أننا لا نهتم أن نحلم و لسنا قادرين دوما على أن نحلم و لكن من الضروري أن نفعل ذلك ، فلولا الأحلام و التخيلات لما وجدت الآمال و لولا الآمال لتوقف البشر حتما بما في ذلك جماعة العلماء عن التقدم في العلوم ، و لولا القدرة على التخيل المستقبلي لمات استطاع الإنسان أن يحل المشكلات المعقدة ذات الصيغ العلمية أو الاقتصادية أو السياسية و على ذلك فعلى الإنسان ان يحلم حتى يتسنى له أيجاد تناسق بين الحاضر المعاش و المستقبل ، و العلم في مجتمعنا له هدف واحد هو خدمة الإنسان و الوفاء بحاجاته لامادية و ضرورياته الروحية .
لذلك فالبنظر الى القرن القادم و محاولات التنبؤ بالمستقبل التي بنيت على أساس أهم ما قام به العلم الحديث من أعمال مثيرة للاهتمام ، هي حلم علمي و قد يؤتى ثمارا تستحق الذكر .
و السينما الخيالية ما هو ألا ترجمة صادقة لاجلام مجموعة من الفنانين لما سيفرزه العلم في القرون القادمة متأثرين بما تم من تقدم ، محاولين التنبؤ بما سيؤل أليه هذا التقدم الهائل في مجال العلوم و الفنون و مستخدمين أيضا احدث ما وصلت إليه العلوم التقنية في تجسيد هذه الأحلام و جعلها واقعا ملموسا و لمواكبة هذا التقدم الذي لا يمكن التعبير عنه بالوسائل التقليدية لتوهم المشاهد بمصداقيته المطروحة .
أذا كان للتطور التقني تأثيرا على الحياة العامة بكل أشكالها العلمية و الفنية و الثقافية فقد كان له التأثير الكبير على صناعة السينما كشكل من أشكال الفنون التي تتطور مع تطور الحياة ، و هذا ما نجده جليا في الأفكار التي تطرحها أفلام الخيال العلمي ، حيث أن فيلم الخيال العلمي هو الشكل السينمائي الأكثر احتياجا إلى البراعة الفنية و الحبكة لأنه يناقش ما يجيش في خيال الفنان من موضوعات خيالية ، و من ثم استوجب هذا الأمر وجود أدوات قادرة على تجسيد هذه البيئة الخيالية بدرجة عالية من الدقة لإقناع المشاهد بمصداقية هذه الأحداث ، لذلك كان اعتماد فيلم الخيال العلم على المؤثرات البصرية كشكل من أشكال التعبير السينمائي و ليس فقط وسيله من وسائل الإبهار .
و يتضح هذا من خلال ظهور عدد من المخرجين المبدعين و الذين ساعدتهم التقنيات الحديثة في ابتكار أفلام خيال علمي متطورة و بذلك تدخل السينما عقدا جديدا من النجاح و الازدهار فالإنسان في هذا العصر المتقلب الأحداث و المتغيرات العلمية يعيش في حيرة من أمره فهو يريد أن تصل إليه الفكرة بالقدر الكافي و بالطريقة الملائمة الأكثر إيهاما له بمصداقية هذا الخيال .
و لقد أثارت موجة أفلام الخيال العلمي منذ ظهورها في منتصف العشرينات و الثلاثينات مشاعر جمهور المشاهدين في جميع أنحاء العالم حيث أطلق عليها مصطلح السينما المستقبلية ( futuristic cinema ) .
لقد أبدع المخرجين الكبار في تصنيع مجموعة أفلام خلدها التاريخ و طرحوا موضوعات حديثة كعالم الفضاء ، و الحياة على الكواكب الأخرى ، و زوار كوكب الأرض من الغرباء ، و الأطباق الطائرة ، ....... الخ ، و من أمثال هؤلاء المخرجين ستانلي كوبريك ، و جورج لوكاس ، و ستيفن سبليرج .
و كان ذلك يتطلب بالضرورة استخدام التقنيات الحديثة حيث كان يصعب على فناني السينما قديما و بدون استخدام هذه التقنيات تناول هذه الموضوعات ، هذه التقنيات التى لعبت دورا ايجابيا في تجسيد الخيال و ذلك في جميع مراحل تنفيذ الفيلم منذ بداية كمرحلة التحضير pre-production وحتى عرضه
و المعروف أن أفلام الخيال العلمي قد بدأت مع بدايات السينما عندما اخرج جورج ميليه فيلم رحلة إلى القمر عام 1902 إلا أنها لم تعرف كنوع فني يعترف به من منظور النقد ألا في الأربعينات و مع التطور المطرد للتقنيات الحديثة و دخول الكمبيوتر و اللغة الرقمية و المجسمات ثلاثية الأبعاد 3d إلى عالم الفن السابع .
