لم يتوقع الكثيرون لتلك الفتاة القادمة من صعيد مصر ، والتي تنطق العربية بصعوبة ، كل هذا التوهج ، وان تصبح حالة فنية شديدة التميز والثراء، وشديدة التنوع أيضاً.
إنها "نفيسة" السينما المصرية في " بداية ونهاية" والتي أعطت درساً حياً في فن التمثيل ، مازالت له أصداؤه حتى الآن ، وهي "فضة" الدراما التليفزيونية ، التي عبرت بدورها ومثلت مرحلة وحقبة تاريخية ، سيطر فيها المال بسوقيته وشراسته على المجتمع، ودهس في طريقه القيم الاجتماعية الجمالية والتاريخية ، وماذا يفعل أمامها "أبو الغار ؟، هي المنتقمة التي تستطيع شراء الجميع ، حتى من أنفسهم في " زيارة السيدة العجوز".،،
تبدأ بداية هذا الصرح الفني بميلادها في ملوى بمحافظة المنيا شمال صعيد مصر ، واسمها الحقيقي هو ثريا يوسف عطا الله ولم تكن لأسرتها أي علاقة بالفنون ولذا كان لهم موقفهم المتشدد منها بالقطيعة التامة بمجرد اتجاهها لدراسة فن التمثيل!
وعند التحاق سناء جميل بمعهد الفنون المسرحية عانت من اللكنة التي صاحبت نطقها للغة العربية ، وذلك بسبب تعليمها في المدارس الفرنسية ، فأخذ الفنان الكبير زكي طليمات على عاتقه تدريبها على النطق الصحيح والأداء باللغة العربية ،بالفصحى والعامية.
وتخرجت سناء جميل من معهد الفنون المسرحية عام1951 ، واختار لها زكي طليمات اسمها الفني "سناء جميل" وتنطلق بعدها لتقوم عدة ادوار مسرحية في الفرقة القومية ، وبعض الادوار السنيمائية ،إلى أن جاء لها الدور الفيصل والاكثر تأثيراً في بداية مسيرتها وهو دور نفيسة في فيلم "بداية ونهاية" أمام كل من :أمينة رزق ، عمر الشريف ، فريد شوقي ، صلاح منصور ، بقيادة المخرج الكبير صلاح أبو سيف ، والطريف أنها لم تكن المرشحة له الفنانة فاتن حمامة ، وبعد اعتذارها عن لعب الدور ، اختار صلاح أبو سيف سناء جميل لأداء الدور ، فكان أجمل اعتذار واجمل بديل.
و كان هذا الدور فاتحة خير على سناء جميل وتعرف عليها الكثير من الجمهور، وقيم وقدر موهبتها ، وقدمت أيضاً مع صلاح أبو سيف فيما بعد دورها الذي أصبح مع فيلمه من كلاسيكيات السينما المصرية ، وهو دور حفيظة في فيلم " الزوجة الثانية" .
قدمت الفنانة القديرة سناء جميل الكثير من الادوار في الدراما التليفزيونية أشهرها دور الدكتورة عفت في مسلسل "عيون" أمام الراحل الكبير فؤاد المهندس ، ودورها الأكثر جماهيرية "المعلمة فضة المعداوي" في مسلسل "الراية البيضاء" تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد فاضل ، الذي مثل صراعاً بين العشوائية والسوقية والجهل الثري في مواجهة قيم التحضر والحق والخير والجمال ، ولا ينسى الجمهور نداءها الشهير "وله يا حمو .. التمساحة ياله".
ولم تفقد الفنانة الكبيرة سناء جميل طوال دوافعها للبحث عن الأدوار الجيدة مسرحياً وتلفزيونيا وسينمائياً ، فقدمت الكثير من الأدوار التي أخذت من روحها المتوهجة ، وتمنت في يوم أن تقف ممثلة أمام معجزة التمثيل أحمد زكي، تقديراً منها لموهبته المتدفقة ، فقامت بالاتصال به ، وصرحت له برغبتها فقابل هذا بفرح شديد وكان فيلمها الأول معه "سواق الهانم" الذي قدما فيه درساً في الكوميديا الراقية القائمة على الموقف وسوء الفهم ، الناتج عن صراع شريحتين اجتماعيتين واختلاف مفاهيمهما وقيمهما ، وصراع اجيال لا يعدم سوء الفهم والتناقض.
