الأربعاء17/6/2009

رفيدة يونس أحمد

أصبحت الفنون التشكيلية في عالمنا العربي معلماً بارزاً في معالم الحياة الثقافية التي يرفدها نهر الإبداع التشكيلي الممتد في التاريخ، وفي الثقافة القومية، وفي الفطرة الشعبية على مدار الحضارات عبر آلاف السنين.

 فالفن التشكيلي لغة جمالية تلقائية حسية ملموسة لدى الإنسان الفنان تترجمها، تبلورها ممارساته التي يفرغ فيها صدقه ومعاناته، ويشخصها في خلجات قلبه وملكات عقله، ويصب فيها من قدراته وتخيله الشيء الكثير.‏

ولابد للعمل الفني التشكيلي في عملية النقد: الثناء على الإيجابيات، والإشارة إلى السلبيات، ولكن بموضوعية، ومن دون أي تحيز أو دوافع شخصية. والتساؤلات التي تطرح نفسها هنا:

ما أهمية النقد في تصويب العمل الفني؟ وهل غياب النقد أفسح المجال لأعمال فنية هابطة؟ وهل يواكب النقد التشكيلي الحركة الفنية التشكيلية الغزيرة النتاج والأسماء؟ نجيب على هذه التساؤلات من خلال تحقيقنا التشكيلي الآتي وعبر لقاءات لفنانين لهم تجربة وخبرة تشكيلية في هذا المجال  والبداية مع ....‏

ـ الفنان التشكيلي : فريد رسلان ( رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين )‏

للنقد أهمية كبيرة في تقويم الأعمال الثقافية بشكل عام، والتشكيلية بشكل خاص. وذلك إذا كان مستنداً إلى أسس موضوعية مستمدة في الثقافة الفنية، والإلمام بمعايير النقد الفني والجمالي بشكل يؤدي إلى الغرض المرجو، وهو المساهمة في تطوير الحركة الفنية التشكيلية من خلال تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية ومواطن الجمال والجودة في الأعمال الفنية من جهة، ومن جهة أخرى الإشارة إلى الثغرات والجوانب السلبية فيها، بحيث يستطيع الفنان تعزيز الإيجابيات وتصحيح مواطن الخلل في أعماله الفنية، ويجب أن تنتفي المصالح الخاصة والنظرة الذاتية من سلوكيات الناقد الفني لكي نستطيع أن نطلق عليه تعبير الناقد الفني الذي يساهم في البناء والتطوير.

بالنسبة للسؤال الثاني : أن غياب النقد الفني السليم الذي أشرنا إليه سابقاً قد ساهم إلى حد كبير في بث جو من الفوضى في الحركة الفنية التشكيلية وظهور الكثير من مدّعي الفن. والذين لا يجوز أن نطلق عليهم لقب الفنانين. واستطاعوا أن ينالوا فرص العرض أكثر ممن يستحق من الفنانين المتميزين، وفي هذا الإطار أدعو مديرية الثقافة إلى تفعيل دور لجنة الإنتقاء والتقييم، المشكّلة في المديرية للحكم على مستويات الأعمال التي تُعرض في جميع صالات العرض التابعة للجهات الرسمية وحتى الخاصة في المحافظات وذلك حفاظاً على السوية الفنية الراقية. وحماية لذوق المشاهد من التشويش الذي يعتريه من خلال مشاهدة الأعمال الهابطة.

أما إجابة السؤال الثالث فأقول :‏

أن النقد الفني متخلف كثيراً عن الحركة الفنية التشكيلية على جميع المستويات المحلية والعربية، حيث لا يوجد نقاد متخصصون يمتلكون ناصية النقد الفني البنّاء بشكل جيد وسليم. إذ نرى غالبية الذين يكتبون في النقد الفني لا يعتمدون الأسس الصحيحة لعملية النقد، وأحياناً لا يمتلكون الثقافة الفنية التي تساعدهم على قراءة العمل الفني وتحليليه، وإصدار الرؤى النقدية السليمة.

