جبار حسين صبري:
نحن لا يمكن ان نتغافل مغريات النقد وحجم
الممارسات الايجابية التي طرحت نوعا وكما ملحوظين في تجربة الفن المسرحي عروضاً ومشاريع عروض طوال تجربة المسرح العراقي، وفي خضم الظروف المتباينة في الحضور والفاعلية او الغياب، والتهميش التي طالت البلد فترات الحضور العام لهذا الفن الراقي

تبدو التنوعات في حال طبيعية، وصحية طالما ان المتغيرات والتلونات هي من شأن الطبيعة نفسها بشكلها العام التي تنطوي تحته جميع المكونات الخارجية، او بشكل خاص، الذي يطوق الانسان حصراً. هذه التنوعات لها اشكالها ومضامينها، وهي تتقادم، وتتأخر في التواجد تبعاً لاهمية الحضور الثقافي او الحضاري او الاجتماعي او الاقتصادي، وعلى مدى تباين الاحقاب، وتباين الرؤى، والتصورات لاي مشهد، مهما كانت الاشكال، ومهما كانت المضامين..
المسألة إذن، قائمة في ظهور الاعمال، واختلاف المشاريع
التي تخص المسرح من حيث العروض ومن حيث تبني قولبات تلك العروض التي تمايزت بعضها من بعض بشكل ملحوظ. هذا الظهور هو مجمل عمليات الاخراج المسرحي وقراءة النصوص بغية تجسيدها على خشبة المسرح.
وعلى سبيل التعدد الملحوظ في الرؤى جاءت تعددات عامة
من حيث جوهر التغاير الكوني لحركة البشرية ومشوارها، بعبارة ثانية ان الرؤى الفردانية قد شكلت ببنيتها مدارس وتيارات اضفت قولبة معينة واسلوبية خاصة ذات نزعات فردانية بحتة وبالمقابل هناك ايضاً تلونات في الاخراج كانت قد توالدت، او انتجت من مجموع مذاهب عامة تتعلق بكونية الوجود البشري، واختياره برامجيات شمولية اخذت على عاتقها ان تركب موجة البشرية وتؤثر بها بشكل عام.
يمكن ان تنظر الى المخطط
التالي:
الاخراج


تيارات ومذاهب
                مدارس
عامة                           خاصة

في هذا المخطط تنشق طرائق عرض
النصوص، او تجسيدها بطريقة حياتية آنية على خشبة المسرح، اي اعادة بث الروح في جسد النص الميت وجعله يعيش دوره او ادواره بشكل مجسم وفاعل آني مؤثر. اقول تنشق الى شقين
شق 1: مذاهب عامة

لقد اشرنا من قبل الى عمليات هذه المذاهب وهنا نؤكد
صيرورتها الفلسفية المؤثرة في قطاع البشرية عموماً وجعلها في متناول الطروحات الكونية التي تقبلتها البشرية جمعاء. وعلى سبيل المثال:
أ. مذهب
الكلاسيكية
ب. مذهب الرومانسية

جـ. مذهب الواقعية

جميع هذه المذاهب شكلت
طروحات عامة نالت فاعليات الانتشار الكمي لا النوعي اي انها مورست من قبل البشرية كونها قطاعات اجتماعية مختلفة، وعلى حد سواء. انها مبادئ فلسفية كونية اخذت الكل في وجوده وعبّرت عنه كاطروحة فكرية او جمالية او فنية.
شق2: مدارس خاصة

عموماً
هذه المدارس تحمل خصوصيتها في الكينونة والمعنى من حيث انتاجيتها الفردانية او تصورات جماعية محددة استطاعت ان تبلور انموذجا لا يمكن ان يتسع للمنظور الكلي كما هي الحال في المذاهب العامة بقدر ترغيباته في استحواذ افراد على تبني مشروع هذه المدرسة او تلك وفقا لميولات الفرد نفسه او الجماعة المحددة نفسها.
وقد خرجت من
هذه المدارس طروحات كبيرة اضع بعضاً في متناول يد القارئ على سبيل المثال لا الحصر:
مدرسة1: ارتو

