د. وسام بشير
هناك لبس في الترجمة العربية لمصطلح الانطباعية إذ إن هناك من يترجمها بالتأثيرية، ومن المعروف أن الأصل في المصطلح يرجع لأصحابه الذين ابتكروه، وأصل بدأ في الفن التشكيلي على أيدي الرواد الانطباعيين من أمثال كلود مونيه وكان المنهج الأساسي في هذه المدرسة هو رصد اللحظة التي لمحها الفنان تحت مؤثرات ضوئية معينة.
ومن هنا كان الربط الموضوعي بين الضوء كقيمة تشكيلية والانطباع كانفعال نفسي عند الفنان على أساس أن ينتقل إلى المتلقي بعد ذلك ولذلك فالانطباع سواء عند الفنان أو المتلقي هو المحور الأساسي الذي يدور في هذا الاتجاه في الإبداع التشكيلي، أما ترجمة هذا المصطلح إلى التأثيرية فهو ترجمة فضفاضة لا تحمل في طياتها منهجا علميا مقننا، فعلى مستوى العلاقة بين العمل الفني والمتلقي فإنه لابد أن يحدث تأثير من جراء تعرضه للوحة وعلى مستوى العلاقات بين العناصر الداخلية في تكوين اللوحة فإنها لابد أن تنهض على مبدأ التأثير والتأثر المتبادلين فيما بينهما وبالتالي فإن التأثير ينتمي إلى أصول الصنعة الفنية ولا يشكل مذهبا أو مدرسة أو اتجاها فنيا له خصائصه المميزة، بمعنى آخر فإن اللوحة لو كانت لها عوامل أو إمكانات تأثيرية فهذا تحصيل حاصل.
وتعرف الانطباعية في المعجم الأدبي كما يلي:
1- انطباع: للفظ معنيان عامان :-
أ: الانفعال الذي يتولد في نفس الفنان نتيجة عوامل خارجية أو داخلية وينجم عنه عادة تعبير تختلف أداته وطريقة أداته حسب اختصاص الفنان.
ب: الانفعال الذي يحس به المتذوق أثر فني عند تمليه منه فيعبر عن ذلك بالاستحسان أو الاستهجان أو بتحليل ملامح الجمال والقبح فيه.
والانطباعية حركة فنية بدت في الظهور في أوائل الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ولم يعجب الناس أول الأمر برسوم الفنانين الانطباعيين لأنهم أخذوا يحاولون تمثيل حقيقة الطبيعة بشكل جديد غير معهود من قبل، وتعتبر المدرسة الانطباعية أول تيار حديث في فن الرسم وقد سماه بهذا الاسم الناقد الفني الصحفي "لوروا" في مقالة تنضح بالسخرية اللاذعة.
وقد كان لظهور الانطباعية جذور تاريخية بعيدة يمكن الاستدلال عليها في أعمال "جيورجيوني"في إيطاليا والجريكو وفيلاسكيز في إسبانيا، وترنر وكونستابل في انجلترا، أما الجذور القريبة نجدها في بعض كتابات وأعمال بعض الفنانين.
فقد روت جورج صاند الكاتبة الفرنسية المعروفة أن ديلاكروا خلال سهرة عندها عام 1841م شرح لابنها سر الانعكاسات وأعطى مثالا وقال إذا أخذت هذه الأريكية الزرقاء وهذه السجادة الحمراء ووضعتهما معا تجدهما تجذبان النظر حيث تتلاقى درجتان متجانستان في اللون فيصير الأحمر متأثرا بالأزرق ويمتزج الأزرق بالأحمر فيتولد البنفسجي في الوسط من الاثنين معا،وهكذا يمكنك في لوحة أن تضع الدرجات اللونية الأعنف وتعطيها انعكاسات متقاربة لكن لن تحصل على تناقضات في اللون.
وأكثر دراسات الانطباعيين تجمع على كون ديلاكروا رائد الانطباعية وإذا كانوا هم ينادون بأهمية الألوان والظلال الملونة فكان ديلاكروا يعلن في مذكراته عام 1852م " الرمادي عدو كل رسم" وهو يميز اللون الموضعي واللون الضوئي.
وفي الحديث عن الرواد الأوائل للمذهب الانطباعي لا نستطيع أن نغفل الفنان" إدوارد مانيه" ولعل"مانيه" هو أول ما نسب إليه زيادة المنهج الانطباعي بالرغم من أنه فنان غير انطباعي بالمعنى المطلوب، كما أنه لم يشترك على الإطلاق في أي معرض من المعارض الثمانية التي نظمها الانطباعيون،وقد بدت تلك العلاقة بين مانيه والانطباعية حين أنجز لوحته الشهيرة "الغذاء على العشب" ثم ما لبث أن أنجز لوحته الأخيرة تحت اسم "أولمبيا"، وكانت هاتان اللوحتان ثورة حقيقية على كل التقاليد في ذلك الوقت لذلك اعتبره الانطباعيون الشباب زعيمهم القوى الجرئ الذي يعبر عن مشاكلهم أمام كل الأوساط في فرنسا.
أما رائد الانطباعية الأول فهو "كلود مانيه" الذي كان في الحقيقة يصور الضوء بمعنى أصح كان يصور اللون باعتباره بلورات ضوئية فليس هناك ألوان ثابتة للأشياء أو حتى للواقع وإن ألوان هذه الوقائع كلها تخضع في تبايناتها ودرجاتها المختلفة لطاقة الضوء الساقطة عليها ثم أنجز لوحته الشهيرة "انعكاس ضوء الشمس" ومن بعدها أسندت إليه ريادة الانطباعية.
المصدر/ جريدة القاهرة
العدد/635-بتاريخ 7من أغسطس 2012
ساحة النقاش