فى " ليلى و المجنون " يتجلى المسرح داخل المسرح دون أى إيهام و ذاك عبر تقنية ( التمثيل داخل التمثيل) , حين يطلب الأستاذ من تلاميذه تمثيل مسرحية أحمد شوقى المعروفة ( مجنون ليلى ) ,فضلا عن تقنية الفلاش باك التى استخدمها " صلاح عبد الصبور" فى مسرحياته السابقة , حين يستعيد بطله " سعيد " ذكرياته ,و تتجسد أمامنا وفى حضوره صور من ماضيه المؤلم ,يتجلى فيها طفل مات أبوه,فغرق مع أمه فى وحل الفقر و جوعه, حتى وافقت الأم مرغمة على الزواج برجل مارس قهره عليها ,فأنهزم الإنسان المتمرد فى " سعيد" .......
يبنى "عبد الصبور " عمله على متابعة أحادية الأتجاه تبدأ من غرفة تحرير بإحدى المجلات الصغيرة لتنتهى فى السجن و رغم انها المسرحية الوحيدة التى لا تلجأ للتاريخ البعيد مثل ( مأساة الحلاج ) ولا تتعلق بعوالم رمزية كبقية مسرحياته الثلاث الأخرى بما فيهن (بعد أن يموت الملك) إلا فإن شاعرنا لا يرضى بزمنه الحاضر الذى يعيشه , بل يقذف بأبطاله لزمن ما قبل ثورة يوليو 52 بأشهر قليلة , سيرا على نهج بعض من كتاب الستينات فى البعد عن الزمن الحاضر , و الأكتفاء ب( تحضير ) الماضى فى فضاء المسرح ,حيثأن طبيعة المسرح الحوارية تتأسس على الزمن الحاضر , مهما ارتدت أثوابا ماضوية , وأن عبر حدث المسرحية وهموم شخصياته تعبيرا كاملا عن زمن ما بعد هزيمة 67 ,و انكسار حلم التغيير بقوى الثورة التى قامت لتحققه ,و عليه فهو لا يعود لزمن ما قبل الثورة ليبرر قيامها , و إنما هو يرجع لذاك الزمن ليكشف عن الخلل الذى سرى فى أوصال تلك الثورة ,فكانت هزيمتها مدوية و مؤلمة لأكثر من جيل .
يختار " عبد الصبور " مجموعة دالة من شباب الوطن ,واضعا إياها بين يدى أستاذ جليل إختارها بدوره لتعمل معه فى مجلة صغيرة تقدمية التوجه , حاديها للمستقبل " الحرية و العدل " , تعانى من تعنت سلطتى القصر و الأحتلال , لرفضها السقوط فى هوة الإسفاف المتمرغة فيه بقية صحف السلطة ,مما ينعكس على نفسية هؤلاء الشباب و يؤثر على عملهم بالمجلة , و رغم ثبات سماتهم الشخصية : " سعيد " العاشق , و " حسان " الثورى العنيف و" زياد " خفيف الظل " و " ليلى " المتباهية بجسدها و مشاعرها المتقدة , ثم " حسام" العائد من المعتقل و قد باع نفسه للشرطة و معهم " حنان " و سلوى اللتان تعملان بذات المجلة . و شيخنا الطيب يقترح عليهم للخروج من حالة التوتر النفسى الواقعية اللجوء للفن كمتنفس عن طاقاتهم الانفعالية و كأقنعة ترتدى ليقول من خلالها كل شخص ما يكتبه من أفكار عن الآخر و يختار لهم نصا رومانسيا من الماضى القريب للشاعر " أحمد شوقى " هو (مجنون ليلى ) علهم يهربون به لسويعات من حاضرهم الملتهب .
الأستاذ الجليل هو رئيس التحرير وهو صاحب الفكرة , و لذا فهو بخبرته و موقعه القيادى لا يرضى بغير أن يوجه مسار ذلك الجيل المتمرد نحو الطريق الذى يراه هو ,فالتمرد على الحاضر ,أى حاضر ,لا يعبر وحده الطريق نحو المستقبل بل وجود فكر متماسك الأسس و الملامح ,هو الممهد اهذا الطريق و المحقق ليوتوبيا " الحرية و العدل" و هو ما سيعجز الجيل الشاب , عند " عبد الصبور " عن تحقيقه فهو جيل منهار و مفتت جيل قد أدركه الهرم على دكك المقهى و المبغى و السجن / جيل مملوء بالمهزومين الموتى قبل الموت جيل لا يقدر منذ بداية المسرحية على أن يفعل شيئا غير أنتظار " القادم من بعده" فهو وجه أخر من " الأميرة " التى انتظرت خمسة عشر عاما حتى يأتيها القرندل ليخلصها من مغتصب حقها الشرعى فى الملك و الحياة غير أن المخلص قد يأتى فى الأعمال الرمزية المبهمة المدلول لكن يصعب عليه التجلى فى الأعمال ذات الأبنية الواقعية وإن اتشحت بالشعر ,فلا بد له من سمات واقعية محددة المعالم ,لا تروغ فى الرمز المجرد , و هكذا يغيب ذلك المخلص عن مسرحية ( ليلى و المجنون) مع أن سعيد يرسمه فى قصيدته الداخلية ذات العنوان الطويل " يوميات نبى يحمل قلما ... " فى صورة الفارس القادم وحده فى منتصف اليأس لذا فمازال سيفه لم يبرح جفن الغمد بعد , رغم أنها كتبت فى ذات الوقت و المناخ اللذين كتبت فيهما ( الأميرة تنتظر ) و التى تجلى مخلصها ,لكى ينهى انتظارها الموجع .
الدكتور : حسن عطية
ساحة النقاش