** اختيار الأسماء ارتبط فى العصر الفرعونى بعبادة الالهة.

** الفاطميون تسموا بأسماء عربية للتقرب من الشعب.

 لا تتوقف الأسماء عند دلالتها اللفظية المعبرة عن أشخاص بل تتحول في حالات كثيرة إلى ظاهرة ثقافية تؤكد علي طبيعة مجتمع ما في فترة ما وتعبر أكثر عما يحبه هذا المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته وميوله، ومصر بتاريخها الطويل تعد أبرز نماذج تغيير أسماء البشر، فأسماء المصري القديم في العصر الفرعوني غير أسماء المصري في عصر حكم الرومان، ودخول المسيحية مصر ترك أثره علي اختيار الأسماء وفي العصور الإسلامية ظهرت الأسماء العربية والتركية والفارسية، لتتحول خريطة الأسماء في مصر لفسيفساء بديعة التكوين لا يعرف العالم لها مثيلا، فنظرة لتطور الأسماء في مصر تعطي لمحة وجزءا من شخصية مصر.

مع بداية شعور الإنسان المصري بذاته وضرورة التميز بين الأفراد ظهرت الحاجة لأسماء مميزة للأشخاص، إلا أن المصري المتدين بطبعه أراد أن يبرز ارتباطه بآلهته علي مر العصور، فمنذ الأسرة الرابعة ونحن نجد اقترانا لاسم الإله باسم الشخص كاسم الملك "خف –رع" والذي يعني اسمه "التجلي مثل رع" وهو ما تكرر مع ابنه "منكاورع" والذي يعني "طويل العمر بقوة رع" وهي الظاهرة التي استمرت في عصر الدولة الوسطي وإن كانت شاهدة علي ازدياد قوة الإله آمون الذي حل في الصدارة عند المصريين القدماء، فظهرت الأسماء مقرونة باسمه كأشهر اسم لمعظم ملوك تلك الدولة امنمحات والتي تعني "آمون في المقدمة".

آمون وآتون

في عصر الدولة الحديثة ظهرت عبادة آمون رع باعتباره الإله الأعظم وسيد الآلهة فبدأ الملوك في استخدام كلا اللقبين في أسمائهم فكان امنوحتب وتعني مظهر عظمة آمون أو إرضاء آمون، ورع مسيس التي تعني "المختار من قبل رع" أو "وليد رع" وأشهر أسماء الأسرات 18 و19 و20.

وعندما قام الملك امنوحتب الرابع بثورته الدينية التوحيدية غير اسمه إلى اخناتون والذي يعني "لصالح آتون" أو "المفيد لآتون"، فلما توفي وجاء من بعده توت عنخ آتون والذي يعني اسمه "الصورة الحية لآتون" فشلت دعوة اخناتون الدينية وعاد كهنة آمون إلى سبق قوتهم وسلطتهم فتم تغيير اسم الملك إلى "توت عنخ أمون" والذي يعني الصورة الحية لآمون، لترتبط الأسماء لدي المصريين القدماء بمزاجهم الديني طوال العصر الفرعوني وهي الظاهرة التي توارثها المصريون حتي يومنا هذا فالمسيحيون يسمون أبناءهم بأسماء عبد المسيح وعبد النبي، والمسلمون يسمون أبناءهم بعبد الله وعبد الرحمن ليؤكد أبناء اليوم من المصريين صلتهم بأجدادهم القدماء وإن كانوا لا يشعرون.

أسماء يونانية

لم تكن الأسماء الدينية هي المظهر الوحيد للأسماء في مصر فقد تعرض المصريون لأمم كثيرة احتلت أرض هذا الوطن تفرض ثقافتها وأسماءها في الكثير من الأحيان ففي العصر اليوناني – الروماني ظهرت الأسماء اليونانية والرومانية كماريوس وانطونيوس ويوليوس كأسماء للطبقات الراقية في مصر في ذلك العصر فكان تسمية الطفل باسم يوناني تعني تلقائيا انتماءه لطبقة اجتماعية مرتفعة، ولما دخلت المسيحية مصر فرضت أسماء تلك العقيدة نفسها علي مصر خصوصا أسماء السيد المسيح عليه السلام وحوارييه كبطرس ومرقص ولوقا ومتي ويوحنا، وكان انتشار أسماء مريم وعيسي ومن بعدهما أسماء محمد وآل البيت دليلا علي مدي حب المصريين للرموز الدينية وارتباطهم بهم.

