**"أود أن أخرج باليهات تجعل المشاهدين مأخوذين بمصير أبطالها"

**المتفرد نشأ فقيراً وقضى أسعد لحظات طفولته فى كنف أمه التى كانت تشجعه على الرقص.

لم يحدث وأن جلست قط قبل ذلك لأفكر فيما يجب أن يفعله الباليه على خشبة المسرح، وذلك لأننى عرفت مبكراً ما أود أن أقدمه فى مهنتى، هذا ما يقوله "كينيث ماكميلان عن نفسه، وما يقوله أيضاً الآخرون عنه، إنه "فرانسيس بيكون الباليه، وتقول عنه الناقدة الفنية جان بيرى إنه حدد وساهم فى صياغة مستقبل الباليه البريطانى، وهو أيضاً واحد من الشخصيات الغامضة وغير العادية التى قد تصادفها على الاطلاق.

قدمت قائمة من التشخيصات لما يعانيه من اعراض واضطرابات شملت :مخاوف مرضية، شعور بالاغتراب، قلق، نوبات، اكتئاب، خوف مرضى من الجنون، خوف مرضى من الإصابة بالسرطان، خوف مرضى من الطيران ... إلخ.

الخوف هو ما يقود ماكميلان – والذى يعد واحداً من اعظم مصممى الرقصات البريطانيين – والخوف كان قضيته، والخوف أيضاً هو ما جعله عظيماً.

ولعل جان بارى كانت تعلم ذلك جيداً عندما قررت أن تكرس عشر سنوات من عمرها فى كتابة قصة حياته، لتنشرها فى كتاب بعنوان المتفرد: حياة كينيث ماكميلان"، وتقول جوديت فرندرز عن الكتاب: "يشبه كتاب جان بارى" المتفرد والذى يحكى رحلة حياة كينيث ماكميلان رقصة باليه، ولكن تنقصها بعض الخطوات المفقودة".

إن ماكميلان ليس مجرد شخصية مضطربة انفعاليا، ولكنه كان شخصية حنونة ، خفيفة الظل، محبة للحياة، لقد كون صداقات طويلة ومخلصة، وزواجاً سعيداً، بالرغم من ان ذلك قد يبدو غير مؤكد عند الحديث عن ميوله الجنسية.

ولعل ما كان يعانى منه من وساوس واغتراب وحالات نفسية شاذة تعكس ما كانت تعانيه نفسه المعذبة من ألم واغتراب، إن تصميمات رقصاته تحتوى على كثير من الصراخ الصامت، تبتدى فيها وحشية وجمال الجسد البشرى، ويقدم الجنس فى أعماله كعدوان عنيف – يصل أحياناً إلى حد الاغتصاب – بدلاً من كونه تعبيراً عن نشوة أو رغبة منطلقة، أو تعبيراً عن الحب. إن الظلام والدفعات البشرية المحطمة لها لديه صدى أكثر حقيقية وواقعية من الدفعات البشرية المفعمة بالأمل.

ولد ماكميلان لأسرة اسكتلندية تنتمى للطبقة العاملة فى عام عام 1929 مات والده فى الحرب العالمية الأولى، وقد جاءت الفرصة العظمى لماكميلان من خلال دراسته، حيث انتقل خلال الحرب لى دتيفورد بالقرب من شيفلد، وهناك اكتشف الرقص. وتناقش بارى السبب فى أن ماكميلان كان يشعر دوماً بذاته مغتربة قائلة تتبع سيرة حياة المتفرد، منذ طفولته والتى نشأ من خلالها فى فقر مدقع، كطفل أصغر بين أربعة أطفال، وبوفاة غير عادية للأب فى الحرب، وكانت أسعد لحظات حياته تلك التى كان يقضيها بين ذراعى أمه "اديث" والتى كانت تشجعه على الرقص.

