ربما يشترك أغلب الدراما المصرية الرمضانية هذا العام في ملمحين رئيسين, أولهما النقد المباشر لجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص ولتيار الإسلام السياسي بشكل عام. والثاني هو نوستالجيا الحنين للماضي, التي لازمت معظم المسلسلات.
المدهش أن هاتين السمتين تسيدتا صورة المسلسلات حتى تلك التي لا تمت أحداثها لتلك الحقبة بصلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر مسلسل "فرح ليلي" للنجمة ليلي علوي والمخرج خالد الحجر, رغم أن أحداثه تدور في الاطار الرومانسي, إلا أننا نلمح جملاُ متفرقة هنا وهناك تناهض الإخوان, وتتحدث عن الانفلات الأمني الذي بليت مصر به أثناء فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
ليس هذا وحده بل إن المسلسل الذي تدور أحداثه في الزمن الراهن إلا أن المخرج اعتمد أجواء تصوير وزوايا كاميرا وديكور, توحي بأننا أمام أشخاص مازالوا يعيشون بقيم الزمن في نمط علاقتهم ببعضهم بعضاُ, الأمر نفسه في مسلسل آخر مثل "آسيا" للنجمة منى زكي والموهوب باسم سمرة. فرغم أنه يبدو وكأنه لا علاقة له بالواقع الراهن الذي تعيشه مصر. بداية من الأحداث التي تدور في إحدى المدن الساحلية الجديدة, وتتركز حول تجارة الآثار وعالم الملاهي الليلية, إلا أننا نستمع لجمل بين شخوص المسلسل تتطرق للواقع السياسي الذي تحياه مصر.
أما مسلسل الداعية فقد كان أكثر مباشرة ووضوحا في التعرض للوقاع الحاضر في المجتمع المصري. بل إن المسلسل الذي كتبه السيناريست مدحت العدل تفرغ منذ المشهد الأول لانتقاد تيار الإسلامي السياسي, بل وإدانته أيضاً. ورغم السطحية التي يعالج بها المسلسل قضية الفاشية الدينية في مصر إلا أن الجرأة الشديدة التي تناول بها أداء الأحزاب الدينية, تدفعنا للتساؤل ول أمكانية استمرار عرض المسلسل لو بقى محمد مرسي رئيساً لمصر.
هذا العام نلمح لقطة أخرى معنية بها دراما رمضان التي كتبها شباب وأخرجها شباب ويقوم ببطولتها نجوم شباب أيضاً. وهي محاولة تقديم تفسير تاريخي لواقع اللحظة, الذي نعيشه اليوم. يبدو هذا جلياً في كل من "نيران صديقة", و"بدون ذكر أسماء", و "موجة حارة", و"بنت أسمها ذات". والأخيران تحديداً للسيناريست "مريم نعوم" مع اختلاف المخرجين فالأول لمحمد ياسين, والثاني لكاملة أبو ذكري, وكلاهما مأخوذ عن رواية أدبية حققت رواجاً ضخماً من قبل, فموجة حارة, مأخوذ عن رواية الراحل أسامة أنور عكاشة "منخفض الهند الموسمي" , و"بنت اسمها ذات" مأخوذ عن رواية "ذات" للكاتب صنع الله إبراهيم.
الفارق بين العملين ضخم بضخامة الزمن الذي يفصل بين زمن الروايتين الأولى والثانية "فمنخفض الهند الموسمي" كانت تدور حول مستنقع الوحل الذي باتت مصر تسبح فيه مع بدايات الألفية الثالثة. بينما "ذات" تدور حول بدايات تكون برك الوحل التي كادت مصر أن تغرق فيها ومازالت تسعى حتى يومنا هذا للنجاة. إلا نني اعتقد أنه ستأتي لحظة وتتلاقى زمنهما, خصوصا وأن كلاً من محمد ياسين (موجة حارة) وكاملة أبو ذكري (بنت اسمها ذات) قد غيروا في أزمنة وتواريخ العملين الأدبيين بما يتلاءم وإسقاطات بعينها أرادا تسليط الضوء عليها.
