رفعت جرانة .... فى عامه الواحد والتسعين
ودعوة لتكريمه على ما قدمه لمصر من إنجازات موسيقية
بقلم : أ. د زين نصار
فى التاسع والعشرين من يناير 2015 يبلغ مؤلف الموسيقا المصرى المعاصر محمد رفعت جرانة الواحد والتسعين من عمره ،متعه الله بالصحة والعافية ، وقد قدم هذا الفنان الكثير لمصر فى عالم الموسيقا فىهدوء ودون ضجيج فقد سجل فترات حاسمة فى حياة الشعب المصرى من خلال مؤلفاته الموسيقية التى كتب أولها عام 1962 عندما ألف ( السيمفونية العربية ) التى إستخدم فيها ألحانا شعبية من مصر
ومن بعض البلاد العربية ، ليحقق فكرة الوحدة العربية التى كانت مطروحة بقوة على الساحة السياسية
فى ذلك الوقت 0 وقد جاءت السيمفونية العربية فى أربعة حركات على النحو التالى :
الحركة الأولى : بناها المؤلف على اللحن الشعبى المصرى المعروف ( عطشان يا صبايا
دلونى على السبيل )
الحركة الثانية : مبنية على اللحن الشعبى المصرى المعروف ( آه يازين )
الحركة الثالثة : مبنية على اللحن الشعبى الشامى ( على دلعونة )
الحركة الرابعة : مبنية على اللحن الشعبى ( حول ياغنام )
وقد وضح فى هذه السيمفونية مدى سيطرة رفعت جرانة على الكتابة للأوركسترا الكبير
بفهم عميق , فقد حرص جرانة بعد تخرجه فى المعهد العالى للموسيقا المسرحية عام 1948 ،
على تلقى دروس خاصة فى علوم التأليف الموسيقى على الأستاذ الإيطالى ( ميناتو ) الذى كان
يعيش فى مصر فى ذلك الوقت , وفى نفس الوقت عمل كعازف لآلة الترومبيت فى الفرقالموسيقية وفى عام 1960 عين رفعت جرانة قائدا لأوركسترا التليفزيون العربى (المصرى)، وفى عام 1962 عين قائدا لأوركسترا فرقة الفاهرة الإستعراضية 0 وفى عام 1964 ألف
رفعت جرانة (متتالية الصور ) التى كتب موسيقاها وهو متأثر بزياراته لبعض معارض الفن
التشكيلى التى أقامها الفنانون المصريون وهم ( سيف وانلى – أدهم وانلى – أحمد فؤاد سليم –
رشدى إ سكندر – جمال السجينى – كمال خليفة – عبدالسلام أحمد – هنرى صمويل )0 وقد كتب الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى (1920 – 2000 ) معلقا على حفل أوركسترا
القاهرة السيمفونى الذى قدمت فيه (متتالية الصور ) لرفعت جرانة يوم (13/6 /1964 ) فقال
" يلاحظ أن رفعت جرانة لايعطينا فى هذه المتتالية صورا محددة ، فهو لايقدم لنا عملا معينا
يمكن تحديدة ، وإنما يعطينا صورة موسيقية بأحاسيسه التى خرج بها من زياراته للمرسم أو
المعرض كوحدة واحدة وقد جاءت (متتالية الصور ) لرفعت جرانة فى أربع حركات على
النحو التالى :
الحركة الأولى : سجل المؤلف فى هذه الحركة ماانطبع فى نفسه من أحاسيس وانفعالات بأعمال (سيف وانلى ) و( أحمد فؤاد سليم ) ، ويقول جرانة لقد أحسست بأنهما فى الواقع ينتميان إلى مدرسة واحدة هى مدرسة التجريد الموضوعى ، ويحاول جرانة فى هذه اللوحة الموسيقية أن يمزج بين ألوان سيف وانلى المضيئة ، وبين ألوان أحمد فؤاد سليم التى يغلب عليها اللون الرمادى 0 ويعكس هذا التفاعل فى الألوان خلال معالجته لألحانه ، وفى طريقة عرضها بالآلات الأوركسترالية المختلفة 0 وهذه الحركة فى الواقع شاملة لشخصيته ، وعلى كل من سيف وأدهم
