هل هناك مدرسة عراقية في الإخراج؟؟؟
ظهرت في المسرح العراقي العديد من الاتجاهات في الإخراج المسرحي؛ بدءًا من مرحلة التأسيس ثم الاحتراف، وحتى ظهور
التجارب الشبابية التي قدمت أكثر من صورة في أساليب الإخراج مثل المسرح التجريبي، أو مسرح الصورة، وغيرهما. وقد تأثرت تلك الأساليب، في بدايتها، بالأساليب الإخراجية الأوروبية واتجاهاتها، وحدث ذلك على يد بعض الفنانين الرواد ممّن درس في أوروبا وتعرّف على أسرار تلك الاتجاهات، ومن ثم عاد الى العراق ليطبقها في تجارب متعددة، ولعل أبرز من مثـّلها الفنانون حقي الشبلي، وإبراهيم جلال، وجاسم العبودي، وقاسم محمد، وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وغيرهم. وجاء من بعدهم فنانون آخرون نهلوا من معينهم، وأضافوا إليهم بحكم تطور الأساليب والاتجاهات الإخراجية. وقد حاولنا، في هذا الاستطلاع، أن ننطلق من سؤال محوريّ: هل وصلت تلك الاتجاهات إلى حد أن تمثل مدرسة عراقية في الإخراج، أم ظلت صدًى للتجارب الغربية التي وفدت إلينا عبر المسرح؟ ولهذا استطلعنا آراء بعض المخرجين الكبار والشباب، إضافة الى رأي النقاد بهذه الظاهرة.
*** لا تزال تقاليد المسرح القديمة فاعلة ***
* المخرج الأكاديمي د. عقيل مهدي:
- تختلف أجيال المسرح العراقي بالضرورة تبعًا لتطور الظاهرة المسرحية من الداخل، وكذلك نتيجة لارتباطها بمتغيرات خارجية تخصّ المنظومة السياسية والاجتماعية في العراق، فلو شئنا المقارنة مثلا بين جيل الرواد والأجيال التالية لذلك الجيل المؤسس، أو جيل الآباء، لوجدناهم يختلفون؛ سواء من حيث الرؤى، أو المنهج، أو النتائج. الجيل الجديد أخذ معلوماته كلها، أو معظمها، من أولئك الذين كرّسوا الظاهرة المسرحية بوصفها معمارًا أكاديميًا يخضع لمنظومة عالمية تعيد إنتاج المسرح معرفيًا وتقنيًا، وتأخذ بالاعتبار طبيعة طلاب المسرح، وأنماط مواهبهم، وهذا ما يحتمه النسق الخاص بكليات الفنون الجميلة.
الاختلاف قائم بين تضاريس الثقافة العراقية ومنها المسرح بين من يمتلك الخبرة والدراية والموهبة، ومن يعدم هذه المواصفات.
ولو طبقنا الأمر على الأجيال لوجدناهم يختلفون، أيضًا، بمصادرهم ومراجعهم وحقيقة حراكهم الإبداعي في المسرح.
لا توجد مسطرة لقياس الموهوبين مسرحيًا حيث نطمئن إلى علو هذا وانخفاض ذاك! لكن ضمن هذه التبدلات النسبية نلحظ كائنات فردية متفردة ومحسوبة على المسرح لأنهم من أبنائه الحقيقيين، وهناك من يشذ عن هذه القاعدة، ويصبح أجنبيًّا عن مجتمع المسرح الحقيقي، فالعالم اليوم، في الشرق والغرب، ينظر إلى تأثير المسرح الاجتماعي والفكري والجمالي بعين التقدير والرضا، لأنه يوفر للناس الغبطة والتطور الذوقي الرفيع، وينتصر للإنسان وقضايا العدالة والديمقراطية.
تأثرت النخب المسرحية، في العالم العربي عامّة ، وفي العراق خاصّة ، بحركة المسرح العالمي الذي قطع أشواطا كبيرة في منجزاته الإبداعية، واستطاعت أكاديمياته الفنية أن تستقطب الكثير من الدارسين العرب؛ والعراقيين، ممّا جعلهم يؤدون مهامهم بدرجة من الرضا النسبي عن الذات بما استطاعوا تحصيله من علوم مسرحية مرموقة.
