ضمن فاعليات المهرجان القومي للمسرح قدمت خشبة المسرح "سيد درويش" عرضا مسرحيا بعنوان " مطلوب- wanted" من اخراج " محمد مهران" وتأليفه بمشاركة "عمر عبد الحليم", العرض يتخذ من منطق "ما بعد الحداثة" نبراسا له, فتتداخل الازمنة والامكنة وتعتمل خشبة المسرح بالحركة والتناقض, فالمخرج يجعل من خشبة المسرح وكأنها شاشة عرض سينمائي يتحرك فيها بمنتهى الحرية على مستوى الزمان والمكان, يعتمد على ثلاثة أزمنة, الزمن الآني وهو زمن لقاء "المحقق مع المتهم" ويواجه فيه المحقق, المتهم بجرائمه الثلاثة والاربعين, ومن هنا يبدأ المتهم بتذكر ما في الماضي وهو الزمن الثاني أي زمن السرد, ومنه إلى معايشة هذا الماضي بشكل تعبيري وهو الزمن الثالث, تتداخل هذه الازمنة الثلاثة على مدار المسرحية ويكون الانتقال فيه بشكل سريع. وتعد الحانة هي المكان الاساسي  الذي تدور فيه أحداث المسرحية, وباستغلال البؤر الإضائية تتنوع الاماكن والازمنة في ان معا. حاول المخرج أن يقدم عرضا نفسيا ومن الدرجة الاولى, حيث اختلاط المشاعر, والضغوط التي تؤدي إلى الامراض النفسية التي تدفع إلى ارتكاب الجريمة, في العرض عدد كبير جدا من الجرائم التي ارتكبها المتهم, والتي من ضمنه قتل اباه وامه, ولم يظهر الاب في هذا العرض وإن بدى أنه سببا اساسيا فيما حدث لبطل المسرحية, وتحوله ‘إلى قاتل يشعر بارتياح حينما يقوم بممارسة فعل القتل, بل أنه يقتل الام المؤمنة التي تعرف المسيح جيدا والذي ينكره عليها الابن القاتل, الملحد أحيانا, بل أنه يقتلها لإراحتها , مؤكدا لها في لحظة موتها ان هذا هو الشيء الوحيد الذي استطاع ان يحققه لها, على مدار حياته, وفي خضم أحداث المسرحية يتذكر بطل المسرحية " اليكسندر" حبيبته "كلير" وهي فتاة في السادسة عشر من عمرها كان قد اغتصبها,  ووجد أنها كانت راغبة في ذلك فهي أيضا تعاني اضطرابات نفسية, ولان أخاها يعاملها كطفلة كونها لازالت عذراء, ولكونها طفلة تطورت قصة الحب ولكن بغياب الحبيب تواجه هي الأخ بأنها لم تعد طفلة فيجعلها عاهرة في حانته, تلك الحانه التي تعد المركز الرئيسي لأحداث المسرحية, وذلك لأن هذه الحانة هي ما قتل الأخ فيه أخته كلي حبيبة البطل الذي أراد أن يأخذها ولهذا قتلها الأخ ومن ثم قتله اليكسندر, وتحطمت أحلامه بفقدان حبيبته, وينهي المخرج المسرحية نهاية مفتوحة حيث يتجه المحقق نحو الجمهور بينما يتجه القاتل إلى عمق المسرح نحو البار, ويكمن هنا السؤال أذا كانت البداية وعامل الربط هي علاقة القاتل بالمحقق فكيف ينهي المخرج المؤلف المسرحية  وكأنها نهاية مفتوحة؟ هل ليحفز المتلقي على التفكير؟ بكونه بدأ بلحظة القبض على المتهم, أحداث المسرحية تدور في تداخلات زمانية ومكانية يسردها ويجسدها بطل العرض, المخرج يجعل من خشبة المسرح مكان للمتلقي حيث يجلس المتلقين أعلى خشبة المسرح مع الممثلين واحيانا يدخل من وسطهم المحقق أو المتهم. تلك الحالة والتي يشاهد فيها الجمهور المسرحية من على خشبة المسرح ذاتها  تذكرنا بمسرحية الكاتب البريطاني " بيتر شافر" "ايكوس /الحصان" ولكن مع اختلاف كون جمهور مسرحية شافر هو جمهور داخلي أي من داخل أفراد النص يمثلون في المسرحية ثم يجلسون مرة أخرى بعد انتهاء أدائهم, ولكن فكرة تداخل الزمنة هذه هي ذاتها بنفس منطق شافر الى جوار كون الأم مؤمنة جدا بالمسيح, المخرج هنا في مسرحيته "مطلوب" حاول تقديم حالات انسانية شديدة التعقيد على المستوى النفسي.

  والممثلين قدما حالة تمثيلية متناغمة فبطل العرض محمود حجازي قدم شخصية القاتل بشكل يتناسب مع هذه الشخصية الغير متزنة نفسيا, وقدمت الممثلة "لمياء كرم" دور كلير بشكل به كثير من الاتقان المتوائم مع طبيعة شخصيتها التي تتحول من طفلة لعاهرة دون اراتها فما كانت تظن انه مفتاح لحريتها كونها تصبح أمراه أصبح مفتاح عبوديتها وسبب موتها في النهاية, وقدمت الممثلة "هايدي عبد الخالق" شخصية الام بشكل متقن.

  الاضاءة في هذا العرض تعد بمثابة العامل الأساسي فيه التي تساعد على الانتقال في الزمان والمكان ومنفذيها "تامر الكاشف" ديكور العرض أيضا من أهم العوامل التي دعمت هذا العرض, وهو لـ " محمد عبد العزيز" الموسيقى من أكثر العوامل اتساقا مع الجو النفسي العام وكونها حية على خشبة المسرح بشكل كبير حالة التوتر والعشوائية والقتل الغير مبرر  أحيانا هي الحالة العامة التي كانت تسيطر على العرض المسرحي "مطلوب" فهي حالة الفوضى التي يعيش فيها العالم بشكل عام.

 

بقلم /داليا همام

المصدر/ نشرة المهرجان القومي للمسرح

بتاريخ/15-8-2014 العدد6

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,255,510