إذا كانت للفنون الشعبية التشكيلية دلالات ورموز ومعان مرتبطة بسلوك وعقائد الغالبية من عامة الشعب وطبقاته المختلفة فإن المسرح فى اعتماده تشكيلياً على هذه الموروثات إنما يخلق حالة من التوحد مع جمهوره، وينقل له عبر الصور المرئية ما تحمله الكلمات التى يلقيها الممثل. مما يعنى ربط الصورة التشكيلية بالمضمون الفكرى والنفسى والاجتماعى والرمزى. أى الربط بين الشكل والمضمون وذلك عن طريق الموروثات الشعبية التشكيلية فى تصميم عناصرها ووحداتها.

من هذا المنطلق نقدم هنا تصوراً تشكيلياً لواحدة من المسرحيات الشعبية. وهى مسرحية "الملك معروف". للكاتب شوقى عبد الحكيم والتى كتبها فى عام 1965. والمصمم فى اختياره لهذه المسرحية يحاول تقديمها فى صورة تشكيلية جديدة لها معتمدا على دراساته السابقة حول طبيعة الفن التشكيلى الشعبى ومحاولة استلهامه فى أعمال مسرحية ذات صبغة شعبية.

وتتيح هذه المسرحية لمصمم المناظر مساحة كبرة وحرية فى اختياره أنسب الوحدات الزخرفية الشعبية التى أنتجها الجماعة الشعبية واهتمت بها وذلك من حيث كونها – وكما يقدمها مؤلفها – (فانتازيا) مستوحاة من حدوتة شفاهية شعبية مما يعنى أنها تعتمد على الخيال فى فكرتها الأساسية التى تدور حولها حكاية الملك معروف وتقدم فى إطار موسيقى واستعراضى راقص.

ومن هذا المنطلق لم يتعرض المؤلف فى مسرحيته لصورة دقيقة للمناظر المسرحية التى تدور فيها الأحداث ولكن اكتفى بأن يشير إلى أن الأحداث تدور فى ساحة لمدينة قديمة. حيث يجلس الملك معروف صاحب الحدوته على منصته العالية. أما المنظر الثانى من المسرحية فتدور أحداث فى مملكة الملك (العون). وبذلك ترك المؤلف الحرية كاملة لمصمم المناظر كى ينتقل بخياله فى عالم الفن الشعبى ليستلهم منه ما يناسبه لتقديم مناخ تشكيلى يتلائم مع الحكاية الخيالية التى تقدم لنا الحكمة وخلاصة تجارب السنين كسائر الفنون الشعبية التى يختفى صانعها خلفها ويكتفى بأن يقدم نفسه من خلال عمله الذى ابتكرته مخيلته الفطرية. وتعتمد مسرحية "الملك معروف" فى فكرتها الأساسية على مثل شعبى شائع وهو "من خلف مماتشى" أى من يخلف شىء وراءه.

"المرأة الأولى- فى حد هيقعد

المرأة الثانية – فيه اللى ساب حاجه

- حاجه

-   أيوه . خلف حاجه وراه، رجاله، ستات، عمل، كلمة حلوة، يبقى عايش، وإذا  ماكنش ساب حاجة يبقى مات." وتبدأ الحكاية بحدوتة تحكيها إمرأة عجوز. حدوته من كلام زمان – عن ملك أحب شعبه وسعى لتحقيق العدل والحرية والمساواة، وظل صامداً ومتمسكاً بمبادئه رغم الأحزان والآلام التى يئن تحت وطأتها، أعطى لشعبه كل شىء، ولم يعد يملك شيئاً أخر يعطيه أو يمنحه لهم، فيتخلى عن مكانه ويرحل، لتظل ذكراه عطرة وطيبة فى نفوس الناس الذين أحبهم وعاش من اجلهم.

المهم أن يترك الغنسان شيئاً يخلده ... قمة ...  فكرة ... مبدأ ... تراث، وبذلك تؤكد المسرحية المثل الشعبى (اللى خلف مماتش) من خلال حدوتة معروف.