هكذا تجد اتجاهات قد اختفت، واتجاهات أخرى قد استتُحْدِثت في حركة مسرحنا الوطني، واليوم يقوم جيل من شباب المسرح العراقي بتداول هذا الخطاب الفني على وفق ثقافة وقدرات العاملين المسرحيين أنفسهم.
قد تجد فوضى هنا أو هناك، أو ادّعاءات فارغة، عقيمة، قائمة على الدجل والمصلحة والمنافع المنافقة بما يعطي انطباعًا زائفـًا عن حقيقة المسرح العراقي وجوهره الأصيل، ومازالت بعض تقاليد المسرح القديم فاعلة؛ مثل وجود المسرح التجاري، وتذبذب حركة المسرح الجاد الرسمي، والخضوع لآفة الشطارة وانتهاز الفرص غير الشرعية، والتساهل غير المنضبط، أو المسؤول في تسويق الأعمال المسرحية البائسة والمقفلة التي تعيد قوالب نمطية تفتك بالذائقة المسرحية نفسها. وقد رصد النقد المسرحي العراقي هذه الظاهرة، واستطاع أن يقوّمها ويفصل بين غثـّها من سمينها، بطريقة أكاديمية رصينة، كما وُضِعت دراسات أكاديمية متقدمة، شكلت بعدًا ثمينـًا في تجربتنا الوطنية، وتقاليدنا الإبداعية ضمن حقل المسرح.
المخرجون عندنا ثلاثة أصناف؛ تقليديون، ورؤيّويون وشكلانيون
* الباحث عقيل إبراهيم العطية:
- من الظواهر اللافتة في حركة مسرحنا العراقي كثرة أعداد المخرجين، ففي الفرقة القومية للتمثيل، على سبيل المثال، هناك قرابة العشرين مخرجًا، فإذا أضفنا المخرجين الآخرين، من أساتذة كليات الفنون والمعاهد الفنية والفرق الأهلية... يكون العدد مهولا. صحيح أن ذلك قد يعني سعة في الحراك المسرحي، وهذا أمر إيجابي، حتمًا، ولكن المشكلة تكمن في محاولة تصنيف هذا العدد من المخرجين، كما فهمت من السؤال، إلى مدارس واتجاهات؛ عند ذلك يكون الأمر غاية في التعقيد، بالنسبة لي في الأقل، لأن الأمر يحتاج إلى دراسة وتمحيص دقيقين، وأستطيع القول، وأنا مطمئن لحد ما... إن هناك مخرجين تقليديين تنحصر مَهَمَّتهم في تفسير النص وتقديمه كما أراده مؤلفه، وهم الغالبية، وأقل من هؤلاء بكثير، يوجد المخرجون المجتهدون الذين يمتلكون رؤى خاصة بهم؛ يمكن أن تضيف إلى النص الكثير وعلى عاتق أولئك يقوم صرح المسرح العراقي. ولا تعدم حركتنا المسرحية وجود مخرجين يهتمون بالشكل ولاشيء غيره، فهم شكلا نيون لا يحترمون النصوص لأنها مجرد نقطة انطلاق إلى حيث تزدحم عروضهم بالمتممات والأكسسوارات، يهمهم توليد المزيد من الصور والبحث، ربما، عن الغرابة. وثمة من يسمي ما يقدمه بالمسرح التجريبي بعد أن شاع هذا المصطلح أي ( التجريب ) في العقود الماضية... إنها حيص بيص ليس إلا!