وانلى وأحمد فؤاد سليم ، فشخصية الفنان تنعكس بوضوح خلال أعماله ، وعلى هذا يمكن القول
بأن جرانة يعبر بموسيقاه عن شخصية الفنان وأسلوبه وأعماله بصفة عامة
الحركة الثانية : يسجل رفعت جرانة فى هذه الحركة إنطباعاته التى خرج بها بعد مشاهداته
للوحات الفنان رشدى إسكندر ، ولقد استرعى إنتباه المؤلف اللوحات التى تصور رقصات الباليه
أو بعض لوحات الفن الشعبى ، لهذا نجد أن الصورة الأوركسترالية تميل بعض الشىء إلى إبراز
الإيقاعات المؤثرة فى وضوح وجلاء
الحركة الثالثة : مستوحاة من أعمال أدهم وانلى وبعض الرواد القدامى بمتحف كلية الفنون
الجميلة بالإسكنرية ،ومن هذا يتضح أن هذه الحركة عبارة عن عرض عام لألوان مختلفة من
الأحاسيس والإنفعالات 0
الحركة الرابعة : فى هذه الحركة يعرض المؤلف إنطباعاته ببعض معارض فن النحت ، ولقد
إعتمد فى ترجمته الموسيقية على بعض الآلات الإيقاعية وآلة الإكسيلوفون "0 وهنا تنتهى كلمات
الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى
وفى عام 1965 قدم رفعت جرانة كونشيرتو للتشيللو والأوركسترا ، بطلب من عازف التشيللو
المصرى ناجى الحبشى الذى كان مقيما فى السويد منذ سنوات ، وهو أحد أعضاء الأوركسترا
الذى يعزف الموسيقا فى حفلات تسليم جوائز نوبل كل عام 0 وقد طلب الحبشى من جرانة تأليف هذا الكونشيرتو ليتمكن من تقديم عمل مصرى أثناء جولاته الفنية فى البلاد الأوروبية 0 وفى
الخامس عشر من أكتوبر عام 1966 أتم رفعت جرانة تأليف كونشيرتوللقانون والأوركسترا ،
إعتبر عملا فريدا فى تراث الموسيقا المصرية فى القرن العشرين 0وقد بنى حركاته الثلاث
على النحو التالى :
الحركة الأولى : بناها المؤلف على لحن (تكبيرات صلاة العيدين ) عند المسلمين 0
الحركة الثانية : جاءت مبنية على لحن كلمات ( طلع البدر علينا من ثنات الداع ) التى إستقبل
بها اهل مدينة يثرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما هاجر إليها من مكة المكرمة 0
الحركة الثالثة : بناها جرانة على لحن آذان الصلاة عند المسلمين 0
وفى هذا الكونشيرتو عزف آلة القانون المنفردة العازف القدير سيد رجب بمصاحبة الأوركسترا
السيمفونى العربى بقيادة شعبان أبوالسعد 0 وفى نفس العام (1966 ) ألف رفعت جرانة أول
قصائده السيمفونية الستة عندما ألف القصيد السيمفونى ( بور سعيد ) مصورا معركة بورسعيد
والإعتداء الثلاثى الذى وقع على مصر فى (29 /10 /1956 ) من كل من :فرنسا التى ضايقها
بشدة المساعدات غير المحدودة التى كانت مصر تقدمها للشعب الجزائرى البطل ، ليتمكن من
تحرير بلاده من الإستعمار الفرنسى ، وإنجلترا التى إضطرت إلى الجلاء عن مصر وخرج