مدرسة2: يريخت

مدرسة3: برانديلو

مدرسة4: بيتر
بروك
مدرسة5: كروتفسكي

مدرسة6: مايرهولد

مدرسة7: ستانسلافسكي

هذه
المدارس لها تصورات خاصة اي انها تحمل من الخصوصية التي لا يمكن ان تعمم تجربتها الا على نطاق التبني المشروط بفردانية معينة او جماعات مسرحية فالمخرج الذي يعمل ضمن نطاق تجربة بريخت مثلا وهو عراقي الهوية فهو لما يمتلكه من نزعات نفسية او فكرية تنتمي الى قولبة بريخت وطروحته بما تجري عمليات التماثلية بين المدرسة نفسها البريختية ومن ينتمي اليها.
بعد هذا التصور السريع لمجمل حركة الرؤى في موضوعة
الاخراج ياتي السؤال الاتي: اين النقد المسرحي ازاء تغايرات المذاهب والمدارس؟ اذ مما يشكل علينا ان تجربة النقد مهما كانت النوايا حسنة لدى بعض النقاد وفناء عمرهم في عمليات النقد الا انها تجربة منقوصة، او على اقل تقدير لم تكن بمستوى انتاجية الرؤى نفسها في الاخراج، اي ان قطاع النقد اقل فاعلية من قطاع الاخراج، وتلك بحد ذاتها طامة كبرى ليس على مستوى العراق الذي نعيش فيه، بل على مستوى الكوكب الارضي بشكل عام.
هل من الضروري ان يتوازى مشروع النقد مع مشروع الاخراج؟ اظن وبعبارة
سهلة يمكن القول ان الاشكال او القوالب الخارجة من رحم المذاهب او المدارس دائما تحتاج الى مرايا تعكس بعملية وخبراتية في الذائقة والتلقي ايجابات او سلبيات عروض تلك المذاهب وتلك المدارس.
نحن نؤشر اخطاءً جسيمة ارتكبتها روابط النقاد او
مؤسسات النقد الفردية او الجماعية بحق المشهد المسرحي ولم تكن يوما ما قد استطاعت ان تنظر الى المشهد على وفق الاعتبارات الاتية:
اعتبار 1: انها جاءت انطباعية في
الغالب وغير متخصصة بمذهب معين او مدرسة معينة.
اعتبار 2: انها جاءت ضمن افعال
فردانية غير منظمة بل وليدة الانفعال الشخصي بين الذات الناقدة والعرض المسرحي.
اعتبار 3: النقد اخذ على عاتقه شكلنة الطبيب العام في سالف الزمان الذي
يعرف اشياءً بسيطة عن كل علّة ولم يأخذ التخصص كما هو الحال في مثالنا للطبيب الذي اعني به عصرنة التخصص في المجال نفسه.
اعتبار 4: تذبذب الملازمة بين مشروع النقد
ومشروع الاخراج. كذلك يمكن عدّ اعتبارات اخرى ساعدت على ابقاء النقد في ظل العملية المسرحية، وليس جزءاً من مكوناتها وهذا كان له الاثر السلبي الفاحش مما انعزلت تجربة النقد في الكثير من المشاريع، ولم تستطع ان تتواكب ولو بشكلها الفردي احيانا.
من المهم ان ننظر الى النقد المسرحي في موضوعة الرؤى على انه حلقة
استبصارية في معرفة:
اولا: البنية والمكونات عامة او خاصة، مذاهب او
مدارس
ثانيا: الجمالية مدياتها وتماثلاتها في العروض
.
ثالثا: القيم الفنية اي
عمليات التركيب والتكوين اللتان تطوقان المشهد المسرحي تجزئة او التجربة المسرحية بعرضها الكلي.
رابعاً: القيم الفكرية
.
تنطرح تجربة النقد في المسرح العراقي
من ولادة المسرح وحتى الساعة بصفة هابطة لا تستطيع ان تتوازى مع تجربة الاخراج، او بمقدورها ان تصل الى قراءة المشهد العام بشكل ترابطي، او مؤسساتي، او فردي في حس الجماعة لما حال من دون نهوض هذا القطاع بل انعزل وهمش دوره ولم ينل فرصة من شأنها ان تضع لبنة تأسسه انموذجية على غرار تجربة البلدان المتحضرة ذات الميزات العالية المتوازية مع الرؤى الاخراجية عامة او خاصة.
اننا اذ نتمكن من فرز الرؤى وطروحات
الاخراج وتفصيل قطاعات المخرجين وتبويب اشتغالاتهم على وفق المذاهب والتيارات والمدارس، في الوقت نفسه لا يمكن فرز النقد او مشروع النقاد الذي طرح تجربته كلها على انها تجربة تقرأ انطباعاتها دائما في مجموع تقولبات الرؤى بشكل عام ولا تبلغ قراءتها التخصص في قراءة هذا النموذج من الرؤى في الاخراج من دون غيره.
ان مهمة
الناقد المسرحي اليوم اكثر عسراً من أية مهمة نقدية تشمل قطاعا ثقافيا او فنيا آخر. المسرح مجموع مكونات كثيرة، مدارس وفلسفات ومكونات متباينة ومفردات واشخاص وموسيقى واضاءة واصوات ومفاهيم وافكار وقوالب فرادى او متداخلات وغيرها، كلها تجعل المهمة في صميم المسؤولية الخطيرة وتحتاج الى قدرات واعية كبيرة ان لم نقل الى مؤسسات تعنى بهذا الفن العظيم.

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,269,166