*** كـُسِرَت الأطر، ولكنها لم تُرَسِّخ جديدًا ***
* المخرج أحمد حسن موسى قال:-
- المتتبع للحركة المسرحية في العراق يجد أن أساليب الإخراج المسرحي قد تغيرت بشكل كبير بعد عام 1985 ما قام به صلاح القصب من تنظير خاصّة ، ما شكـّل دافعًا كبيرًا لجيل من المخرجين الشباب في أن يقوموا بتجارب مسرحية عراقية مهمة. لقد دفع القصب الشباب المنخرط في المسرح،، بتجريبيته العالية، دفعهم إلى كسر الأطر، والأسلوبية السائدة في المسرح العراقي، ومنحهم مساحة على خشبة المسرح العراقي، بدليل أن منتدى المسرح بعد عام 1985 قد استنبط عروضًا جديدة حققت أشياء كثيرة، كما استنبطت العملية الإخراجية أساليب جديدة، واستطاعت تجاربها استثمار عروض عالمية بشكل جديد، وتقديمها في مسرحنا؛ مثل تجارب يونسكو وهارولت بنتر، وزاوجت الاشتغال العراقي في تجاربه المعروفة، بمسرح الفرجة ومسرح الصورة للقصب، وقد خرجنا بتجارب مهمة، لكن هل ترسخت تلك التجارب؟ أنا أشك أن ذلك قد حدث، والسبب ليس في المخرجين الشباب، بل في المؤسسة المسرحية، بشكل عام، لأنها لم تمنح ذلك الجيل الجديد فرصة ترسيخ تجاربهم، ومع ذلك هناك تجارب تتفاوت في أشكالها وطروحاتها ومنظومة العرض والسينوغرافيا، أنتجت عرضًا يشتغل على الفضاء، والأطر الجديدة في العمل.
*** الاتجاه نحو الفضاء المسرحيّ ***
* المخرج إبراهيم حنون قال :-
أعتقد أن طبيعة العصر ومتغيراته عامل مهم جدًا في إثراء الفضاء المسرحي.
لقد شهدت الأساليب والمفاهيم الإخراجية، انقلابات متتالية بسبب تطور ديناميكية المسرح، وتأثيره وخطابه، ومواجهته مع المتفرج.
وأعتقد، أيضًا، أن التيارات الحديثة التي عمل عليها أغلب مخرجي العالم هو العمل على الفضاء وصناعته، وتطويره وتوليده، والارتقاء بخطاباته. والمسرح الحديث يعتمد كليًّا، على الممثل باعتباره صانع العرض المسرحي، وهذا العقد الجماعي بين مجمل العناصر الفنية ما هو إلا عامل مهم وكبير في إثراء العرض المسرحي، وهذا يختلف عمّا كان سابقـًا؛ ممّا يعني أن هناك تطورًا في اتجاهات الإخراج المسرحي في العراق وفي العالم أيضا.
*** ليس هناك مدرسة عراقية في الإخراج ***
* المخرج حيدر منعثر:
- ليس هناك مدرسة عراقية في الإخراج، وأشكّ في أنه ليس هناك تقاليد، وأسس لقيام مسرح عربي خالص. يجب أن نعترف بأن المسرح وفد علينا من الغرب؛ بكل ما يحمله من أساليب واتجاهات ورؤى.
بدأ الإخراج في المسرح منذ قرن ونيف، وما قدمه الأساتذة الكبار من رواد المسرح؛ بدءًا بحقي الشبلي، وجاسم العبودي، وإبراهيم جلال، وقاسم محمد، وسامي عبد الحميد، وغيرهم، كان من تأثيرات الغرب، لاسيما أنهم درسوا هناك، وجاؤوا إلى العراق لتطبيق ما درسوه في الغرب في كل الأساليب والمدارس. وما يقدم، الآن، ليس سوى امتداد لتلك التأثيرات.
لا يمكن أن يُحْصَر الإخراج بعنوان، أي أنْ نقول: إخراج عراقي، لأن الإخراج هو هو في كل العالم.. الإخراج هو الصورة، وهو الرؤية، لكن في النواحي الأخرى مثل النص والأدب، يكون التصنيف ممكنا.، أي إنّ طريقة الإخراج هي التي تحدد طريقة الشكل على خشبة المسرح، وكل المخرجين أخذوا وتأثروا بالرواد، وأساليبهم، ويحاول كل مخرج أن يجد بصمته في ذلك الأسلوب الذي يقدمه.
أنا، شخصيا أعمل بطريق إيقاع العرض الذي أقدمه لذلك عروضي المسرحية لا تجد فيها مدرسة إخراجية محددة بل أسعى لخلق الإمتاع والإقناع، وهو أساس العملية الإخراجية.
ـــــــــــــــــــــــ
قحطان القاسم
المصدر موقع الفرجة ـ يناير 2012
ساحة النقاش