آخر جندى إنجليزى منها يوم (18/ 6/1956 ) بعد الكفاح المسلح الذى خاضه أبناء الشعب المصرى حتى أحالوا حياة الإنجليز إلى جحيم فاضطروا إلى ا لرحيل مجبرين ، بالإضافة إلى إسرائيل التى كان يهمها فى ذلك الوقت الإستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضى المصرية 0 وبمجرد وقوع العدوان الثلاثى الغادر على مصر فى ( 29 / 10 /1956 ) ، إنتفض الفنانون المصريون ( شعراء – ملحنون – مطربون – مطربات – كورس ) للتعبير عن مشاعرهم الجارفة تجاه وطنهم الغالى مصر ، وعملوا على إشعال الروح الوطنية بين أبناء الشعب المصرى ، ودعم الكفاح المسلح ضد قوات الدول الثلاث الغازية المعتدية ، فقاموا بأدوار بالغة التأثير ولاتقل أهمية عن جهد المحاربين فى ميدان القتال ، بل إنهم كانوا أكبر الداعمين للمقاتلين المصريين
فقد قدموا فى تلك الفترة أغانى وطنية ألهبت مشاعر الجماهير والمحاربين ، تعبيرا عن الروح
الوطنية لدى أبناء الشعب المصرى ، ودعما لرجال القوات المسلحة الأبطال ، وللمقاومة
الشعبية المسلحة التى قام بها أبناء الشعب المصرى الأبطال فى تلك المعركة ومن أمثلة تلك
الأناشيد الوطنية التى ظهرت فى تلك الفترة والتى إستخدم رفعت جرانة ألحان بعضها فى
قصيده السيمفونى ( بورسعيد ) نذكر أناشيد : (الله أكبر ) كلمات عبدالله شمس الدين وتلحين
محمود الشريف ، وغناء المجموعة – ( والله زمان ياسلاحى ) كلمات صلاح جاهين وتلحين
كمال الطويل ، وغنته كوكب الشرق أم كلثوم والجدير بالذكر أن كمال الطويل قد لحن هذا
النشيد فى الظلام أثناء إحدى الغارات الجوية ، ثم إتصل بصديقه صلاح جاهين وأسمعه
النغمات التى أبدعها ، فكتب المبدع صلاح جاهين الكلمات المناسبة لتلك النغمات ، وهكذا
إنطلق إبداع كلمات ولحن النشيد خطوة خطوة حتى نهايته ، وبعد ذلك شدت به كوكب الشرق
أم كلثوم ، فكان لهذا النشيد أكبر الأثر على معاصرى تلك الفترة ، وقد عشتها بنفسى وقدمت
المطربة الكبيرة فايدة كامل نشيد (دع سمائى ) كلمات كامل عبدالحليم وتلحين على إسماعيل ،
وقد هز هذا النشيد بقوة معنويات القوات المسلحة البريطانية فى بورسعيد ، حتى أنهم كانوا
يقصفون بالقنابل أى موقع يصدرمنه هذا النشيد ، لأن أهالى مدينة بورسعيد ركبوا مكبرات
للصوت فوق سياراتهم وتجولوا فى أنحاء المدينة يذيعون النشيد ليسمعه المواطنون 0 وتقول
كلمات النشيد ( دع سمائى فسمائى محرقة دع قنالى فقنالى مغرقة واحذر الأرض
فأرضى صاعقة دع سمائى دع قنالى فمياهى مغرقة هذه أرضى أنا وأبى
ضحى هنا 000 وأبى قال لنا مزقوا أعداءنا ) وغنت المطربة الكبيرة نجاح سلام نشيد
(أنا النيل مقبرة للغزاة أنا الشعب نارى تبيد الطغاة ) كلمات محمود حسن إسماعيل
وتلحين رياض السنباطى ، وكذلك غنت نجاح سلام أيضا نشيد ( ياأغلى إسم فى الوجود يا مصر)
من تلحين محمد الموجى ، وغنت المجموعة نشيد ( حنحارب حنحارب كل
الناس حتحارب )
وفى نهاية عام 1956 وبعد أن تم النصر على المعتدين غنى المطرب الكبيرعبدالحليم حافظ
نشيد ( الله يابلادنا الله على جيشك والشعب معاه فى جهادك قوة وسلامتك
غنوة يابلادى ياحلوة يتسابق فى المجد علاه الله يابلادنا الله بسلاحنا
وعزيمتنا الحامية مقدرش الغالب يغلبنا ) وغنى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب
من تلحينه وكلمات حسين السيد نشيد ( ناصر كلنا بنحبك ناصر وحنفضل جنبك ) ،
وغنت المطربة الكبيرة نجاة ( الجنة هى بلادنا وجهنم هى حدودنا )
وقد إستخدم رفعت جرانة فى قصيده السيمفونى ( بورسعيد ) ألحان بعض تلك الأناشيد وهى