وكان فيلمهما الثاني هو "أضحك الصورة تطلع حلوة" من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، وكانت طريقة أدائها الجادة جداً مفجرة للكوميديا حتى وان كانت مختلطة بالألم !! وأصبحت بعض جملها في هذا الفيلم أيقونات حوارية ، مثل جملتها التي قالتها لابنها سيد عندما واجهت فجر الثورة والقوة عندما حاولت مقابلة والد حبيب حفيدتها :" إحنا صغيرين قوى يا سيد" .
وتزوجت الفنانة الراحلة من الصحفي الكبير لويس جريس، الذي كتم حبه لها في البداية ، اعتقاداً منه انها مسلمة ، وعندما اكتشف انها مسيحية الديانة وأرثوذكسية المذهب، حلت له المشكلة وتزوجها وشكلا معاً ثنائياً شديد التفاهم قادر على خلق التعاون بين مشروعين لشخصيتين شهيرتين وفاعليتين في الوسط الثقافي والفني.
ومن أشهر أعمال سناء جميل المسرحية :" ماكبث" و"الحجاج بن يوسف " و" زواج الحلاق" و"ابن جلا" و"الدخان" و"سقوط فرعون" و"قاتل الزجات" و"رجل الأقدار" و " ليلة مصرع جيفارا" و" شمس النهار" و"زواج فيجارو" و " الناس اللي فوق" و"زهرة الصبار" و" شهرزاد" و"الحصان" و"بيت من زجاج" و"صنف الحريم" و" رقصة الموت" و" تاجر البندقية" و" سلطان الظلام" و"المهزلة الارضية" و" الأيدي القذرة" و"كباريه" و" زيارة السيدة العجوز".
ومن اعمالها السينمائية : بدأت سناء جميل مشوارها السينمائي في العام 1951 بفيلم "طيش شباب " والعام 1952 " ادم وحواء" و" الايمان " و" سلوا قلبي" و "شم النسيم" و" بشرة خير" و " حرام عليك" و عام 1953 " بلال مؤذن الرسول" و "شريك حياتي" و " أنا وحبيبي " و "في شرع مين" و " عبيد المال" و" نافذ على الجنة" وعام 1954 " كدت أهدم بيتي " و" مرت الايام " و" كدبة ابريل " و" يا ظالمني" وعام 1955 " الميعاد" و" أهل الهوى" وعام 1956 " اسماعيل يس في متحف الشمع" و" شياطين الجو" و" عام 1957 " المجد" و" لن ابكي" وعام 1958 " مع الأيام " وعام 1959 " قلب من ذهب" وعام 1960 " بداية ونهاية" وعام 1961" بلا دموع" وعام 1962" فجر يوم جديد " و" المستحيل" وعام 1968 " الزوجة الثانية " وعام 1970 " فداك يا فلسطين " وعام 1972 " البعض يعيش مرتين" وعام 1974" الشوارع الخلفية" وعام 1976 " حكمتك يا رب" و" توحيدة " وعام 1978" امرأة قتلها الحب " و" أهلاً يا كابتن" وعام1979" الشك يا حبيبي" وعام 1980" المجهول" وعام 1985" ملائكة الشوارع" وعام 1988" البدرون" و" الدنيا جرى فيها ايه" وعام 1994 " سواق الهانم" و " السيد كاف" و" أضحك الصورة تطلع حلوة" عام 1998.
ومن أعمالها التليفزيونية : عيون "1980" و دعوني أعيش"1984" والأخوة زنانير "1988 " و ليلة الهروب " 1989 " والامتحان "1990" وخالتي صفية والدير "1995" وساكن قصادي"1995" والرايا البيضاء" 1996" والبر الغربي "2001" والرقص على سلالم متحركة"2001".
ورحلت الصلبة عن عالمنا في 22 ديسمبر 2001 بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر يناهز 72 عاماً ، بعد أن تركت صرحاً من الأداءات الفنية التي تستحق الدراسة والتأمل. بقلم : د محمد أمين عبد الصمد.
المصدر : نشرة المهرجان القومي للمسرح العدد 15
( 24/8/2014)
ساحة النقاش