فبداية من الحلقة الثامنة لمسلسل "ذات" بدأت تلميحا ضيقاً ضاغطاً على أجواء شخوص العمل وبطلته "ذات" عوضاً عن الرحابة التي صاحبت الحلقات الأولى من المسلسل وكأن فداحة الواقع المصري التي بدأت في التجلي عقب زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للكنيست وما تبعها من تحولات جذرية في الشخصية المصرية, بدأت في الظهور. هذا الضيق الضاغط كان هو سمة مسلسل "موجة حارة" التي بدأ بها المشهد الأول في العمل, فمنذ اللحظة الأولى تشعر بوطأة الواقع من حولك, وكذا بحرارة الجو المؤلمة لكل أبطال العمل, دون جملة حوار واحدة تدلل عليها. إنها زوايا محمد ياسين في التصوير والإضاءة المركبة, التي اختارها لتصاحب مشاهد مسلسله, ليضع المشاهد في مناخ العمل دون مباشرة التصريح.
تبدو سمة عامة يتشارك فيها جميع المصريين وهي نوستالجيا الحنين للماضي, وكأننا جميعاً لم نعد نثق في حاضرنا أو في غدنا. هذا ما جعل مسلسل "ذات" يبدو بها البهجة في حلقاته الأولى, غير أن الحنين للأمس الرحب ليس هو السبب الوحيد لبهاء العمل بل يشاركه الحي الأنثوي المرهف, الذي صاغت به مريم نعوم معالجتها للرواية وأبرزته تفاصيل كاملة ابو ذكري الإخراجية, حتى أكاد أجزم أن المسلسل أضاف لرواية الأديب الكبير صنع الله إبراهيم كثيراً. ورغم خفوض هذا الحس في مسلسل موجة حارة نظراً لطبيعة النص الأدبي والشخصيات المحورية فيه, إلا أنه يظهر من حين لآخر عندما تبدأ الشخصيات النسائية في الحديث. مشاهد معالي زايد مثال متكرر على ذلك ومشد مواساة عايدة عبد العزيز لإبنها دليل آخر. والنجمتان تقدمان يومياً دروساً بليغة في كيفية الأداء التمثيلي, ينافسهما على تقديمها إياد نصار بقدرته المرعبة على تجسيد أدق المشاعر الدفينة بعضلات وجهه. وفي "ذات" تؤكد نيللي كريم موهبتها, التي همشتها السينما من قبل ويضيف باسم سمرة لتاريخه أنه قادر على تقديم أية شخصية قد تخطر على البال, أما انتصار في دور أم البطلة في "ذات" فهي تدهشك بتلقائيتها في الأداء, فيعلو صوتها إنها ممثلة عن حق وليست مجرد "سنّيدة" للأبطال.
مسلسل "بدون ذكر أسماء" للسيناريست الكبير وحيد حامد, قرر أن يرصد بدايات توغل الجماعات الدينية المتطرفة في المجتمع المصري, منذ منتصف الثمانينيات, وكيف تحالفت هذه القوى مع الفساد الذي بدأ في التوحش, والنخر في نسيج المجتمع وتغيير منظومته القيمية في كل المجالات, وبما فيها الصحافة والإعلام. غير أن للمسلسل ميزة أخرى وهي إتاحة الباب أما أسماء جديدة للظهور على الساحة الفنية المصرية, كما هو الحال مع مخرج العمل الشاب تامر محسن, وكذا إعادة اكتشاف موهبة أحمد الفيشاوي التمثيلية, التي سبق وأهدرت في أعمال دون المستوى.
ميزة أخرى اشتركت فيها جميع الأعمال الدرامية المصرية هذا العام, وهي الصورة التليفزيونية عالية الجودة, ربما ساهم في هذا تطور تقنيات تصوير الفيديو, لكن هذا لا ينفي أبداً قدرة الأجيال الجديدة من الفنانين في مصر, على تطوير قدراتهم بشكل ملحوظ عاماً بعد عام.
بقلم/ سعيد شعيب
المصدر/ مجلة دبي الثقافية
العدد/ 100 – بتاريخ سبتمبر 2013م.
ساحة النقاش