( الله أكبر – والله زمان يا سلاحى – حنحارب – الجنة هى بلادنا – ناصر كلنا بنحبك ) ،
ورمز للقوات المسلحة الإنجليزية بمارش إنجليزى ، وللقوات الفرنسية بلحن(المارسيلييز)
، ولكنه لم يرمز لإسرائيل بأى لحن ، وذلك لأن الظروف السياسية فى ذلك الوقت لم تكن
تسمح بذلك
وقد إنتهى رفعت جرانة من تأليف القصيد السيمفونى ( بورسعيد ) الذى جاء فى سلم
دو الكبير ، وميزانه الموسيقى رباعيا وسرعته معتدلة البطء فى تدفق ، عام1966
وقد قسمه إلى مقدمة وسبعة عشرة جزءا متصلة ، عبرت عن كل مراحل المعركة ،
وسأعرضها لك عزيزى القارئ بصورة مبسطة ، فالقصيد السيمفونى (بورسعيد )
يبدأ بمقدمة يسمع قرب نهايتها لحن نشيد (المارسيلييز ) الفرنسى ، يليه الجزء الأول
الجزء الأول : يسمع فيه لحن نشيد ( الله أكبر ) ، وقد بدأ المؤلف قصيده السيمفونى
بهذا اللحن ليرمز به إلى قوة الروح الدينية لدى أبناء الشعب المصرى
الجزء الثانى : سرعته ( سريع فى إيقاع المارش ) يسمع فى بدايته لحن نشيد
(الجنة هى بلادنا وجهنم هى حدودنا ) ويليه لحن نشيد ( والله زمان ياسلاحى ) ،
وهنا يصور المؤلف إعتزازالمصريين ببلادهم ، واعتبارها جنة الله فى الأرض ،
وأنهم يلجؤن إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن بلادهم عندما يتعرضون لأى
عدوان خارجى
الجزء الثالث : يسمع فيه لحن (المارسيلييز ) الفرنسى ، وفى نفس الوقت يسمع
لحن نشيد ( الجنة هى بلادنا ) ويدعمه لحنى (حنحارب ) و(والله زمان يا سلاحى )
وقرب النهاية يسمع لحن نشيد ( الله أكبر )
الجزء الرابع : فى بداية هذا الجزء يصور المؤلف حشد الجهود وتجميع الصفوف
إستعدادا لقتال المعتدين ، فيسمع فى البداية لحن نشيد ( والله زمان ياسلاحى ) ويدعمه
نشيد ( الله أكبر )
الجزء الخامس : يبدأ بعزف لحن نشيد ( الله أكبر ) ويسمع بعده لحن نشيد (والله زمان ياسلاحى )
الجزء السادس : سريع فى إيقاع المارش
يبدأ هذا الجزء بتغيير الميزان الموسيقى ويصبح ( ثنائيا ) بعد أن كان (رباعيا ) ، وبعد
بدايته بقليل يسمع لحن نشيد ( حنحارب ) ، ثم يسمع لحن نشيد ( الجنة هى بلادنا ) وبعدها
يصاحبه لحن نشيد ( حنحارب ) مصورا تصميم أبناء الشعب المصرى على الدفاع عن
بلادهم وحياتهم
الجزء السابع : يستمر عزف لحن نشيد ( الجنة هى بلادنا ) يليه سماع لحن نشيد (الله أكبر)
ويختتم هذا الجزء بلحن نشيد (حنحارب )
الجزء الثامن : فى بدايته يسمع لحن نشيد ( حنحارب ) ويختتم هذا الجزء بسماع لحن
( المارسيلييز ) الفرنسى ، ليرمز به لنا المؤلف على ظهور القوات الفرنسية المعتدية
الجزء التاسع : يستمر سماع لحن نشيد ( المارسيلييز ) الفرنسى ، وفى منتصف هذا الجزء
تتغير سرعة الأداء ، وتصبح (أقل سرعة ) وعندها يسمع لحن ( الجنة هى بلادنا ) مكثفا
الجزء العاشر : مع بداية هذا الجزء تتغير سرعة الأداء ، وتصبح ( أسرع )
والجدير بالذكر أن كل هذه التغييرات التى لجأ إليها المؤلف سواء فى الميزان الموسيقى أو السرعة أو غيرها ، لكى يتمكن من التعبير بصدق وبحرية عن الموضوع الذى يتناوله 0
وفى هذا الجزء يسمع لحن نشيد ( الجنة هى بلادنا ) ليرمزبه إلى إعتزاز المصريين ببلادهم
