دراسة في المصطلح

" اننى افتح كل نوافذي لتهب عليها كل الافكار والمذاهب من كل انحاء الارض ولكنني لا اسمى لأى شيء منها ان يقتلعني من جذوري ويقطع ما بيني وبين تراث بلادي من صلات عميقة" ...... غاندي

اولا اشكالية البداية

ان هذه الدراسة  تطمح ضمن ما تطمح اليه الى تحديد بداية تقريبية للمسرح العربي ولكنها لا تتوقف وهى في طريقها الى هذا التحديد عن تجديد او اعادة النظر في بعض المصطلحات التي طالما اخطأ بعضنا في تفسيرها سواء من جانب تلك المنتمية الى النقد الغربي او التي تنتمى الى لغتنا العربية.

لهذا تصطحب هذه الدراسة القارئ معها في جولة سريعة حول المصطلح النقدي واستخداماته القديمة او الحديثة في مصر والوطن العربي ولا سيما المصطلحات الفنية الاساسية أملا في الوصول الى نتائج جديدة مرضية تكشف لنا عن الحلقة المفقودة في تاريخ مسرحنا العربي بين اجيالنا الحاضرة والاقدمين الذين عبروا بلغاتهم الاصطلاحية عن فنون المسرح المختلفة والتي كانت تتبدل مسمياتها الاصطلاحية عبر الاحقاب فقد كان لكل حقبة تاريخية مسمياتها الخاصة وكانت تتوارثها الاجيال ثم تغيرها بدورها الى ان حدثت قطيعة لغوية بين الاجيال تسببت في غموض كثير من المصطلحات فأصبحت نهبا للظنون والترجيحات في تفسيراتها ولكن الباحث النابه "شموئيل موريه " استطاع من خلال الاخبار والنوادر التاريخية ان يلتقط خيطا ذهبيا وضع ايدينا على اللغة الاصطلاحية التي استخدمها النقاد القدامى في احقاب تاريخية مختلفة والتي غمض بعضها على النقاد المعاصرين فأعجزنا ذلك عن ادراك اشكالنا المسرحية المختلفة ، ولهذا يدين له البحث بالفضل حيث انه قد نبهنا الى اعادة النظر مرة اخرى في تلك المصطلحات فاضطررت ان ابحثها مرة اخرى في اصولها العربية وقد تحققت من مصداقية مصادرها ورأيت اننا اولى منه بهذا فدفعني ذلك الى ان اقلب الامر بصورة اشمل حيث اكتشفت اننا لم نسء فهم بعض المصطلحات العربية القديمة فحسب وانما مازال هناك الكثيرون يخلطون بين المصطلحات الغربية المهمة ولا سيما الاساسية منها مثل مصطلحي " المسرح والدراما " وكان لسوء الفهم هذا اثار سلبية على فهمنا لظاهرة المسرح بوجه عام.

والحقيقة ان موريه ببحثه هذا قد عرى عورتنا النقدية واظهر قصورنا واستسهالنا التعامل مع مصطلحاتنا النقدية القديمة فمحدثونا الذين تعرضوا لهذا المصطلحات لم يحاولوا ادراك غير المعنى العام الذى توحى به ولذلك ذهبت معظم تلك المجهودات ادراج الرياح لأنها اوقفت نشاطها على المعاجم اللغوية التقليدية فقط وخصوصا مع المصطلحات التي جاء اشتقاقها من الفاظ عامية مثل مصطلح " المحبظين " الذى حاول البعض نسبته الى اساليب المديح " حبذ " وظنوا انها تحريف له وظن البعض الاخر على سبيل المثال ان فن المحبظين في مصر وليد القرن التاسع عشر استنادا على رصد احد المستشرقين لبعض اعمال هذا الفرق بينما هو فن ان لم يكن سابقا على فن خيال الظل في القدم فهو على الاقل مواز له زمنيا وقد كتب ابن دانيال ( 1311 – 1238 ) نفسه على لسان الامير وصال – احدى شخصياته في " بابة طيف الخيال " ما يدلنا على هذا البعد التاريخي.

