساطعا في عروض المسرح الغنائي المصري, كما قام ببطولة عدد من الصور الغنائية بالإذاعة المصرية, بالإضافة إلى الأفلام السينمائية التي قام ببطولتها. والذي لا يعرف عنه الكثير هو أنه كان ملحناً متميزاً لحن "187" لحنا غناها بنفسه, نذكر منها "أمانة عليك يا ليل طوِّل- سمرة يا سمرة- داري قصاد داره", وبجانب ذلك فقد قام بغناء الحان غيره من الملحنين.
ولد كارم محمود في السادس عشر من مارس 1922, بمدينة دمنهور, وفي طفولته كان يرافق أخاه الذي كان يكبره بخمسة عشر عاما لحضور سهرات في الإنشاد الديني وترتيل القرآن الكريم, وكانت تلك هي التجربة التي صقلت موهبته. وفي المدرسة اكتشف مدرس الموسيقا موهبته الموسيقية, فاختاره وهو طفل صغير ليغني في الحفلات السنوية المدرسية. وذات يوم أسمعته والدته للموسيقي المعروف محمد حسن الشجاعي, الذي أوضح لوالدته أن ابنها يمتلك فعلا موهبة حقيقية, ونصحها بضرورة صقل موهبته بالعلم, وعليه أن يلتحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقا العربية بالقاهرة. وبالفعل سافر كارم محمود إلى القاهرة, وتقدم لامتحان القبول بالمعهد, ونجح بتفوق, وانتظم في الدراسة بالمعهد, حيث درس مع كبار الأساتذة في عصره ومنهم فؤاد محفوظ والشيخ درويش الحريري والأستاذ صفر علي, وتعلم عزف العود على يد الأستاذ حسن غريب. وكان لهؤلاء الأساتذة اكبر الأثر في صقل مواهبه الموسيقية.
تخرج كارم محمود في قسم الغناء بمعهد فؤاد الأول للموسيقا العربية بمرتبة الشرف, ومُنح شهادة تفيد أن ترتيبه كان الأول طوال مدة دراسته في المعهد.
بدأ كارم محمود يمارس عمله كمطرب متمكن من فنه, صقل موهبته على يد أكبر الأساتذة في مصر آنذاك. وكانت أول أغنية سجلها للإذاعة المصرية هي أغنية "محلى الدهبية". وعندما عُيِّن مؤلف الموسيقا وقائد الأوركسترا المصري محمد حسن الشجاعي عام 1953 مستشاراً موسيقيا للإذاعة المصرية, كان لمعرفته السابقة بكارم محمود أكبر الأثر في تعاونهما فنيا. فقد قام كارم محمود ببطولة العديد من "الصور الغنائية" التي كانت تُقدم في الإذاعة المصرية آنذاك, ومن تلك الصور نذكر" عوف الأصيل- قطر الندى- رواية- سوق بلدنا- علي بابا والأربعين حرامي- أبناء الفنون- قرية الجن- زرياب- العروس والملاح- يا ليل يا عين- الشاطر حسن".
وعندما افتتح التليفزيون المصري قَدَّمَ كارم محمود الكثير من نماذج تراث الغناء العربي بكل اقتدار.
وقام كارم محمود ببطولة أربعة عشر فيلما نذكر منها " ملكة الجمال- نص الليل – عيني بترف –فايق ورايق- جزيرة الأحلام – تحيا الرجالة- دستة مناديل- تار بات".
غنى كارم محمود كل أشكال الغناء العربي وباللهجات المتخلفة, وغنى في كل أنحاء الوطن العربي, وفي أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1956 كان في زيارة لتونس, وتحمس وقاد مظاهرات شعبية وطنية حماسية ضد الاحتلال الفرنسي, وحملته الجماهير على الأكتاف وهو يغني "تونس الخضراء" وغنى كذلك بلا خوف أو تردد أغاني وطنية ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر, وخصوصا نشيد " باسم الأحرار الخمسة". وقد أدت مواقفه هذه إلى قيام سلطات الاحتلال الفرنسي باعتقاله, وإيداعه في السجن لمدة ثلاثة أشهر حتى تدخلت سلطات عديدة ومنها جمعية المؤلفين والملحنين في باريس, للإفراج عن المطرب الثائر. ولقد ظلت الحكومة الجزائرية توجه الدعوة لكارم محمود سنويا لحضور الاحتفال بالاستقلال, ومنحته شهادة تقدير ووساما.