وقيامهم بالدفاع عنها والتضحية فى سبيلها بالنفس والنفيس ، لرد اى إعتداء يقع عليها ، ويستمر
هذا اللحن ويسمع معه لحن نشيد ( المارسيلييز )الفرنسى ، وقرب النهاية يتوقف عزف هذا اللحن ، ليختتم هذا الجزء بلحن نسيد ( الجنة هى بلادنا ) 0
الجزء الحادى عشر : يستمر سماع لحن (الجنة هى بلادنا ) ويسمع معه لحن ( المارسيلييز )
الفرنسى ، ليرمز للقوات الفرنسية المعتدية ، ومع إستمرار هذا اللحن ، يسمع لحن نشيد ( الله أكبر ) ليرمز به المؤلف إلى قيام أبناء الشعب المصرى بحمل السلاح للدفاع عن بلادهم بعد أن
دعوا الله سبحانه وتعالى أن ينعم عليهم بالنصر المبين ، على الغزاة المعتدين
الجزء الثانى عشر : تصبح السرعة أقل ، ويتداخل هذا الجزء مع الجزء السابق باستمرار
ألحان أناشيد ( الله أكبر ) و ( المارسيلييز ) و ( الجنة هى بلادنا ) ، ثم تسمع موسيقا توحى
بالقلق والترقب لبداية المعركة
الجزء الثالث عشر : تعود سرعة الأداء إلى سرعتها الأولى ، وتصير أسرع وقد قسم
المؤلف هذا الجزء إلى ثلاثة أقسام ويبدأ بمقدمة
المقدمة : وهى إمتداد للحن نشيد ( الجنة هى بلادنا ) محورا ، ثم يليها :
القسم الأول: ويسمع فيه لحن نشيد ( المارسيلييز ) الفرنسى
القسم الثانى : يسمع فيه لحن نشيد ( ناصر كلنا بنحبك 00ناصر وحنفضل جنبك ) ليؤكد
المؤلف على وقوف أبناء الشعب المصرى خلف قائدهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ،
ثم يسمع لحن نشيد(الله أكبر ) ليرمز إلى إعتماد الشعب المصرى فى كفاحه ضد الغزاة
على الله سبحانه وتعالى ، وقرب نهاية هذا القسم تصبح السرعة أقل
القسم الثالث : تصبح السرعة أسرع كثيرا ، وتعود الموسيقا لتوحى بجو القلق والترقب
والإستعداد لجولة أخرى من المعركة ، وفى نهاية هذا القسم تتغير السرعة وتصير سريعة ،
ويسمع لحن نشيد ( الجنة هى بلادنا )
الجزء الرابع عشر : يبدأ هذا الجزء بعزف قوى من كل آلات الأوركسترا للحن نشيد
(الله أكبر) يسمع أولا صريحا ثم محورا ويصور المؤلف هنا التركيز على شحذ الهمم ،
وطلب العون من الله سبحانه وتعالى ، فقد كانوا على أبواب المعركة الفاصلة
الجزء الخامس عشر : تتغير السرعة وتصبح متوسطة ، وهذا الجزء يصور الهدوء
الذى يسبق المعركة الفاصلة ، وتوحى الموسيقا هنا بالقلق والتوتر ، ويختتم بها هذا الجزء
الجزء السادس عشر : تتغير السرعة وتصير سريعة دون إسراف 0
وهذا الجزء والجزء التالى والأخير يصوران احداث المعركة الفاصلة ، وهى تبدأ بعزف
قوى من كل آلات الأوركسترا للحن ( ناصر كلنا بنحبك ) ليرمز بذلك لتكاتف أبناء الشعب
المصرى ووقوفهم خلف قائدهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر 0 وفى نهاية هذا الجزء تصير
السرعة أبطأ
الجزء السابع عشر والأخير : فى هذا الجزء يتتابع ظهور ألحان الأناشيد المصرية السابق
سماعها ، وتؤدى بصورة متدرجة من الخفوت إلى القوة لتصور تجمع القوات المصرية
لتوجيه الضربة القاضية للمعتدين 0 فيسمع أولا أداء خافتا للحن ( الجنة هى بلادنا ) محورا ،