"المرأة الأولى- أنا هقول لكم حدوتة من كلام زمان

المرأتان – قولى. نقطع السكة ونتعلم .. قولى .. قولى

- دا سفر. نعمل فيه إيه .. لازم ونشوف

القديم اللى ورانا .. اللى عملناه طول ما احنا ماشيين صوت المرأة الأول – كان فيه ملك اسمه الملك معروف..

انطلاقاً من التحليل الأدبى للنص والذى يصور الملك معروف كشخصية خيرة تسعى لتحقيق العدل والخير والمساواة لكل الناس، والذى يعطى لشعبه كل شىء يمتلكه أملاً فى تحقيق المدينة الفاضلة التى يسودها الحب والسلام.

 عمل المصمم على إيجاد معادل تشكيلى لهذه المملكة التى يقودها الملك معروف. فكان الإطار المعمارى الذى يمثل قصر الملك معروف على شكل نصف دائرى يمثل هلال فى مسقطه الأفقى. "ووحدة الهلال من الوحدات الزخرفية التى تنتشر على الكثير من أشكال الصناعات الشعبية بأنواعها المختلفة. كما أنه من أكثر الرموز إنتشاراً فى الرسوم الحائطية، كما أنه من أبرز الوحدات الزخرفية النوبية سواء المنقوشة أو المجسمة على الجدران وفوق واجهات البيوت" ويحتضن الشكل – الهلال – مجموعة من المستويات المندرجة لأسفل منتهية بمستوى مائل (رامب) نصف دائرى يتكامل مع الإطار المعمارى للقصر مكوناً شكل دائرى يمثل الوطن أو الأرض التى تدور عليها الأحداث، والتى تمثل بمجموعة الزخارف الموجودة عليها شكل (الطاقية) التى يرتديها أبناء البلد والفتيان فى المناطق الشعبية.

وقد استلهم المصمم الشكل المعمارى للأبنية فى منطقة النوبة بما تحمله من قيم تشكيلية وعلاقات جمالية، ولما تتميز به من طابع زخرفى خاص يتجه ببساطة نحو الزخرفة الهندسية فى أشكالها البارزة والغائرة والرسوم الجدارية الملونة والتى تعد أحد معالم الفنون الشعبية المصرية الغنية بوحداتها وعناصرها فجاء شكل القباب العلوية واستخدام الأطباق الملونة التى تزين الواجهة، وكذلك أشكال الزخارف الهندسية البارزة والغائرة، وفتحات الأبواب واستخدام المرايا التى تأخذ شكل الحجاب، وكذلك المجموعة اللونية فى الشكل التى يغلب عليها الأبيض والأخضر محاكاة للشكل المعمارى للأبنية النوبية بطرازها المميز. وفى المنظر الثانى – حيث توجد مملكة الملك العون – فقد عمل المصمم على تأكيد ذلك التضاد والاختلاف بين المملكتين، وذلك من خلال استدارة قصر الملك العون إلى الخارج، فكان الشكل فى استدارته مثلا لانفصال الملك العون عن شعبه وعدم احتوائه لهم ومشاركتهم – بعكس الملك معروف – ويؤكد ذلك وجود فتحة واحدة تمثل باب القصر من الخارج. كما جاء شكل الأسد الممسك بالسيف تأكيداً لقوة الملك وسيطرته على شعبه. وجاءت مجموعة الألوان المستخدمة فى علاقاتها التشكيلية حارة ومتوهجة على الأرضية الرمادية تأكيداً لسيطرة القصر على المنطقة المحيطة به. ذلك يعكس المجموعة اللونية فى المنظر الأول حيث يشع الدفء والحرارة فى الألوان الموجودة على الأرضية والتى تنتقل برقة وهدوء إلى قصر الملك معروف فى مصاهرة لونية متجانسة تربط بين الشعب والحاكم.

وبهذا يكون المصمم قد سعى لتحقيق الربط بين ما تحمله كلمات الحدوتة الشعبية للملك معروف. والصورة المرئية ذات الطابع الشعبى. فى استلهامه للفنون التشكيلية الشعبية محاولة للأخذ بمقومات الفن الشعبى وتوظيفه فى إطار درامى.

 بقلم/ د. عبد المنعم مبارك

الجمعية المصرية لهواة المسرح ESOTA

 الخميس 10 من إبريل 1997

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,822,357