ولقد توفيت فى عام 1942 عندما كان كينيث عمره 12 عاماً، وكان خارج المنزل، وعند عودته طلب من أبوه أن يقبل جثمان أمه، وطلب منه أيضاً ألا يبكى، ولم يبك كينيث، تقول بيرى: لقد كان عاجزاً عن التعبير عن فجيعته بسبب اضطرابه وشوعوره بالارتباك، وقمع مشاعره وانفعالاته وتستطرد: لقد دفع ثمن هذا مؤخراً فى حياته كما كان يذكر له مراراً وتكراراً الأطباء النفسيون. ومهما كانت آثار وفاة والدة كينيث على نفسيته، ألا إنها دفعته للرقص، وترى بارى أن هناك أسباباً أخرى لمتاعب واضطرابات فى الجنس تظهر نفسها لديه من وقت لآخر.

وسريعاً ما يلاقى التعزيز فى عام 1945 بواسطة مؤسس باليه رويال نينتى دى فالوا، وبحلول عام 1952 يصبح كينيث ماكميلان مصمماً للرقصات ويجد طريقة إلى مهنة حياته. وترصد بارى عملية خلق وابداع كل واحدة من باليهاته التى وهبت له الخلود.

بعضها حظى بنجاح سريع ومباشر، وبعضها كان مشهوراً فى أيامه، وأخرى تلاشت، والبعض الاخر استغرق وقتاً لكى ينال الاستحسان، وأخرى الاهتمام بها كان متراوحاً، ولكن الشىء الصادم كان النقد اللاذع لما كان يستحق التقدير والثناء.

وبرغم كل هذا فقد عمل بدأب واستمرار ليبدع أكثر من 100 عمل مختلف فى غضون 40 عاماً فى تيار منتظم وثابت، ولم يجد بفعل نجاحه الباهر فى الفترة 1950 – 1960 أو النقد اللاذع الذى تعرض له، وسلسة الأمراض التى أصابته فى الفترة من عام 1970 – 1980 إنه لم يشك، ولم يهلل، ولكنه كان مثالاً للشخص الذى ينفض الغبار عن كوارثه، ويطوى آلامه ويبدأ فى عمل جديد، إنها البطولة الإيجابية.

وتحول ماكميلان من الرقص الى تصميم الرقصات فى بداية العشرينيات من عمره، ووضع أول تصميماته المسرحية قبل أن يتم الثلاثين عاماً، وقد عمل مع المصمم نيكولاس جورجاديس والذى كان الشريك الابداعى له فى معظم أعماله، وكان مصدر وحيه وشاعره لين سيمور يوفر له الشراع الابداعى المذهل الذى استطاع أن يبدع من خلال اعمال، ولقد استمد من حالاته النفسيه أعماله المفعمة بالاحساس بالذنب والخوف والرعب من المرض أو من الأماكن المرتفعة والمقفلة والضيقة.

ولكن الاضطرابات الجنسية كان التطرق لها على أضيق الحدود ربما لأنه لم تكن هناك معلومات هامة تذكر، ويفترض أصدقاؤه أنه كان مثالياُ، وراقصو الباليه يرون أنه كان يعانى من مشكلات مع الفتيات. الذى يبدع باليهات مثل "الدعوة"، و "مانون" ،و "روميو وجولييت" فهو مصمم رقصات يبدو أن لديه كلا الجانبين، إنه ضحية ومسىء، ولعل هذا الصراع هو ما كان يسبب له الألم.

وبعد عقد من الأعمال ذات الممثل الواحد، قدم أول باليه له بأبعاد أوبرالية، وهو الذى صنع اسم ماكميلان وهو باليه "روميو وجولييت". وهو العمل الذى كان يتسم بالأصالة والعفوية، وقد أصبح علامة مميزة فى تاريخه، تلتها الملاحم البطولية التى تشتمل على ممثلين أو ثلاثة ممثلين على الأكثر مثل مانون ومارلينج، والتى تعد من أبرز أعماله. هذه هى الأعمال التى يشتهر بها على المسرح الآن، بالرغم من ان المؤلفة تذكرنا بشكل مفيد بالعديد من أعمال الباليه النفسى التى يمثلها ممثل واحد والتى نادراً ما يتم تمثيلها الآن. ولعل وصف جان بارى للقصص المخبأة من اعماله كان مختصراً.