ثم يسمع لحن نشيد ( حنحارب ) يعزف بقوة ، وبعده لحن نشيد ( الله أكبر ) ، ويسمع معه لحن
نشيد (حنحارب )0 وبهذا يسيطر على هذا الجزء ألحان الأناشيد الوطنية المصرية المستخدمة
فى القصيد السيمفونى (بورسعيد ) ، لتصوير النصر الذى من الله به على أبناء الشعب المصرى على القوات الغازية المعتدية ، والتى رمز لها رفعت جرانة بلحنى ( المارسيلييز ) و ( المارش الإنجليزى ) ، وأجرى الصراع الموسيقى بينهما وبين ألحان الأناشيد الوطنية المصرية ، حيث ينتهى القصيد السيمفونى ( بورسعيد ) بموسيقا قوية دلالة على إنتصار المصريين على القوات المعتدية
وبهذا يكون مؤلف الموسيقا المصرى المعاصر محمد رفعت جرانة قد صور بالموسيقا مراحل
أحداث معركة بورسعيد التى خاضها الجيش والشعب المصرى عام 1956 ، ضد القوات الفرنسية والإنجليزية والإسرائلية ، ولم يرمز للأخيرة بأى ألحان نظرا للظروف السياسية
آنذاك والتى لم تكن تسمح بذلك ، كما أن جرانة قد إستخدم ألحان بعض الأناشيد الوطنية
المصرية التى قدمت أثناء مراحل تلك المعركة وقدمها فى صياغة أوركسترالية ناجحة ، واستطاع من خلال إستخدامه لكل تلك الألحان أن يصور مراحل المعركة خطوة خطوة ،
بحيث يمكن تتبعها بالصورة التى سبق إيضاحها بالتفصيل ، والتى تجنبت فيها ذكر الآلات
الموسيقية التى تؤدى ألحان هذا القصيد السيمفونى ، حتى لايغرق القارئ فى كل تلك التفاصيل 0 والجدير بالذكر أن رفعت جرانة قد ركز على إستخدام آلات النفخ النحاسية وآلات النفخ
الخشبية فى الأوركسترا ، وهى آلات ذات طابع عسكرى ، فجاءت مناسبة للموضوع الذى
يصوره المؤلف وبرغم أن تلك الحرب قد إشتهرت باسم (حرب السويس ) إلا أن المؤلف
هنا قد إختار إسم (بورسعيد ) عنوانا لقصيده السيمفونى ، لأنها المكان الذى بدأت فيه المعركة ،
كما أنها أيضا المكان الذى لم يسقط أبدا ، بل وتحققت فيه إنتصارات باهرة للجيش والشعب
المصرى 0 وكذلك فقد قام رفعت جرانة بتغيير كل من الميزان الموسيقى وسرعة الأداء عدة
مرات ، ليتمكن من تصوير المراحل المختلفة لسير المعركة ، نظرا لتنوع إيقاع الأحداث خلال
المعارك من كر وفر وترقب وانتظار وهجوم ، كل ذلك تطلب ما قام به جرانة من تغييرات ،
ومن ناحية الإنتقالات بين السلالم الموسيقية المختلفة فى القصيدة السيمفونى ( بورسعيد )
فقد إتجهت فى أغلب الأحيان إلى سلالم موسيقية بعيدة ، كما ظهرت الإنتقالات الكروماتيكية
عدة مرات ، بالإضافة إلى فقرة جاءت غير محددة السلم الموسيقى ، وذلك فى ختام الجزء
الخامس عشر لتصوير حالة القلق والترقب والإنتظار الذى سبقت المعركة الفاصلة ، وقد
إستخدم رفعت جرانة التظليل الموسيقى المناسب لتجسيد مراحل المعركة ، فاستخدم مصطلحات
( الخفوت – القوة – القوة الشديدة – الخفوت الشديد – التدرج إلى القوة ) من ناحية الصيغة
الموسيقية فقد قسم رفعت جرانة هذا القصيد السيمفونى إلى مقدمة وسبعة جزءا متصلا ، حتى
يتمكن من تصوير مراحل المعركة خطوة خطوة ، وأخضع موسيقا القصيد السيمفونى ( بورسعيد ) لتصوير الموضوع الذى يتناوله ، ولم يلتزم فيه بصيغة محددة
وفى عام 1972 ألف جرانة القصيد السيمفونى ( النيل ) وصور فيه رحلة نهر النيل من المنبع