ـ الفنان التشكيلي : بولس سركو‏

النقد يصوب النتاج الفني . يصوب اتجاهات فنية . فعمله يبدأ بعد أن ينتهي عمل أستاذ كلية الفنون، ويفترض أن يتعامل مع فنانين مطروحين على ساحة التشكيل كأصحاب اتجاهات فنية تجاوزوا منذ زمن مرحلة تقديم أعمال غير مكتملة أو عرضه للتصويب. فهم ليسوا طلاباً ولا رسامين مهره، هم فنانون وأعمالهم متاح لها بوسائل الاتصال الحديث أن تُشاهد في كل العالم. وذلك فإن مسئولية النقد مسئولية كبيرة جداً وهامة جداً بشرط أساسي هو أن يكون النقد موضوعياً. ومنهجه علمياً يقوم على مبدأ عام ومعروف في النقد والدراسات التاريخية، وهو دراسة الظروف التي نشأت فيها ظاهرة ما. ثم مراحل تطور هذه الظاهرة ثم إبداع جهة النظر فيما آلت إليه تلك المراحل من نتائج. أما مبدأ الفصل والعزل لغاية العزل، وليس لغاية إعادة الربط للظواهر المختلفة بعضها ببعض، فهذا يحوّل النقد إلى مجرد كلام فارغ. لدينا بعض الأسماء التي قدمت دراسات موضوعية هامة جداً حول الثقافة العربية عموماً مثل عبد الإله بلقيز و رزق الله هيلان وميخائيل عيد ودراسات حول الفن التشكيلي تحديداً مثل : كتاب الفنان عز الدين شموط وغيره . أما الكلام الفارغ فلا يعد ولا يحصى فكيف يمكن لناقد تلقى ثقافة تقوم على العزل ( الفن للفن ) مثلاً أن يصوب اتجاهاً فنياً ؟ وهو لا يملك رؤية اجتماعية تاريخية وحتى سياسية تمكنه من فهم ظاهرة الفن ضمن منظومة من العلاقات والظواهر المختلفة المؤثرة والمتأثرة في بعضها البعض، لا شك أن تصويبه سيكون محصوراً بمدى ملائمة هذا النتاج الفني أو ذاك لرؤيته الانعزالية. وهذا أمر واقع اليوم في التشكيل السوري مع الأسف.

 فيما يتعلق بجواب السؤال الثاني: فأرى أن أنصاف النقاد أصحاب الرؤية الإنعزالية يصنفون كل نتاج فني غير متوافق مع رؤيتهم الانعزالية على أنه فن هابط ، والهابط يعني بالنسبة إليهم كل فن يحمل رسالة إنسانية كل فن يتضمن موضوعاً أو فكرة مسبقة التحضير. كل فن واقعي حتى هذا غير معقول. والحقيقة أن غياب النقد الموضوعي مع الأسف قد أفسح المجال للصالات الخاصة بإمكاناتها المادية أن تستقطب نخباً من الفنانين يعملون تحت جناحاتها، ويتحولون إلى إنصاف نقّاد ويروّجون الأفكار الفنية التي تلائم وجهة تلك الصالات ( السوقية بامتياز ) حتى ولو قدّمت أحدث ما أنتجه الفن في العالم. والحقيقة أيضاً أن توجيه الأنظار عن المعنى الحقيقي لكلمة الهابط أي ( فن السوق ) هو لعبة تلك الصالات. وهذه اللعبة هي نسخة مصغرة عن اللعبة الأكبر في الغرب. ونحن نعرف بالاسم. والوثائق أسماء الكثير من النقاد الغربيين الذين كان لهم التأثير الأكبر على اتجاهات معينة في الفن. وهم على صلات خاصة بجهات غير فنية منفذة مالياً، وتموّل بسخاء مشاريع توجيه الفن تحت شعارات تتناقض تماماً مع تلك الممارسات مثل : استقلالية الفن وحريته.عن مواكبة النقد للحركة التشكيلية أقول : لو كان هناك نقداً موضوعياً بالمعنى الشامل الذي ذكرته لما جنحت الحركة التشكيلية هذا الجنوح الخطير نحو التبعية. بقول الفنان "عز الدين شموط " في كتابه أزمة الفن التشكيلي : أننا نبحث في المنطقة العربية عن نموذج ثقافي جديد وجدناه في سلعة ثقافية مسبقة الصنع ويضيف بعض النقاد الأوربيين وجدوا عندنا سوقاً سهلة لترويج بضاعتهم الكاسدة. بينما بعض النقاد العرب صار يلهث وراء التنظير الغربي بحجة الوصول إلى حضور عربي في الثقافة العالمية الموحدة، هذا هو جوهر المشكلة، فالثقافة العالمية الموحدة هي ثقافة اللبرالية المتوحشة الجديدة، ثقافة النظام العالمي الذي يتعامل مع البلدان والشعوب بصفتها أسواقاً لمنتجاته، وهو لا يتبادل الثقافة معنى حضارياً وإنسانياً، ولا يحترم ثقافاتنا ولا ينفتح عليها , وإنما يحل ثقافته محلها بالإقحام والقسر  وهذا هو منطقه ومفهومه، وأنا لم أفهم كيف حدث كل هذا التحول الهائل في ساحتنا التشكيلية بين ليلة وضحاها، من ساحة تعج بالتنوع والطموح والغنى والآمال الكبيرة التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي، إلى ساحة تحتوي على طابور من لون واحد يردد الكلمات ذاتها والأفكار ذاتها، ويتوجه الوجهة ذاتها، وينبذ أنماطاً معنية من الفنون لقنه الغرب أن ينبذها ويقف متفرجاً على كل ماجرى من أحداث هائلة ومآسي إنسانية، ومجازر وجرائم دون أن يرف له جفن، ألا يتحمل النقد مسؤولية مراجعة كل هذه النتائج، والكم الهائل من التراكمات التي أدت إليها توجهات خاطئة في التشكيل السوري ؟!‏