هذه الأسماء امتزجت مع الأسماء الفرعونية واستمرت مستخدمة لدي المسيحيين حتى يومنا هذا علي الرغم من أن البعض لا يعرف معني تلك الأسماء كـ"أبانوب" التي تعني عبد الإله أنوبيس، من "با" بمعني عبد و"أنوب" أي الإله أنوبيس، و"باخوم" أي عبد تمثال الإله لأن خوم تعني في الهيروغليفية تمثال الإله، وشنودة الذي يعني عبد الإله لأن شي بمعني عبد ونوتي بمعني الإله، وبشاي أي عبد في الهيروغليفية، وبيشوي أي عالي أو سامي، وبيومي من الهيروغليفية (با) أي المنتسب إلي (يوم) أي البحر.  

والمفارقة المدهشة أن الكثير من المصريين الذين توقفوا عن التسمي بأسماء فرعونية أصبحوا يتسمون بترجمة للاسم الفرعوني لأنهم تعودوا علي هذه الأسماء فيسمون عبد الله بدلا من شنودة، وعيد بدلا من بشاي، وسامي بدلا من بيشوي ووديع بدلا من واه هيب، وكان تمسك المصريين بأسماء العصر الفرعوني كرد فعل لمحاولات صبغ مصر بالصبغة اليونانية- الرومانية والتمسك بالجذور المصرية

الأسماء العربية

لم تشهد مصر تغييرا كبيرا في الأسماء بعد استقرار الحكم البيزنطي وانتشار الديانة المسيحية إلا أن الأمور تغيرت بشكل جذري مع دخول عمرو بن العاص مصر فاتحا فتغيرت لغة مصر وديانتها وجاءت أسماء جديدة لتنضم لقاموس الأسماء المصرية بل وتحتل الصدارة فأسماء الرسول ( ص) وأسماء آل بيته وصحابته أخذت الصدارة لدي المصريين تعبيرا عن حبهم لنبيهم فكان لأسماء التحميد ( محمد ومحمود واحمد) انتشارها البالغ كذلك أسماء آل البيت "حسن وحسين وزينب وعائشة وخديجة ونفيسة"، وكذلك أسماء الصحابة (رضوان الله عليهم) "أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن وعبد الله" وكذلك الأسماء المعبدة لله مثل " عبد الوهاب وعبد الرحيم وعبد الحليم وعبد الغفار".

وكانت الغلبة في العصور الإسلامية الأولي للأسماء العربية نتيجة لسيطرة العرب علي مقاليد الحكم في الدولة الإسلامية إلا أن العصر العباسي شهد سيطرة القادة الفرس الأتراك علي مقاليد الحكم في مختلف البلدان الإسلامية ومن بينها مصر التي خضعت لحكم الطولونيين والإخشيديين وهي عناصر تركية بدأت تظهر معها أسماء تركية علي الساحة المصرية كخمارويه وطغج وأنوجور، أما الثقافة الفارسية فكانت من أهم الثقافات التي تداخلت مع الثقافة العربية فتسللت أسماء فارسية لقاموس الأسماء العربية مثل "شاهين" و"خورشيد" بمعني الصقر.

إلا أن هذه الظاهرة انحصرت مع بداية الحكم الفاطمي علي مصر الذي أكد علي الطابع العربي فعادت الأسماء عربية مرة أخري خصوصا أن الخلفاء الفاطميين تسموا بأسماء عربية خالصة كالخليفة المعز واسمه "معد" وابنه الخليفة العزيز واسمه "نزار" كما أن أسماء علي وحسن وحسين وهي أشهر أسماء آل البيت كتب لها الذيوع بطريقة لم تشهدها من قبل ربما تملقا لخلفاء الدولة الفاطمية المنتسبين لآل البيت أو ربما لحب آل البيت الذين استضافهم المصريون بكل حب.