إلى المصب ، مصورا فى تلك الرحلة طبيعة الموسيقا التى تميز المناطق التى يمر خلالها نهر النيل فى رحلته الطويلة
وفى عام 1974 الف رفعت جرانة القصيد السيمفونى ( 6 أكتوبر) الذى صور فيه كل مراحل حرب السادس من أكتوبر عام 1973 المجيدة ، خطوةخطوة 0 وفى تعليق على حفل أوركسترا القاهرة السيمفونى يوم (26 / 12 /1986 ) الذى قدم فيه القصيد السيمفونى
(6 أكتوبر )، قال ا لناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى ( 1920 – 2000) عنه ما يلى " يعتبر السادس من أكتوبر من أبرز الأيام فى تاريخنا الحديث ، حيث أتم الجندى المصرى إقتحام قناة السويس المانع المائى الكبير ، واستطاع خلال ساعات معدودة ان يحطم خط بارليف الحصين 0 ولقد سجل المؤلف المصرى محمد رفعت جرانة هذا الحدث التاريخى العظيم فى قصيد سيمفونى
يقول عنه مايلى (لقد كتبت هذا القصيد السيمفونى بعد أن عشت المعركة واستمعت إلى أبطالها
وقصص البطولات والأمجاد الحربية التى حققها الجندى المصرى خلال المعارك الشرسة
وبدأت فى كتابة هذا القصيد السيمفونى بعد شهر من المعركة ، وقد جعلت لكل آلة موسيقية
دورها فى تصوير الأحداث ) ويستهل القصيد السيمفونى ( 6 أكتوبر ) بتصوير هدوء
.الجبهة ، وتبرز دقات بندول الساعة فى إنتظار حلول ساعة الصفر ، وتستمر دقات البندول ،
ثم تعلن ساعة الصفر من الأجراس ( الساعة الثانية ) ،يبدأ بعدها الهجوم ،ويعبر عنه فى
قوة بفقرة من الأوركسترا كاملا ، ويسمع جزء من السلام الجمهورى تعبيرا عن رفع الأعلام ، المصرية فوق جبهة القتال 0 ولقد إستطاع محمد رفعت جرانة إستغلال قدراته المتميزة فى
الكتابة للأوركسترا السيمفونى الكبير فى التعبير والتصوير بالموسيقا عن مراحل القتال فى
حيوية دافقة مستغلا لغة هارمونية حديثة تتميز باستخدامه الواعى للتآلفات المتنافرة
ويمكن القول بأن هذا القصيد السيمفونى صورة معبرة عن موسيقا المعركة فى صورة من أحسن
صورها " وهنا تنتهى كلمات الناقد الموسيقى الكبير أحمد المصرى
وهكذا نجد أن رفعت جرانة قد قدم العديد من المؤلفات الموسيقية الأوركسترا لية التى إحتلت
مكانها فى تاريخ الموسيقا المصرية الحديثة بكل جدارة ، وهو يستحق منا كل التقدير والإحترام
على ما أنجزه من مؤلفات موسيقية يمكن تقديمها فى أى مكان فى العالم فيفهمها الجميع ، بالإضافة لما تحمله تلك المؤلفات من ملامح الموسيقا المصرية الواضحة 0 وإننى أدعوا
دار الأوبرا المصرية إلى أن تقيم حفلا لتكريم مؤلف الموسيقا المصرى المعاصرمحمد رفعت جرانة ،و تعزف فيه بعض مؤلفاته ، فهو يستحق هذا التكريم بكل تأكيد بما قدمه لمصرمن إنجازات موسيقية دخلت التاريخ من أوسع الأبواب 0والجدير بالذكر أن رفعت جرانة قد فاز بجائزة الدولة التشجيعية فى التأليف الموسيقى عام 1966 ، ومنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967 وأخيرا......
أرجو أن تجد دعوتى هذه صدى لدى الجهات المعنية ، مع أطيب الأمنيات لمؤلفنا الكبير
محمد رفعت جرانة فى عيد ميلاده الواحد والتسعين ، أن يمتعة الله بالصحه و العافية .
أ. د
زين نصار
ساحة النقاش