عرفت مصر حركة التأليف الموسيقى منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضى منذ أن كتب مؤلف الموسيقا المصرى الراحل يوسف جريس (1899- 1961) القصيد السيمفونى (مصر) عام 1932 وقدمه لاول مرة بمدينة الاسكندرية فى السادس عشر من اغسطس عام 1933 وانطلق بحركة التأليف الموسيقى مع زميليه حسن رشيد (1896- 1969) وابو بكر خيرت (1910- 1963).
جاء بعد ذلك الجيل الثانى من مؤلفى الموسيقا المصريين الذين درسوا الموسيقى العربية وعمل أغلبهم فى سوق العمل الموسيقى واكتسبوا خبراتهم العملية من خلال العزف فى الفرق الموسيقية المصاحبة كغناء المطربين والمطربات وقيادتهم لتلك الفرق وبعد ذلك درسوا العلوم الموسيقية العربية من بناء موسيقى ولغة هارمونية وأساليب كونترا بونطية وكتابة أوركسترالية وحرصوا طوال الوقت على الاستفادة من كل تلك العلوم لإثراء مؤلفاتهم الموسيقية مع حرصهم على المحافظة على الطابع المصرى لأعمالهم. فوجدنا الجيل الثانى ضم مؤلفين أمثال : محمد حسن الشجاعى (1903- 1963) عبد الحليم على (1907- 1971) – على فراج (1914- 2009) – إبراهيم حجاج (1916- 1987) – عبد الحليم نويرة (1916- 1985) فؤاد الظاهرى (1916- 1988) – كامل الرمالى (1992) – على إسماعيل (1922- 1974) – عطية شرارة (1923) – رفعت جرانة (1924) وكل هؤلاء وغيرهم قدموا مؤلفات موسيقية دخلت تاريخ الموسيقا المصرية فى القرن العشرين عن جدارة فقد ألفوا الموسيقا البحتة.
وألقوا الموسيقا للأفلام الروائية المصرية وكذلك ألفوا الموسيقا للأعمال المسرحية، وللصور الغنائية فى الإذاعة المصرية.
دور الإذاعة المصرية فى رعاية الموسيقا والغناء؛ فى بداية حياة المؤلفين السابق ذكرهم وغيرهم كانت النافذة الوحيدة التى من خلالها قدموا أعمالهم هى أوركسترا الإذاعة المصرية الذى تكون عام 1951، وفى عام 1953 عين مؤلف الموسيقا وقائد الأوركسترا المصرى محمد حسن الشجاعى (1903- 1963) مستشاراً موسيقياً للإذاعة المصرية، وعين معه فى نفس القرار العالم الموسيقى الكبير أحمد المصرى (1920- 2000) فحرصاً معا على تشجيع كل أصحاب المواهب الموسيقية، وفتحاً أبواب الإذاعة المصرية لكل المبدعين الحقيقين وبهذا وجد مؤلفو الموسيقا المصريون الاوركسترا الذى يقدم أعمالهم كما لمسوا بوضوح الرعاية والتشجيع فاندفعوا يكتبون مؤلفاتهم المتنوعة فى كل المجالات، وسجلها أوركسترا الإذاعة المصرية، والتى تمثل الآن كنزاً مصرياً ثميناً يجب المحافظة عليه بكل قوة، ونقله وحفظه بالوسائل التكنولوجية المعاصرة التى فاقت كل خيال.
وفى عام 1959 تم نقل أوركسترا الإذاعة المصرية إلى دار أوبرا القاهرة (القديمة) وأطلق عليه (أوركسترا القاهرة السيمفونى) وزيد عدد عازفيه ليفى بالمتطلبات الفنية الفنية الجديدة، من تقديم المؤلفات الأوركسترالية العالمية ومصاحبة عروض الباليه التى كانت تقدم آنذاك واستمر أوركسترا القاهرة السيمفونى فى تقديم اعمال مؤلفى الموسيقا المصريين من خلال الحفلات الأسبوعية ليس هذا فقط وغنما ايضاً قدم فى عام 1963 مهرجان يوليو الموسيقى والذى كان مخصصاُ لتقديم المؤلفات الأوركسترالية والغنائية المصرية والعربية واستمر ذلك المهرجان سنوياً حتى توقف عقب هزيمة يونيه عام 1967.
