** باليه بحيرة البجع **
سعود الأسدي
إن أعمال الباليه الرائعة والشهيرة كثيرة ما بين كلاسيكية ورومانسية وواقعية وعصرية حديثة , وهناك بعض أعمال رسخت أسماؤها في ذاكرة الناس مثل " بحيرة البجع " و" كسارة البندق" و " الحسناء النائمة " لتشايكوفسكي و" العصفور الناري " و " بتروشكا " و " تكريس الربيع " لسترافنسكي , و " جيزيل " الآنفة الذكر لأدولف آدم , و " كوبيليا " و " سلفيا " لديليب .
وهناك مقاطع باليه في أوبرات شهيرة مثل " عايدة " لفيردي , و " فاوست " لغونو , و " شمشون ودليلة" لسانسانص الخ .. وسيمفونيات عديدة استغلت مواضيعها لعرض لوحات باليه , لا تفنى جدتها على الأيام مثل السيمفونية الخيالية لبيرليوز الخ..
بحيرة البجع ..منتتالية موسيقية
وبعد هذا فلم يبق إلا أن نتذوّق زيت المونة أوالشهد من ( بحيرة البجع ) وهي متتالية موسيقية ( Suite ) , فلعلنا نجد في موسيقاها وقصتها حلاوة تغرينا برشف دائم من شهدها المصفّى وقصتها تقول :
" إن هناك بحيرة رائعة ساجية تنساب فيها سابحة بجعات مسحورات في جوّ من الدّعة والاطمئنان , إلى أن تضطرب أمواج البحيرة بسبب إعصار عاصف شديد , فتلوذ البجعات ببعضها تنشد الأمان وبكل حذر شديد , ثم نرى الأمير الشاب سيجفريد يعدّ لإجراء مراسم عيد .. يستقبل حاشيته في القصر , وضيوفاً فيهم فلاحون يمرون أمامه بخضوع علامة على ولائهم له , وتكون هناك رقصة فالس على أمواج البحيرة التي أخذت تسترد وداعتها بعد الإعصار ، ولكن ما هي إلا لحظات حتى يضربها الرعد , فتدخل الأميرة الوالدة وتلوم ابنها سيجفريد على إهماله حاله , وتذكره أنه أصبح في سن الزواج وعليه أن يختار.. وهنا تعرض ثلاث فلاحات رقصاتها أمامه , وتدعوه بقولهن هيا : تعال نسكر من عاطفتنا تجاه بعضنا بعضاً !! ويكون رقص , ويسود جوّ من البهجة لأن الناس في عيد , وينطلق الراقصون في الهواء الطلق , ويؤكد الفرح ذاته , حتى يصبح وكأنه عصفور ثمل , فيأخذ الحبيب حبيبته بين ذراعيه ويعانقها , ويناجيها بأعذب الكلمات على أرقّ الألحان , وهنا يقوم الأمير سيجفريد برفقة سيدة حسناء من القصر , وعلى أنغام الفالس بعرض رقصة ساحرة , ومع ارتفاع عزف الكمان يُخيّل إلينا أن الضيوف غادروا الحفلة , ولم يبق في القاعة إلا عاشقان , ثم يسود جوّ لأناس ثملين مترنحين , يتبعه صخب وتبادل أنخاب , وإعلان ولاء لباخوس( إله الخمر ) .. ومع دخول ثلة من المهرجين تعود البحيرة إلى الاضطراب , فترتعش أمواجها , ويخرج الأمير وصحبه للصيد في غابة قريبة , وهناك يسمع صوت غناء البجعات الكئيبات , وصوت طائر أصابه صياد , فأخذ يزعق , ويستجير بسربه الذي فرّ لدى سماعه بوق الصيادين مدوياً في الغابة .. كل ذلك وكأنه حلم !! وتنداح البجعات فوق سطح البحيرة بحركات رشيقة ورقيقة ساحرة . ولكن ما إن يهبط الظلام حتى تتحول البجعات إلى فتيات صغيرات , وتظهر فيهن الأميرة الحسناء (أوديت) , التي كانت قد تحوّلت إلى بجعة بتاثير سحر الساحر الخبيث ( روزارت ) , وهو هنا يظهر على شكل بومة ناعبة منفوشة الريش , ثم يكون أن يقطع الأمير سيجفريد عهداً للاميرة أوديت , ويدعوها إلى الحفلة الراقصة .