" انا محبظ الشيطان ، انا انهش من ثعبان "

سوف نتعرض لمثل هذه المصطلحات المهمة بشيء من التفصيل في متن هذا البحث وقد فرضت طبيعة البحث اتباع المنهج التاريخي لاقتفاء اثر المصطلح النقدي والفني في مهده ومتابعة ظلاله التي اكتسبها عبر رحلته التاريخية والمتغيرات الى طرأت عليه لتعيننا في النهاية على تحديد بداية استنتاجية مقبولة للمسرح العربي خصوصا وانه قد خرج علينا البعض في هذه القضية بأحكام غير دقيقة وغير موثقة سواء من ارادوا ان يجافوا الحقيقة وينكروا على العرب معرفتهم بالمسرح او من يؤيدون ذلك كما تطمح هذه الدراسة ايضا الى ان تكون مقدمة للعديد من الدراسات التي تعمل على تنقية اجوائنا النقدية من هذه المغالطات وقبل ان نخوض تجربتنا مع المصطلح الغربي والعربي الذى نعده المفتاح الحقيقي للكشف عن انماطنا المسرحية المجهولة – علينا ان نتوقف هنا اولا امام القضية المهمة الخاصة ببداية المسرح العربي الحديث اما جذور المسرح العربي فقط خصصنا لها المبحث الثاني.

بداية المسرح العربي الحديث

لا تخلو هذه البداية الحديثة ايضا من الخلاف حولها فقد تعددت فيها الآراء وانقسمت ولا نجد مشقة في تنفيذ هذه الآراء فهناك من يعتقد ان البداية قد جاءت مع الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 م والرأي الاخر ينكر هذه البداية وظنها جاءت على يد التاجر اللبناني " مارون النقاش " سنة 1847م عندما عرض مسرحيته الاولى وقد اطمأن هذان الفريقان الى ان العرب لم يعرفوا المسرح قبل هذين التاريخين هناك فريق ثالث مشحون بالعاطفة وقد جرته هذه العاطفة الى تلفيق الامور والتحايل عليها ولى عنق الحقيقة احيانا اخرى ليثبت في النهاية معرفة العرب بفن المسرح ودون ان يمدنا بالفعل بأسانيد مقنعة.

وهناك كذلك من اخذ يتساءل ويخلص في البحث عن مبنى يجد فيه شكل المدرج الإغريقي او العلبة الايطالية كدليل مادى على وجود فكرة المسرح لدى العرب لان فكرو المسرح عند هؤلاء ارتبطت في اذهانهم بالتجربة الغربية ولو يتخيلوا صورة اخرى للمسرح قد تكون المسرح المتنقل الذى يتشكل في الشوارع والميادين والاسواق مع ترتيبات بسيطة فيأخذ طابعه الشرقي البعيد كل البعد في شكله ومضمونه عن التجربة الغربية وقد تكون اشكلا اخرى لم يدركها من درس المسرح الغربي فحسب ويعود السبب فى هذا الخلط وتنوع الآراء وتناقضها الى عدم وضوح مفهوم حقيقة " فكرة المسرح " في اذهان الكثيرين.

علينا الان ان نناقش هذه الآراء ولنبدأ بالرأي الذى يتشيع للحملة الفرنسية ويتصور انها هي التي جلبت المسرح الى مصر ... اننا في حقيقة الامر نلتمس بعض العذر لأصحاب هذا الرأي خاصة وان هذه الفترة قد توفرت عنها معلومات دقيقة شملت معظم انشطة الحياة وهى المرة الاولى ايضا الى نعلم فيها انه شيد مسرح ذو طراز غربي على ارض مصر حيث ان بعضا من رجال نابليون من محبى وممارسي الفنون قد مثلوا بعض المسرحيات الفرنسية لتسلية الضباط حتى ان الجنرال " مينو " نفسه قد اهتم بتشييد مسرح للتمثيل اطلق عليه اسم " مسرح الجمهورية ".

