جرت العادة ان لايجد يسري نصر الله ممولين عربا لافلامه بل يجد منهم شروطا وتجاهلا لا يقبله مخرج حر مثله ،تتواجد افلامه بجدارة في المحافل السينمائية العالمية ،يسري ليس ملاكا ابدا (بالنسبة إلي رقابة السينما العربية )فأفلامه تزخر بالالفاظ والتعبيرات غير المألوفة لكن الضرورية جدا التب من دونها إضافة إلي العلاقات المركبة بين الصورة والفكرة والسرد والشخصية الدرامية لن تكون هناك افلاما تشبه يسري نصرالله . وهو السبب الوحيد الذي قد يجعله يستمر في صناعة الافلام إنه ببساطة متمرد ويمكن ان نسوق عليه ما يقول عن فيلمه الاخير باب الشمس :(هذا فيلم لايربت علي كتف المشاهد ويجعله ينام مطمئنا)يسري نصرالله لايترك أحدا ينام مطمئنا.

بدأ يسري نصرالله (1952)حياته السينمائية ناقدا وسياسيا نشيطا قريبا من اليسار اصطبغت افلامه بوعيه لاسئلة الواقع الاجتماعي والسياسي فتميز كأحد اهم صانعي السياسة في السينما العربية السياسة تدخل في تكويني السينمائي .يقول نصرالله وتحتوي افلامه علي  طاقة تحريضية انتقاديى تحفظ في السينما جانبها الفني ن دون التضحية به لمصلحة الخطاب السياسي ونتذكر معه

(مع شئ من الاختلاف )"الاخوين تافياني الذين قدما اروع افلام السينما السياسة في ايطاليا حيث اهتمت افلامهم بالواقع بما انه مادة للدراما السينمائية ملحا تستند افلامها في بنائها كما يورد الكاتب جواد بشارة إلي البناء السياسي المحكم إلي جانب منطق صارم وجاد في الشكل والصياغة التعبيرية الفيلمية فلا التضحية بالموضوع او المضمون وقيمته ولا محاولة تجريبية شكلية فارغة بلا جدوا نجد مثل هذا الالتزام غير المعلن في افلام نصرالله ويمكن اعتبار ابطاله كأبطال الاخوين تافياني عندما قالا بصددهم يحقق ابطالنا ذواتهم من خلال النشاط والعمل السياسي فهم مدفوعون ومحرضون بسببه لذا فأنهم يثيرون المشاكل السياسية ويضيف يسري نصرالله إلي ابطاله مسحة من الرقة والاحساس الشفاف الذي يتسم به العاشق المنبوذ في وقائع حياته السياسة ويقدم من خلال حكاياته المسلية المزدانة بخفة ظل تنطوي عليها الالاعيب السياسة بتدعيتها المدمرة لكنه لا يتبع في افلامه علانية لاي سياسة او ايدلوجيا خارج تفسيره الذاتي للحدث والقضية في ضوء خطاب مفتوح علي الالتزام الانساني في التعامل والتأكيد علي التواصل والحميمة في طرح العلاقات بين الناس من جهة أخري لذلك نلمس في جل أعماله تواشج تلك تلك العلاقات حيث ينإي بنفسه تماما عن الشعاراتية والسينما الدعائية التي يسميها"سينما العجز"ولم لا؟فعندما يكون طرح القضية واتخاذ موقف بشأنها ممكنا فلماذا لا يقوم المخرج بذلك بدلا من ان يقدم عظة ثقيلة وبالتالي يقدم فيلما باردا مؤدي هذا أن يسري نصرالله قد لايكون مع او ضد القضية التي يطرحها في الفيلم لانه كما يبدو متمسك بالفيلم ذاته وهمه خلق تجربة معايشة بين قصة بطل الفيلم والصورة فجميع افلام نصرالله سجل لما يفعله البطل .والفرادة تكمن في الطرح والتفسير (كصوت اخر)ضمن تجربة المعايشة تلك.

لم يدرس السينما اكاديميا لان اهله عارضوا بشدة لكنه اختار السينما علي رغم ذلك فمارس الصحافة (النقد السينمائي)اربعة اعوام في جريدة "السفير "في لبنان

( من 1978إلي 1982) قبل ان يتعرض يوسف شاهين في حدوته مصرية وعمل معه مساعدا في الكتابة والاخراج في فيلم "وداعا بونابرت "(1984)ثم مخرجا منفذا لفيلمي "إسكندرية كمان وكمان "(1990) و"القاهرة منورة بأهلها"(1991)ومنذ الفيلم الاول من إخراجه يعلن يسري نصرالله تمرده علي النظام الاجتماعي والسياسي والفكري ويتميز تمردهع بعدم الاكتراث للعقاب الذي سيناله عندما يتجاوز الحدود او عندما يغير الزاوية التي ينظر منها لذلك يعاقب طفلا في فيلم "سرقات صيفية"

"أولي افلامه"1988"ويضرب بطل فيلم "مرسيدس"(1993)ويكاد يقتل البطل في باريس بعد نزال مميت في فيلم "المدينة"(2000)والان يحاصر هو نفسه فيلمه الاخير "باب الشمس"لانه يعرض الانسان الفلسطيني داخل وخارج القضية كما لم يعرضه احد من قبل : "عاشق لانه بطل وبطل لانه عاشق".