ـ الفنان التشكيلي : سموقان‏

عندما ننظر إلى الفن على أنه معزول عن الثقافة , ويسهل الدخول إليه على أنه مهنة فقط ، والأمر ان وحده أمر كافي لتحقيق رسم ونحت الأشياء، وللأسف دخل بعض الحرفيين ، ووصفوا بأنهم فنانين تشكيليين، كما دخل بعض الذين يحمون أنفسهم باسم الحداثة، وراحوا يتخبطون، ودخل أيضاً بعض المختلسين الذين يركبون لوحتهم من لوحات كثيرة، ويختلط الأمر أمام الإعلاميين ويصنف البعض بأنه فنان تشكيلي وأغلب الصحافة اليوم تستقبل الكتابات التي تحوي المديح فقط، نعم هو غياب النقد الذي أدى إلى خلط الأمر، وهو كذلك عرض الرديء مع الشيء، نحن نفتقر للناقد المتابع للمشهد التشكيلي، وهناك استسهال في الكتابة بموضوع التشكيل، فيما يتعلق بتساؤلك : هل النقد التشكيلي يواكب مسيرة الحركة التشكيلية الغزيرة النتاج والأسماء ؟ فهو سؤال يتفق عليه جميع الفنانين أو غالبيتهم، وأغلب الإجابات يتلخص بمقولة لا يوجد نقد ولو وجه السؤال للنقاد أو للذين يكتبون في النقد التشكيلي عن رأيهم بالفنانين والحركة التشكيلية  لكانت أغلب الإجابات : أن التشكيل العربي متواضع ولا يوجد تجديد  فالكل يتهم الكل أقول : هناك تجمعات ولا أقول شلل يصفقون لبعضهم يتعاونون على العرض وتسويق الأعمال الفنية فمجلة الحياة التشكيلية كرست لأسماء معينة لا يمكن اختراقها  ولم تكن هناك حركة تشكيلية شابة  هؤلاء الذين نسميهم رواد الحركة التشكيلية كانوا يرتعدون من جيل الشباب  يمارسون عليهم سلطة منع العرض  أما اليوم فقد اختلف الأمر  هناك معرض الربيع السنوي وهو مخصص للشباب الذين تقل أعمارهم عن الأربعين، ومعرض الخريف للذين تجاوزوا الأربعين . وهذا جاء بجهود مديرية الفنون الجميلة بإدارة السيدة نبال بكفلوني أما الكتابات عن التشكيل فهناك بعض الكتب في التشكيل  وهي أغلبها تجميع لمقالات منشورة في الصحافة  أي بمعنى: أنها لا ترقى إلى السوية النقدية في المتابعة والتحليل للأعمال الفنية فكل الكتابات تكون عن تجربة الفنان التشكيلي بشكل عام  ولم تركز على عمل فني واحد إلا بأسطر قليلة. فهل صحيح أنه لا يوجد عمل تشكيلي واحد في التشكيل العربي يستحق التحليل والدراسة؟! فهناك أعمال لفنانين سوريين بيعت بالملايين فأين الكتابات عنها ؟ وهل العمل التشكيلي هو للرؤية  وليس للدراسة ؟! أنا أقول : أن الفنانين الحقيقيين في العالم العربي لم يحققوا فرصهم  وهم بعيدون عن الأضواء والعرض والتسويق.

المصدر/ http://wehda.alwehda.gov.sy/__archives.asp?FileName=103416377420090617114025

  http://www.art.gov.sa/vb/t272.html

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,285,707