آلة الناى فى أول الأمر، كانت قصة تخرج بطبيعة حالها البدائى من ثقبيها صوتاً واحدا (الفوهة العليا- الفوهة السفلى)، إذا نفخ الإنسان فى هذه القصبة لأول مرة، عفواً، وهو غير عالم بنتيجة نفخة، ولم يخطر على باله إخراج الصوت منها، وربما استحسن ما سمعه وردده دون أن يعى شىء منه، والصوت الصادر من آلة الناى يتم عندما يصطدم الهواء داخل الأنبوبة بإهتزاز العمود الهوائى، فى حين أنه لو فتحنا ثقباً واحداً على جدار الأنبوبة يصدر عنها عدة أصوات متمشية وقانون السلسلة التوافقية، وهو أن الثقب الواحد تصدر منه عدة نغمات متآلفة عن طريق شدة النفخ، فلو افترضنا أن أول نغمة كانت "دو"، فبشدة النفخ قليلاً ينتج النغمة "دوالوسطى"، ثم نغمة "مى"، وهو أول ماحدث فى أول آلة ناى بالصدفة على غير قاعدة حسابية كما هو متبع، كالقاعدة المعروفة التى تتبع اليوم، وكانت تثقب على أبعاد صوتية غير دقيقة لا يراعى فيها الحسابات والقياسات الخاصة بطول القصبة وقوانين ائتلاف الأصوات، ومن هذه النتيجة نستنتج أن شدة النفخ فى أى أنبوبة يحدث لنا عدة أصوات متآلفة حسب طول وقطر العمود الهوائى، وحسب القواعد المعروفة، مما هدى بعض العلماء إلى أبحاث دقيقة استدلوا منها على أوليات أمر الموسيقى، وما كانت عليه قديماً، وذكروا أن أقدم نغمة كونت على ناى عثر عليه فى دور الآثار كانت مؤلفة من النغمات التالية:( دو-رى-فا- صول- لا)، ومع أن هذه الأصوات تكن السلم الخماسى، وهى بطبيعة الحال موافقة لما عليه هذه النغمات مع الإنسان الأول، وبعد عدة تجارب، إتضح للإنسان أن هذا السلم لم يكتمل إلا بعد أن تثقب القصبة سبعة ثقوب فى مواضعها الصحيحة يجمع بين أصواتها الإئتلاف الصوتى المناسب، ستة منها لأصابع اليدين، والسابع للإبهام خلف القصبة.
ومن التجارب المتوالية التى جرت زمناً بعد آخر، وذلك بعد تقدم فى المعرفة والحضارة، كانت هذه الثقوب التى حسن فى تغيير مواضعها أقرب إلى المعقول الفنى، وعلى هذا تحسنت هذه الآلة نوعاً ما عما كانت، هكذا ظل مستمراً فى تحسينها كلما تقدمت معرفته، وبعد التجارب والصبر الطويل فرح فرحاً عظيماً لإكتشافه السلم الموسيقى المتدرج صعوداً وهبوطاً، وهو المعروف الأن ب"أوكتاف (Octave).
المصدر : ملخص بحث آلة الناى عند قدماء المصريين
إعداد
د. عاطف إمام فهمى
المدرس بالمعهد العالى للموسيقى العربية
أكاديمية الفنون
ساحة النقاش