"مرسيدس والمدينة " يمكن اعتبار افلام يسري نصرالله مجموعة محطات تغني كل منها المحطة التي تليها وترتبط جميعها بطريق واحد حيث يمكن الوقوف عند فيلمه الاخير "باب الشمس" مطولا لعرض العناصر التي يركب منها الفيلم .سنترك فيلم "سرقات صيفية" جانبا لخصوصيته النابعة من طابعه الذاتي  ولعله اكثر افلامه صراحة من ناحية السيرة الذاتية كذلك فيلم "صبايا وبنات"التسجيلي مع انه نقطة انطلاق فيلم المدينة وسندرس تركيز الموضوعة بين فيلمي "مرسيدس و"المدينة".

فيلم مرسيدس يشتغل بالمعطيات الاجتماعية والسياسية التي اعقبت التحول الاشتراكي في مصر إبان عهد عبد الناصر وانهيارها إلي جانب انهيار المشاريع القومية وصولا إلي حالة التجمهر والانهزام امام الاجنبى "هزيمة المنتخب القومي لكرة القدم الذي لعب في كأس العالم 1990"وتصاعد الخطاب المتشدد وصوت الارهاب الاصولي تختلط تلك المعطيات وتتحول إلي فوضي تبدأمن بداية الفيلم إلي نهايته لكنها فوضي متعمدة تقف ورأها قوي منظمة أشد التنظيم منها فوضي الموت حيث جثث القتلي المصريين تتلاحق إلي المقابر بين طالبي رزق وطالبي جهاد وطالبي حرية بطل نصرالله الذي يريد استيضاح كنه تلك الفوضي غارق فيها من دون علم منه او رغبة وهيهات ان يستوضح شيئا مادام عاجزا عن فهم نفسه وذلك لانه يدرك بخلاف الاخرين ان اختلافه ات من كونه فرد له وجود الاخر الذي يجب ان يحترم اختلافه ويعترف له بوجوده او يدعو في حاله وهو بذلك لايطالب بالكثير سوا بأحترام خصوصيته وترك لحياده التي يحب حتي وهي تشبه امه فالحب كما سنجد في الافلام اللاحقة من مواضيع من اكثر المواضيع  التي يلامس بيها نصرالله شغفه في التزامه الانسانى ويربطه سويا من خلاله عكس نصرالله الفوضي في اداء الممثلين مع انه وضع بناء روائيا دقيقا للفيلم  فتقسيمه لاجزاء نتج من ذلك بروز مستويات مختلفة للقراءة متشابكة فيما بينها بين قراءة التطرف الديني والتدخل الاجتماعي  والعنف الناتج منها وكيف يعصف ذلك بالمجتمع وبأبطال نصرالله الذين علي رغم فرادتههم افرادهم هم افراد من المجتمع بكل جدارة لكن تلك المستويات في النهاية لن تتجاوز عرض الحال بأستثناء حالة الخلاص التي يخص بها نصرالله ابطاله الذين يناصرهم بشفاعة مرسيدس السيارة التي تنتشلهم من النار المتقدة نتيجة العنف الحاصل بين المتطرفين ورجال الامن ليكون الحب "المحبة"سبيل الخلاص الوحيد والجواز لمن يسمح لهم نصرالله بركوب سفينة مرسيدس قبل الطوفان .

في المدينة يجتاز يسري نصرالله معمعة الفوضي باستياء وسخط يقذفه في وجه المدينة التي يحب بعد ان صارت حاوية تضم بين جنباتها اسباب فشل الشباب الطموح يرصدها بخبرة السياسى الواعي ويظهرها علي صورتها الخانقة يقدم نصرالله سخطه عبر حكاية واحدة للشخصية الرئيسية كما سيفعل في باب الشمس ويبتعد قليلا ربما يفعل تقنية الديجيتال عن الخفة والسرعة التي صبغت فيلم مرسيدس ويبتعد اكثر عن اسلوب يوسف شاهين الذي لم يغامر كثيرا بالديجيتال قال نصرالله في لقاء له حول استخدامه الديجيتال "في الحقيقة كنت مفلسا وتقنية الديجيتال كانت منفذا لي لاكون حرا فلو وجدت نجما بدل بأسم سمرة ولو ان البطل هاجر إلي دبي مثلا بدلا من فرنسا لكان هناك احتمال هجمة تمويل لكن عندها لن يكون الفيلم هو الفيلم الذي ارغب في ان اقدمه انا اريد ان اكون حرا في اختياري والديجيتال مكنتني من ذلك  لقد حولت هذه الالة المعاقة واستخرجت منها جمالية معينة .

"باب الشمس"

لا يمكن اكتشاف موضوع جديد في قضية فلسطين من النكبة إلي اوسلوا الا اذا وجد مخرج اعتاد استنهاض  

 

 بقلم / هوزان عكو المصدر : جريدة الفنون العدد 55
  • Currently 256/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
85 تصويتات / 3727 مشاهدة

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,291,736