فمثلا على سبيل العرض لا الحصر فقد ذكر – مخرج سلسلة أفلام حرب النجوم – عن فيلمه الأول فئ هذه السلسلة عام 1977 ، انه طوال فترة العمل به كانت تدور بداخله صراعات كثيرة حول أسئلة مثل كيف يتسنى له أبداع شخصية مثل ( يودا ) الذي لا يتعدى طوله القدم و نصف القدم ؟ لقد كان بإمكانه أن يتخيل هذه الشخصية و لكنه كيف يتمكن من تحقيقها كواقع مشاهد ؟ و لقد تطلب هذا في تلك الفترة كثير من الجهد و الموهبة و كثير من الأشخاص لتحريك هذه الدمى و كثير من نظم أجهزة التحكم عن بعد و مع ذلك لو يستطيع تحريكها بسهولة أو بالدرجة المطلوبة و لكن بفضل ما أصبح متاح اليوم من تقنيات حديثة أصبح من اليسير ابتكار أشكال متنوعة من هذه الشخصيات الخيالية و تحريكها بحرية في الديكور الواحد بل و الحصول على أداء درامي افصل و مما لا شك فيه أن استخدام هذه الوسائل في سلسلة أفلام حرب النجوم و استخدام مجسمات جديدة للكواكب و المخلوقات الفضائية الأخرى في أسلوب فريد متميز هو ما ساعد الفيلم على الإيهام بالواقع من خلال موضوعات خيالية .
و لقد وضعت سلسلة أفلام حرب النجوم أولى العلامات لظهور سينما الخيال علمي متقدمة تعتمد على المؤثرات التقنية المتطورة في تصوير المستقبل القادم و الفضاء لنرى مدى تأثير ذلك النوع من الأفلام على المشاهدين بمختلف فئاتهم و متابعة تلك الأفلام للتطورات الأخيرة في العلوم و الفضاء و الكمبيوتر و لازالت أفلام الخيال العلمي تتوالى محققة ايردات ضخمة و انتشارا واسعا بين دول العالم فهي سينما القرن القادم التي تحاكى الزمن الحالي في لغة سينمائية جديدة .
و تنطلق أهمية البحث من ضرورة تجسيد دور المونتاج في فيلم الخيال العلمي ، و خاصة مع استخدام التقنيات الحديثة في مراحل الفيلم المختلفة و المؤثرات البصرية الخاصة به ، باعتباره احد أهم العناصر الإبداعية و كوسيلة لتحقيق رؤى المخرجين بشكل مادي ملموس و تجسيدها بشكل ايجابي على الشاشة لتحقيق المتعة و المصداقية المطلوبة .
مع تطور الفن السينمائي قد اتخذ المونتاج مفهوما جديدا و تعددت و تنوعت النظريات المونتاجية لإعطاء معنى جديد أكثر عمقا من مجرد وصل اللقطات و المشاهد . و لكننا هنا بصدد الحديث عن فيلم الخيال العلمي الذي أصبح أكثر تقنية و حبكة بتطور التقنيات الحديثة ، و كان هذا من شانه أن يضيف إلى المونتاج معنى جديد ، فقد أصبح له دور هام في خلق المصداقية المطلوبة و التي هي أهم الأشياء التي يجب أن يحرص صناع فيلم الخيال العلمي على تحقيقها فالمونتاج يعمل على خلق الواقع و إيهام المشاهد بان ما يعرض أمامه حقيقة بالفعل حتى و لو كانت الشخصيات التي أمامه مخلقه و لا تنتمي للواقع مطلقا . حيث انه مع تطور المؤثرات البصرية تطورت الموضوعات المطروحة و أصبح الفنان يطلق لخياله العنان بشكل اكبر و من ثم أصبح الاعتماد الأكبر في تصويره لهذا الخيال على النماذج المخلقة بالكمبيوتر و دمجها مع التصوير الحي لذلك كان التوافق في الإيقاع بين تلك اللقطات الحية و الأخرى المخلقة و النصف مخلقة له اكبر الأثر على إحداث المصداقية المطلوبة .
و خلق المصداقية المطلوبة لا يقتصر على المونتاج فقط بل يمتد إلى كافة فروع صناعة الفيلم بدءا من مرحلة كتابة السيناريو و حتى العرض ، لكن المونتاج يعد من المراحل الهامة حيث انه البوتقة النهائية التي يصب بداخلها كل هذه الأفرع و أن لم يكون المونتير على وعى تام بدورة الهام فسوف يفقد الفيلم المصداقية المطلوبة و الهامة بالنسبة لفيلم الخيال العلمي و تطلبت هذه الدراسة أتباع المنهج التاريخي التحليلي التطبيقي ، حيث يتناول البحث حقبة تاريخية يتعرض فيها بالدراسة لأفلام الخيال العلمي منذ نشاه السينما و حتى عام 1967 ، كذلك دراسة تحليلية يتناول فيها اثر التطور التكنولوجي و تطور المؤثرات البصرية على فيلم الخيال العلمي و ذلك من خلال عرض لبعض هذه النماذج من الأفلام و طرق تنفيذ المؤثرات البصرية بها ، و الأجهزة المستخدمة في تنفيذها و ذلك في الفترة من عام 1968 و حتى ألان ، كذلك لم تغفل الدراسة أدب الخيال العلمي عامة و المصرة خاصة و مدى تأثره بأدب الخيال العلمي العالمي سواء باتجاه جول فيرن أو اتجاه هربرت جورج ويلز ، كذلك فيلم الخيال العلمي المصري و أن كانت لا توجد سوى تجربه وحيدة في فيلم ( قاهر الزمن ) للمخرج كمال الشيخ عام 1987 ثم التعرض لتحليله .
و تتناول الدراسة الدور الجديد الذي لعبه المونتاج في مجارة هذا التطور التقني و ذلك عن طريق عرض لبعض النماذج من الأفلام و عمل تنظير لها و تحليلها بالإضافة إلى التطبيق في نهاية الدراسة على ثلاثة أفلام و التعرض لهم بالتحليل المفصل و عرض صور توضح المشاهد التي تم تحليلها و دراستها .
ساحة النقاش