لكن الأسماء العربية كانت تعبر عن أبناء مصر وليس حكامها في العصر الأيوبي وبعده المملوكي فالملوك من أجناس أخري غير عربية كردية وتركية أحيانا لا تعرف العربية أصلا، فانتشرت أسماء غير عربية في الطبقة الحاكمة المصرية كطغتكين وشاهنشاه أي "ملك الملوك" و"بوري"، أما أسماء النساء فقد كان لها أداة تمييز بين نساء الطبقة الحاكمة ونساء العامة، فقد ألحقت بأسماء نساء الأمراء لفظ "خانم" الفارسية بمعني سيدة والتي عربت إلى هانم فكان أن تسمع اسم زينب خانم أو تركان خانم يعني أنها زوجة السلطان أو ابنته أو واحدة من زوجات الأمراء.

أسماء السلطة

وأخذت ظاهرة الأسماء غير العربية في التفشي في عصر سلاطين المماليك فهم رقيق تم شراؤهم من بلاد وسط آسيا من أجناس عدة ليتعلموا الفروسية وأمور الحكم والحرب، وهي طبقة ملكية ظلت تحكم مصر حتى مذبحة القلعة سنة 1811 م، وفرضت هذه الطبقة أسماء خاصة بها كتمييز طبقي عن بقية الشعب المصري فللشعب الأسماء العربية وللمماليك ومن حولهم الأسماء التركية والفارسية فكانت أسماء سلاطين المماليك في الغالب أسماء غير عربية كبيبرس وقطز وقلاوون وسلامش وجقمق وقايتباي، ومن الملاحظ أن السلاطين كانوا يحرصون علي تسمية أبنائهم بأسماء عربية دينية ربما للتقرب لعامة الشعب خصوصا مع إعداد الأبناء لخلافة الآباء كمحمد بن قلاوون الذي تولي هو وذريته لمدة تزيد عن الثمانين عاما كان معظم الأسماء عربية كالسلطان حسن والسلطان شعبان والسلطان أبو بكر.

إلا أن الظاهرة الأكثر انتشارا في العصر العثماني هي ظهور الأسماء المنسوبة للمهن والحرف بإضافة اللاحقة التركية "جي" التي تعني الانتساب للمهنة فظهرت عائلات القهوجي والشوربجي، ونجد أن في مصر أسماء لعائلات تحمل صفات أو مهنا انقرضت وانتهي عصرها، تعود لهذه الفترة مثل "السرجاني" من مهنة السرجة التي تعني عصر الزيوت، و"الحلوجي" صانع الحلوي، وكذلك "الحمامي" وهي مهنة مصرية حيث كانت القاهرة تضم حمامات يتولي الحمامي مهمة العمل علي راحة زبائنه، كما انقرضت مهنة "الطرابيشي" أو صناعة الطرابيش، ولكن مازالت الأسرة تحتفظ بالاسم.

إلا أن أكثر مظاهر التأثير العثماني علي الأسماء المصرية كان في الأسماء المصدرية التي كان الأتراك يستبدلون التاء المربوطة بأخرى مفتوحة فتصبح عصمة عصمت، وحكمة حكمت، وعفة عفت، وهي أسماء تصلح للرجال والنساء فنالت إعجاب المصريين فسموا بها.

وما كاد محمد علي يتولي الحكم سنة 1805 حتي ورث ضمن ما ورث تركة ضخمة من قاموس أسماء المصريين يضم الفرعوني جوار العربي واليوناني والقبطي مع الإسلامي والتركي والفارسي، فلم يكن للرجل الذي حدث مصر مفرا من أن يترك أثره علي الأسماء المصرية فظهرت في عصره أسماء الأرمن الذين أعتمد عليهم في شئون المالية والإدارة مثل حكيان ويعقوبيان وغيرهما، كما ظهرت في عهده بداية الأسماء الأوروبية نتيجة لاستعانته بالأوروبيين في تجربة التحديث ككلوت بك وهو ما كان بداية لغزو للأسماء الغربية في عصر أحفاده.

   

بقلم/حسن حافظ

 المصدر / مجلة آخر ساعة.

     30 يونيو 2010

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,892,579