وما إن تتشابك أيدي العاشقين حتى تجيش عواطفهما , وتنبجس بالتعبير عن الحب والوفاء ..
وترقص البجعات المرافقات رقصة فالس في حركة مخروطية , وتؤدي أوديت رقصة مفردة , بينما البجعات من حولها متفرجات , وهنا تصبح الألحان مراجيح , لا ألذ ولا أشهى !!
**ثم ينتهي ليل الرقص**
ثم ينتهي ليل الرقص , وينبلج الفجر , وتتفرق البجعات بمشاعر مختلطة من الحلم والواقع , فتدلف الأميرة الوالدة , وابنها سيجفريد , ويتبعهما مجموعة أقزام , ويكون أن تعلن الأبواق عن فتح الأبواب , فتدخل ست أميرات (ساندريللات) ويتقدمن بالدور إلى سيجفريد لعل اختياره يقع على إحداهن لتصبح زوجاً له , ويرقص الأمير سيجفريد مع كل واحدة رقصة فالس , وبالتالي فإنه لا يختار واحدة منهن , وهنا ينشق باب البهو عن الساحر روزارت , وهو يتأبّط ذراع ابنته "أوديل" وهي على شكل أوديت وصورتها مخلقاً ومنطقاً فيطير الأمير اليها مخدوعاً بها متيّم الفؤاد ويراقصها رقصة ساحرة معربًا عن جنون بهجته بها ، ولكن مزمار الحاوي لا يلبث أن يفلت بانغامه حيّات الرقص من الأميرات السّت , ويأخذ الجو في التغيّر من الفرح إلى الكآبة على أنغام رقصة هنغارية , ويكون شعور بالقشعريرة جرّاء الزمهرير , وتخمد نيران المدفاة , وتهب ريح صرصر عاتية , ثم يكون ندف ثلجي وصقيع , وهنا تتدفق رقصة روسية , على أنغام الكمان , فيبثّ العاشقان شكواهما كل في أذن الآخر .. ثم يكون صخب موسيقي أشبه بانتباه الثمالى من رقادهم , وتتوالى الرقصات : رقصة بوليرو إسبانية ورقصة من نابولي إيطالية , تدعو الجميع : هيّا إلى رقصة مازوركا بولونية .. وهنا يتقدم الساحر الخبيث روزارت , ويهمس همسة خادعة في أذن سيجفريد ليتحول بحبّه الأبدي الى أوديل ابنته , وأن ينسى أوديت التي صارت سجينة , ولا تنفك تستجير باكية كي تفكّ من أغلالها , ويكون السؤال هنا أين البجعات رفيقات أوديت ؟! ويكون الجواب : إنهن ينتظرن أوديت على شاطيء البحيرة , وتعود إليهن أوديت بائسة يائسة لقد خان الأمير عهدها .. وهي تأسف لضياع الوداد فتشيح بوجهها عن الأمل , وتظن أن حبها قد اندمل !! ولكن ما هي إلا لحظات حتى يصل الأمير الحبيب وهو يتلفّت ذات اليمين وذات الشمال باحثاً عن أوديت لأن خدعة أوديل قد انكشفت , وهكذا خاب فأل الساحر الخبيث روزارت , وهنا يلتقي الحبيبان , ويسيران الهوينا برقصة ذات كبرياء على الأمواج الناعمة , ويتواريان وراء الأفق البعيد ... بينما يتهادى سرب البجعات في عزة وخيلاء , وسرور وحبور على إيقاع اللحن الأخير فوق هدوء البحيرة الصافية الرقراقة , ويعم جوّ من الهدوء والطمانينة والسلام , ويا دار ما دخلك شرّ
ساحة النقاش