وقد استعرض الدكتور محمد يوسف نجم تلك الحقبة بالتفصيل فى كتابه المعروف بأسم " المسرحية في الادب العربي الحديث " ودعونا نفحص تلك الفترة بهدوء وروية ونتأمل وصف عبد الرحمن الجبرتي لافتتاح الكوميدي فرانسيز بالقاهرة في 29 ديسمبر 1800 وسوف نلاحظ اولا : ان هذه الحفلات المسرحية التي كانت تقام في هذا المسرح تكاد تكون مقصورة ومغلقة على الجنود الفرنسيين ومع افضل فروض الظن على من يكون محل ثقة الفرنسيين خاصة وان الحملة الفرنسية لم تكن نزهة او مجرد زيارة ودية لمصر ولكنها كانت عدوانا دمويا انتهك فيه الفرنسيون كل ما كان المصريون يقدسونه ولم يكتفوا بجرح مشاعرهم الدينية وكرامتهم فقط وانما استولوا على ارزاقهم واستباحوا لنفسهم اعراضهم ومعظم ما يملكونه ووصف الجبرتي يدل على تلك العزلة التي فرضتها دواعي الامن بالنسبة للفرنسيين هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فلا المكان ولا الزمان كان يتسع ويسمح لعامة المصريين بارتياد هذه الحفلات وفى الاغلب الاعم فان الجبرتي نفسه كان يراقب ما يدور من بعيد ولم يذكر ابدا ان المصريين او بعضهم كانوا يترددون على هذا المكان ... اذن يستبعد ان تكون معرفتنا للمسرح قد جاءت على يد ذلك الغازي الشرس خاصة واننا عثرنا على اشارة تاريخية يمكن ان نستنبط منها ان مصر قد عرفت المسرح قبل الحملة الفرنسية بزمن طويل بالمعنى الذى يطمئن اليه اصحاب الثقة في المعيار الأوروبي .. وهذه الاشارة في رأينا على جانب كبير من الاهمية فقد جاءت في سياق خبر سياسي عن احد العملاء المصريين الذين تعاونوا مع قادة الحملة وهذه الاشارة وردت في صحيفة الكورييه دليجيت في عام 1798م حيث ذكر الخبر بأن المعلم يعقوب القائد العام لقوات القبط قد اقام مأدبة عشاء في التاسع من هذا الشهر لساري عسكر الفرنسيين والقادة في الجيش وتبع الادبة تقديم كوميديا عربية ... ومصطلح كوميديا كان يعنى عند الفرنسيين " مسرحية " سواء كانت درام او كوميديا.

وما يهمنا في هذا الخبر انه قد وردت فى جريدة سياسية هامة حررت بأقلام اعلام فرنسيين متخصصين اصحاب باع طويل في علوم المسرح والدراما بمعنى ان لهم الكفاية فى الحمكم الدقيق على ما يشاهدونه فهم اذن حكم ليس نابعا من الذوق الشخصي فحسب ويكفى ان نعرف انه كان من بين الذين رافقوا نابليون الكاتب الفنان فيفان دينون والاديب برسيفال دجر ميزون والموسيقى فيلوتو والرسام ريجو وغيرهم من الفنانين والمترجمين امثال فانتور مارسل ، جوبير ، رفائيل ، رودتيه ودترتر ..... وهذه الخبر وان بدا للبعض بسيط يعتبر فى غاية الامية لانه يحتوى على دلالات كثيرة منها ان مصر قد عرفت المسرح معرفة جيدة قل هذا التاريخ أي قبل الحملة الفرنسية كمان ان المسرحية التى قدمت كانت ولابد تتمتع بمستوى طيب حتى ان المعلم يعقوب استخدمها وسيلة ترحيب بأولياء نعمته وعلى رأسهم سارى عسكر الفرنسيين اى انها كانت جديرة بأن تقدم امام كبار رجال دولة.

 

كتب/ د. عطية العقادالمصدر/ جريدة مسرحنا14 مارس 2011

 

ساحة النقاش

joymbia

[email protected]

مرحبا
انه لمن دواعي سروري للاتصال بك بعد veiwing ملفك اليوم في kenanaonline.com أحبها وأصبحت مهتمة ايضا في معرفة المزيد عنك، وأنا كنت بلز في الاتصال بي عبر بريدي الإلكتروني ([email protected]) بحيث سأقدم كنت صوري بالنسبة لك أن تعرف جيدا لي
فرح

hello
It my pleasure to contact you after veiwing your profile today at kenanaonline.com i love it and also became interested in knowing more about you,Plz i will you to contact me through my email ([email protected])so that i will give you my pictures for you to know me well
Joy

marketing-suite

http://kenanaonline.com/marketing-suite/

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,821,047