قام كارم محمود ببطولة العديد من المسرحيات الغنائية التي عُرض أغلبها على مسرح دار أوبرا القاهرة "القديمة", وكان صوته من طبقة التينور, قويا قادراً على الغناء في دار الأوبرا بدون ميكروفونات, ومن تلك المسرحيات الغنائية التي قام ببطولتها نذكر " ليلة من ألف ليلة" تلحين أحمد صدقي عامي "1949" و"1977" –"البيرق النبوي" تلحين أحمد صدقي "1958" –"العشرة الطيبة" تلحين سيد درويش "1960"- "البروكة" تلحين سيد درويش " 1961"- "هدية العمر" تلحين محمد الموجي "1966".
وقام كارم محمود ببطولة "34" صورة إذاعية غنائية نذكر منها "لولي الندى- قرية الجن- سوق بلدنا- ليلة القاهرة- قلب فنان- العروس والملاح- الفيلسوف- متحف الشمع- رعاة الأندلس- محمد- متحف الفن- العقدة انحلت- نور النبي- صقر قريش- جزيرة السبع بنات- الراعي الأسمر- عروس البحر- عوف الأصيل- حكايات الربيع- زرياب- كليوباترا- قطر الندى- أرض الخير".
ومن الأغاني التي لحنها كارم محمود وغناها بنفسه نذكر:
"الله على الهمة يا رجالة- الصلاة على النبي- أهلا يا حبيبنا يا رمضان – ألفين صلاة على المصطفى- آه م الهوى آهين- يادي الغرام- يا زينة الصبايا- يا حلو رمشك ندهلي- سمرة يا سمرة- سمرة وشقرة- داري قصاد داره- تونس الخضرة- محلا الصباح محلاه- أمانة عليك يا ليل طًوِّل- المهر غالي- يا حلو ناديلي- الهوى مكتوب علينا".
وكذلك فقد غنى كارم محمود أغاني من ألحان غيره من الملحنين نذكر منها: "على شط بحر الهوى- عيني بترف- عطشان يا إسكندرية" من تلحين محمود الشريف- "يا بايع الورد غالي- محلاها الدنيا- أبا سعدة- أدخلوها بسلام- يا قمره طالعة- شجرة الحرية- يا مقسِّم الأرزاق" من تلحين أحمد صدقي- "يا نفس توبي- ودعني وفات لي هواه- الدنيا ليل" تلحين عبد المنعم الحريري," يا قاهرة يا أم التاريخ- الرزق للشغالة- سبع ليالي" تلحين عبد العظيم محمد-" بشاير الخير- لحن الصيادين- في حب الله" تلحين عبد العظيم عبد الحق," يا طيف الأمل- يانا يا العُزًال" تلحين محمد الموجي-"عنًابي- قلبي المسافر- طريق الحب" تلحين حلمي أمين-" زي النهار ده- ليه يحسدوني- يا نور العيون" تلحين حسين جنيد- "علمني إزاي أنساك- إيه الدوا للحب- يا فالق الصبح- لك الحمد" تلحين فؤاد حلمي, "يا دنيا الأحلام- يا للا نغني" تلحين عبد الحليم علي-"غمر الوجود بنوره- يا صاحي- المسحراتي" تلحين مرسي الحريري- "دموع الفرح- عشاق قلبي- يا ريتني من بور سعيد" تلحين زكريا احمد-" بدري يا ليل الشوق- طمنيني" تلحين عزت الجاهلي-" سلاما يا بلادي- البعث الكبير- قصيدة المساء- ليلة القاهرة" تلحين علي إسماعيل-" ياما أسعد الحجاج- أنسام الحرية- الأرض الطيبة" تلحين علي فَرًّاج- "كلام الله- في كل شيء موجود – بلاد الله لخلق الله" تلحين رضا حمدي- "النيل- بلادنا الجميلة- أشواق" تلحين يوسف شوقي-" الله حي- شعب واحد- رجاء" تلحين سيد مكاوي-" الحلو اللي شغل بالي- سلًم عليّ- قصة غرام" تلحين محمود كامل.
وبعد حياة فنية حافلة بالإنجازات, رحل كارم محمود عن عالمنا في الخامس عشر من يناير 1995, رحمه الله رحمة واسعة.
والسؤال الآن, لماذا لا تُقدم أعمال الفنان الراحل كارم محمود لتتعرف عليها الأجيال, لتعرف ما أنجزته الأجيال السابقة سواء كارم محمود أو غيره من كبار الفنانين, حتى تستفيد منه عند تقديم فن معاصر يستلهم تراثه الموسيقى المصرية وما احتواه من أفكار فنية, وتجديدات موسيقية.
المصدر/ مجلة الكواكب
العدد/ 2204 – بتاريخ 15 يناير 2013
بقلم/ د. زين نصار
أستاذ النقد الموسيقي- بأكاديمية الفنون
ساحة النقاش