كان هذا حال المؤلف الموسيقى المصرى فى الأيام الخوالى، فما هى حالة اليوم؟
إن المؤلف الموسيقى المصرى يقضى عدة سنوات لكى يؤلف عملاً موسيقياً ويتكلف مصاريف تدوينه لكل آله من آلات الأوركسترا بالإضافة إلى المدونة الموسيقية الكاملة التى يستخدمها قائد الأوركسترا أثناء قيادته العمل لأن العمل مدون فيها كاملاً. وإذا كان العمل (أوبرا) أو (باليه) فلابد للمؤلف أن يقدم كذلك نصاً موسيقياً آخر غير النص المكتوب للأوركسترا لكى يؤدى على آلة بيانو منفردة حتى يتسنى استخدام هذا النص فى التدريبات التى تقدم بها العناصر المشاركة فى العرض المقدم.
وبعد أن يقدم العمل يتقاضى جميع المشاركين فى تقديم العرض أجورهم من عازفين ومغنيين وراقصين – إن وجدوا- وقائد العرض كل هؤلاء يتقاضون أجورهم إلا المؤلف الموسيقى الذى أبدع العمل وقدم عصارة فكره ووقته، فإنه لا يتقاضى مليماً واحداً .. فهل هذا من العدل؟ وأين حقوق الملكية الفكرية المعترف بها فى كل بلاد العالم. وإذا كان الأمر ذلك فلماذا يقوم المؤلف الموسيقى بتأليف أعمال جديدة؟
فهل هكذا تشجع مؤلفى الموسيقا فى مصر وهم فى طليعة من يقدمون الفنون المصرية الراقية.
أرجو أن يتم تدارك كل هذه الملاحظات وأن يعود مهرجان اتجاهات عربية فى شهر فبراير المقبل متيحاً للجمهور الاستماع إلى تراثه الموسيقى الذى قدمه مؤلفون مصريون وعرب عبر أجيالهم .. ويكون هناك تشجيع خاص لشباب المؤلفين، حتى ترى أعمالهم النور ويستمعوا إليها حتى يطورا أفكارهم وأساليبهم مع كل عمل جديد يقدمونه كان هذا عن المؤلفين، فماذا عن العازفين الذين بدونهم لا يخرج أى عمل موسيقى للنور؟
إن المعهدين الأساسيين لتخريج العازفين المهرة هما المعهد العالى للموسيقا العربية وكونسيرفتوار القاهرة وهما تابعان لكاديمية الفنون فمعهد الموسيقا العربية يخرج العازفين المهرة على الآلات المستخدمة فى تقديم الموسيقا العربية وقد نجح فى أداء رسالته ومازال يواصلها فأغلب أعضاء فرق الموسيقا العربية الأربع بدار الأوبرا المصرية (فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقا العربية – الفرقة القومية العربية للموسيقا – فرقة التراث – فرقة الانشاد الدينى) من خريجى المعهد العالى للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون والعازفين فى أوركسترا القاهرة السيمفونى وأوركسترا الأوبرا أغلبهم من خريجى كونسيرفتوار القاهرة وبعضهم من البارعين من خريجى المعهد العالى للموسيقا العربية.
كل هؤلاء الخرجين هم خبرات نادرة صرفت عليهم الدولة ملايين الجنيهات ويجب علينا أن نقدرهم حق قدرهم فهم فنانون مرهفو الحس، يحتاجون إلى معاملة راقية تتناسب مع ما يؤدون من أعمال فنية شديدة التخصص، وكذلك لابد من إجزال العطاء لهم حتى يتمكنوا من أن يعيشوا حياة كريمة ويتفرغوا لإتقان عملهم.
وخارج نطاق دار الاوبرا المصرية هناك حفلات ليالى التليفزيون وأضواء المدينة التى تتيح الفرصة لتقديم العديد من المواهب المختلفة.
المصدر / مجلة الفنون
بقلم/ د. زين نصار
ساحة النقاش