رغم أنهم يغنّون ويحكون ويعزفون منذ أكثر من ست سنوات إلا أن شهرة فريق "لايك جيلى/ فتيان الجيلى" تضاعفت مؤخراً بعد ظهور أعضائه في إحدى حلقات "البرنامج" مع باسم يوسف. السبب أن "فتيان الجيلى"، بخلاف الكثير من الفرق الشابة التي ظهرت أخيرا مقلّ في تسجيلاته وأعماله على الانترنت حيث يفضل الاعتماد بشكل أساسي على الحفلات والجلسات الغنائية الحيّة.

الشهرة لا تأتي دائماً بما هو ايجابي إذ جاءت هنا مصحوبة بالكثير من الهجوم على الفريق. السبب في رأي البعض يعود إلى "إهانتهم للثورة"، وذلك بسبب مقطع في إحدى أغانيهم يقولون فيه "شارع حمادة محمود بدلاً من "شارع محمد محمود وهو الشارع الذي شهد الكثير من المعارك بين الثوار ووزارة الداخلية. الانتقادات الموجهة لفتيان الجيلى وصلت حدّ اتهامهم بالخنوثة وبالفلولية في أحيان أخرى.

المسألة أن الحدث المعرّف باسم "الثورة"، كسر الكثير من الخطوط الحمراء وحطّم بعض البقرات المقدسة، وأنتج في الوقت ذاته، بقرات الثورة المقدسة. وهذه مجموعة من الصور والشعارات العاطفية المفرّغة من أي معني أو الحاملة لمعانٍ يسهل التلاعب بها، يرفعها الجميع إلى منزلة القداسة والتبرّك. بقرات الثورة حوّلتها جميع الأطراف إلى شيء مقدّس بما فيها السلطة الحاكمة ألآن ذلك لأنها بقرات تنتمي إلى الماضي وتقديسها يحوّل الثورة من فعل يقوم على تغيير الحاضر جذرياً من أجل مستقبل أكثر انفتاحاً، إلى فعل نوستالجيا يقدّس الماضى وصور الشهداء وكل ما ارتبط بلحظة الفعل الجماهيري التي خلّدتها شاشات التلفزيون.

بقرات الثورة المقدسة تأتي على هيئة عدد من الصور شارع محمد محمود، الغرافيتي، حق الشهيد... ويتحالف الجميع من أجل اختزال الثورة واختصارها بتلك البقرات. والبعض يتذكر كيف، منذ عدة أشهر قامت بلدية القاهرة بمسح عدد من لوحات الغرافيتي في شارع محمد محمود وسارع بعد ذلك وزير الشباب والرياضة الإخواني بالدعوة إلى ما وصفه بـ"مهرجان الغرافيتى الهادف لتشجيع الشباب على رسم الغرافيتي، تعبيراً عن ثورية السيد الوزير.

تستخدم السلطة بقرات الثورة المقدّسة للتلاعب وتشتيت الانتباه على طريقة "بصّ العصفورة". فمثلاً واحدة من أكثر العبارات تكراراً وأفخم بقرات الثورة المقدسة هي عبارة "حق ألشهيد حيث تحوّل النضال منذ تنحّي مبارك وحتى الآن إلى نضال من أجل حقّ الشهيد ومصابي الثورة.

وحقّ الشهيد لا يعني بالطبع هيكلة الداخلية وتطهير النظام القضائي وإقامة دولة أساسها المحاسبة والعدالة من أجل ضمان عدم تكرار ما حدث وهو ما استشهد من أجله الشهيد بالمناسبة، بل تحول أحياناً إلى ملاليم تلقيها السلطة أو الأغنياء المتعاطفون مع الثورة على موائد عائلات الشهداء والمصابين الفقيرة. أحياناً أخرى يصبح "حق الشهيد" مجرد رغبة ثأرية مجنونة يدفعها خطاب عاطفي متلاعب.

على سبيل المثال في حادثة استاد بورسعيد ساهمت بعض المجموعات محدودة الأفق داخل الألتراس في تحويل نضال الألتراس الطويل من طموح لتحرير الرياضة والكرة المصرية من سيطرة الأمن واستبداد فرق القوات المسلحة والشرطة التي تشارك في الدوري وتحتكر أحياناً اللاعبين بحجة أدائهم للخدمة العسكرية، إلى صراعات بين الروابط المختلفة. وتحوّلت حادثة بورسعيد من طموح لمحاكمة أجهزة الشرطة على جرائمها وعنفها المتواصل منذ العام 2007 ضد روابط الألتراس، إلى الثأر من مشجّعي نادي بورسعيد فقط، وأيّ طرح آخر يصبح تخلياً عن دم الشهيد وحقّه.

ربما يعمل النقاش الذي نتج عن سخرية "فتيان الجيلي" في حكايتهم الغنائية "الدودة" على إعادة النظر في معنى كل تلك العبارات والصور المقدسة عن الثورة وفي إعادة النظر في استخدامها أحياناً للتضليل وتشتيت الثورة نفسها بحجة المحافظة عليها، كما يفعل الرئيس مرسي في معظم قراراته الاستبدادية التي يتم الترويج لها.

 

بقلم/ احمد ناجى

المصدر / جريدة المدن اللبنانية

الاثنين 22 ابريل2013

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,267,850