في سنوات الطفولة الأولى أذكر فيما أذكر الأستاذ رمضان مدرس اللغة العربية وابن دار العلوم الذي آمن المسرح وسيلة تعليمية وتربوية لتدريس اللغة العربية بداية من الشعر أو النصوص ووصولا إلى مسرحية مادة النحو وكانت بالنسبة لنا نحن التلاميذ تعد هذه الحصة أهم حصة وأكثر القرارات متعة وبهجة, ومنها يكون المدخل إلى جماعة الإذاعة المدرسية لتعتمد إعلاميا في المدرسة, ثم تطور الأمر بأجواء هذه الحصة الإبداعية إلى أن قدمنا عروضنا أمام زملائنا في المدرسة "الجمهور" وفي فناء المدرسة كان الأستاذ رمضان يستهدف إلى جانب مسرحة منهجه الدراسي أن يعلمنا وسيطا للاختلاف والديمقراطية وتطور شكل العرض الذي قدمناه إلى أن تعاون معنا الأستاذ سمير مدرس التربية الفنية "الرسم حاليا" ليصنع لنا وبنا الصورة المرئية فكنا نصنع ديكور ونقوم بالدعاية للعرض إلى جانب التمثيل.
ولأن قريتنا كانت أحدى القرى الكبرى في محافظة الفيوم فقد كانت مركزا لمجموعة من القرى الصغيرة وكان بها دارا للسينما شاهدنا فيها تراث السينما المصرية بسعر التذكرة آنذاك " قرش صاغ واحد" فكانت المخيلة الإبداعية للأطفال حاضرة لبناء ذلك العالم الافتراضي والمدهش والعلمي والجماعي دون عناء. وأذكر حينما جاءتنا إحدى فرق الثقافة الجماهيرية لتقدم عرض "عنترة" للكاتب يسري الجندي, وكنا نشاهد هذا العرض جلوسا على الأرض بينما يعتلى الممثلون أحد الأرصفة الممتدة في الوحدة المحلية المجمعة, منا قد بدأنا ندرك جوهر هذا الوسيط السحري قليل التكلفة إلا من الجهد البشري, بدأنا ندرك أننا قادرون على التفاعل معه وأصبحنا نقارن بين ما تقدمه الفرقة المسرحية وبين العروض التي نقدمها. وظلت اللحظات الأولى للقائي بفن المسرح هي لحظات مؤسسة في مفهوم العمل الإبداعي ولذلك عندما تخرجت من معهد المعلمين عملت مشرفا للمسرح في توجيه التربية المسرحية وكنت آنذاك أقوم بإخرج الأعمال المسرحية للأطفال.
لتتوالد الصور عن هؤلاء الأطفال الذين إن لم يلتحقوا بعالم المسرح كأحد عناصره الإبداعية ظلوا جمهورا يؤمن بالديمقراطية والحوار ويعلم أن الاختلاف هو جوهر الحياه وأن مصائر الشخصيات تتحكم فيها اختياتهم وأن الإبداع ليس جريمة أو حراما وأن ما يقدمه هؤلاء المبدعون إنما إضافة جمالية وفكرية واجتماعية للنفس الإنسانية التي تشارك في عملية الاتصال الكبرى.
والآن ونحن نحاول إعادة البناء وبعد ان اختفى المسرح من المدارس واختفت صالات السينما بعد أن تحولت إلى مسخرة من الوحدات المحلية ولم ترز قريتنا فرقة أخرى من فرق الثقافة الجماهيرية.
أصبح واجبا علينا إن كنا نرجوا خيرا لهذه الأمة أن نعود إلى مدارسنا سواء في الفصل أو الفناء أو المسرح الصغير لنعرفهم بفن المسرح وليعبروا عن أنفسهم بوسائل متاحة وإمكانات بسيطة.
نعود إلى المدرس لا لنقدم أعظم الإبداعات العالمية فقط ولكن لنصنع الإنسان الاجتماعي ونغذي الروح التي اعتلت ونبني مستقبل أجيالنا بعيدا عن العنف والمخدرات والرذيلة والرجعية والتكفير.
شكرا للأستاذ رمضان الذي آمن بالمسرح وعلمنا فضائله وشكرا لكل أستاذ مخلص يعي أنه يزرع في أطفالنا ما سوف نجنيه كلنا بعد سنوات قليلة فأحسن الزرع والغرس. أما السيد وزير التربية والتعليم فندعوه إلى تخصيص إحدى حصص الأنشطة للمسرح ومحاولة إنشاء منهج دراسي للتربية المسرحية يدرس في هذه الحصة وأان يقوم بتدريسه أحد المختصين أو موجهي التربية المسرحية.
انقذوا المستقبل يا سادة ولا تنتظروا كثيرا فليس لدينا رفاهية الانتظار.
بقلم/ د.سيد خطاب
المصدر/ نشرة المهرجان القومي للمسرح
العدد/9 –بتاريخ 18-8-2014
ساحة النقاش