وعندما أصيب بالسكتة التى حالت بينه وبين الشراب عزم على أن يصبح متحرراً منه، وبالرغم من أصدقاءه كانوا يذكرونه بوصفه شخصية حميمة وحماسية وخفيفة الظل، إلا أنه كان دائماً مكتئباً وقلقاً ولديه هوس العظمة. لكن وبرغم جميع صعوباته، ألا أنه احتجز نفسه فى حجرة البروفات واستمر فى العمل الذى وصل به الى خلق أو إبداع أكثر من 60 باليها، تضمن ثلاثة باليهات – روميو وجولييت، ومانون، ومايلنج – وهى باليهات تعرف بأنها عبارة عن تجديد وإعادة بعث الروح لما يسمى الباليه الحكائى.

وبالرغم مما تسرده بارى، فإن هناك قصة ناقصة كان يجب أن تحكى، حيث ترسم لنا بارى صورة درامية جيدة لراقص ومصمم الباليه ولكنها نادراً ما تذكر خطوات الرقصة، وتعطى احساسا فقيرا لما تبدو عليه الحركات، أى شخص لم يشاهد أعمال ماكميلان فلن يشعر بأى ثراء أو إضافة بعد قراءة الكتاب، وبشكل مشابه فهى قد أخفقت فى إعطاء أى تقييم استرجاعى لتأثير ماكميلان، حيث يرى آرلين كروك أن ماكميلان كان كمن يقوم بحرث مجهد لحقل ضيق وعميق، وبالنسبة لعديدين فإن هذا كان قلب القضية فى "المتفرد" أعطتنا بارى ماكميلان الانسان فى متاعبه ودراميته، وابداعه التاريخى، ولكنها تجاهلت ماكميلان مصمم رقصات الباليه.

ولكنها بحيادية ملحوظة تصف الأحداث بعمق، ثم عن السبب الذى كان يجعل ماكميلان غير رافض للتفاهم أو الاذعان لمطالب الفرقة التى اختارها هو توضح:

لقد كان طموحاً جداً، ولوقت ما كان يمحو ذاته للتوصل إلى تفاهم أو تسوية كان يقوم بها بواسطة قوى لائمة فوق تحكمه.

وتدلل على عدم قدرته على التعامل ومعالجة الأمور فى مواجهة باليه رويال – حتى عندما كان مخرجاً له – رفض أن يسمح له باستخدام موسيقى قداس الموتى فى أحد الباليهات الخاصة به على أساس أنها تتنافى مع الدين بالرغم من رضا البابا – على الجانب الآخر فقد كانت واضحة حول مشاعره الخاصة كمخرج. لقد كان كتابها يرسم صورة لرجل صعب ومعقد، فقير وثرى، حاول رفقاه من الأمراض تحديد قواه.

ولقد بدأت بارى بالنهاية، حيث مساء 29 أكتوبر 1992 عندما كان ماكميلان فى عمر 62 عاماً وأصيب بأزمة قلبية وتوفى خلف الكواليس فى مسرح كوفنت جاردن، وبالرغم من أن عملية اعلان وفاته سببت معاناة لأسرته حيث قرار الاعلان الفورى عن وفاته من على خشبة المسرح، الا أن بارى تقول: "الآن ربما لكينيث، ابن الطبقة العاملة المشتعل بالطموح والذى كان يقدم عملاً منجزاً على مسرح كوفنت جاردن ومسرح رويال جاردن، يعد هذا هو المكان الصحيح للانسحاب".

وفى آخر باليه له "شجرة جداس" والذى قدم عام 1992 يقول:" هناك شىء ما بداخلى لم اسجله وخرج منى فى هذا الباليه لدرجة أننى أجده مخيفاً".

  

المصدر/ جريدة مسرحنا

ترجمة/ عزة هاشم

العدد/188 – بتاريخ 21 فبراير 2011

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,875,247