بعد رحلة عطاء ثرية بدأت من خمسينيات القرن الماضي في مجالات الإذاعة والمسرح والسينما والتليفزيون رحل عن عالمنا فجر يوم الأحد الموافق 27 من نوفمبر الفنان القدير محمود عزمي، والذي يعد رمزا رائعا من رموز زمن الفن الجميل، فهو فنان حقيقي احترم موهبته الفنية فصقلها بالدراسة والخبرة، ورفض العمل بأفلام المقاولات أو المسرحيات التلفزيونية المعلبة، ولذا يصعب أن نرصد مشاركته في أي عمل فني يمكن إدراجه وتصنيفه تحت مسمي الأعمال الهابطة أو العروض التجارية، ويحسب له إجادته للغة العربية الفصحي، وأيضا تميزه في أداء شخصية ضابط الشرط ووكيل النيابة المحقق وأيضا الشخصيات التاريخية، وقد عرف عنه احترامه لجميع الزملاء وتشجيعه للمواهب الشابة، وحرصه علي الالتزام الفعلي بجميع مواعيد العمل، وكذلك علي تحقيق الالتزام الفني الشديد بتنفيذ جميع توجيهات المخرج بمنتهي الدقة وعدم الخروج علي النص.
اسمه بالكامل: محمود عزمي فرج عثمان عطية، وهو من مواليد عام 1925 بمدينة "بني مزار" بمحافظة "المنيا"، تخرج في الدفعة الثالثة بالمعهد العالي للتمثيل عام 1949 وكان أول دفعته، ومن زملاء التخرج كل من الفنانين: عبد المنعم إبراهيم، صلاح سرحان، عبد المنعم مدبولي، أحمد الجزيري، ناهد سمير، عدلي كاسب، وقد تزوج الفنان محمود عزمي من الفنانة القديرة عايدة كامل، وأنجبا ابنهما الوحيد الدكتور هشام عزمي الأستاذة بكلية الآداب جامعة القاهرة.
وخلال مسيرته الفنية شارك هذا الفنان الكبير في بطولة ما يقرب من ثلاثين مسرحية وعشرين فيلما وخمسة وعشرين عملا تلفزيونيا وعشرات السهرات والمسلسلات الإذاعية، والحقيقة التي يجب تسجيلها في البداية هي أنه بالرغم من تلك المشاركات المتعددة بمختلف القنوات الفنية إلا أن هذا العدد لا يتناسب أبدا مع حجم موهبته وخبراته ومسيرته الفنية الممتدة لما يقرب من نصف قرن من الزمان، وذلك لسببين أولهما اعتزاله للفن مبكرا وبالتحديد منذ نهاية التسعينيات، أما ثانيهما فهو اعتزازه بنفسه وبموهبته ورفضه البحث عن فرص المشاركات الفنية وبعده عن الشللية والسهرات الفنية، حيث كان يؤمن – رحمه الله – أن الموهبة الحقيقية والجودة والكفاءة والخبرات الفنية هي وحدها العناصر الأساسية الجديرة بترشيح الفنان، وأن علي المخرج وجهات الإنتاج البحث عن الأفضل والأنسب لكل دور بعيدا عن المجاملات أو المصالح المشتركة.
وقد بدأ حياته الاحترافية بالالتحاق بفرقة "المسرح الحديث" التي قام بتكوينها الفنان الرائد زكي طليمات عام 1950 من نخبة متميزة من خريجي الدفعات الأولي للمعهد العالي للتمثيل، حيث ضمت الفرقة كل من سميحة أيوب، سناء جميل، محمد السبع، عبد المنعم إبراهيم، صلاح سرحان، ملك الجمل، عبد الغني قمر، نور الدمرداش، أحمد الجزيري، فاخر فاخر، عدلي كاسب وآخرين، واشترك في بطولة عدد كبير من عروض الفرقة ومن بينها: ابن جلا، البخيل1950  المتحذلقات، مريض الوهم، في خدمة الملكة، في إحدي الضواحي، حورية من المريخ 1951  قصة مدينتين، أصحاب العقول، بنت الجيران، نزاهة حكم 1952  كفاح شعب، المزيفون 1953  وهي الفرقة التي أصبحت بعد ذلك "الفرقة المصرية الحديثة" (المسرح القومي حاليا)، وقد شارك من خلالها في بطولة كثير من المسرحيات من أهمها: إشاعة هانم، الأيدي الناعمة 1954  قلب كبير، سكان العمارة، دماء في الصعيد1955  الخطاب المفقود، ابن عز، جمهورية فرحات 1956  البخيل 1961  سكة السلامة، سليمان الحلبي (دور القائد الفرنسي كليبر) 1965  بلاد بره 1968  وطني عكا 1969  وكانت آخر مشاركاته المسرحية بفرقة "المسرح الحديث" بمسرحية العمر لحظة والتي مثل فيها شخصية الصحفي الكبير زوج القديرة سميحة أيوب، ومن أهم أدواره المسرحية بخلاف هذا الدور شخصية السائق بمسرحية سكة السلامة، ودور القائد الفرنسي كليبر بمسرحية سليمان الحلبي، ومن خلال هذه الأعمال شارك مع عدد كبير من المخرجين وفي مقدمتهم كل من الأساتذة زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، عبد الرحيم الزرقاني، نبيل الألفي، حمدي غيث، كرم مطاوع، محمود السباع، أحمد عبد الحليم.
والجدير بالذكر أن للفنان محمود عزمي بعض التجارب الفنية في مجال الإخراج أيضا حيث أخرج لفرقة "المسرح القومي" مسرحية "زيارة ممنوعة" عام 1972  ولفرقة "المسرح الحديث" مسرحيتي "ست البنات" عام 1974  و"مصيدة للإيجار" عام 1974.
هذا وقد تحمل أيضا بجانب أعماله الفنية مسئولية بعض المناصب القيادية، حيث عين مشرفا فنيا لفرقة "المسرح الكوميدي" عام 1972  ومديرا لفرقة "المسرح الحديث" خلال الفترة 1975 – 1979 كما شارك في عدد من لجان التحكيم وخاصة في مجال مسابقات المسرح العمالي (مسابقة اتحاد الشركات).


أهم الأعمال السينمائية:

 شارك الفنان القدير محمود عزمي بأداء بعض الأدوار الرئيسة فيما يقرب من عشرين فيلما، وذلك منذ بدايته السينمائية عام 1949 بفيلم "الليل لنا" ومن أهم الأفلام التي شارك فيها: ماتقولش لحد، هذا هو الحب، بين السماء والأرض، الأخ الكبير، إني راحلة، آثار علي الرمال، قلب يحترق، شاطئ الأسرار، أخطر رجل في العالم، وكانت آخر مشاركاته السينمائية فيلم مطاردة غرامية عام 1969. وقد تعاون من خلال هذه الأفلام مع نخبة متميزة من كبار المخرجين في مقدمتهم كل من المبدعين صلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، نيازي مصطفي، كمال الشيخ، عاطف سالم، أحمد كامل مرسي، فطين عبد الوهاب، جمال مدكور.

 

 

 

  


أهم الأعمال التلفزيونية:

 شارك الفنان الكبير محمود عزمي في بطولة عدد كبير من التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية ومن بينها: هارب من الأيام، جريمة الموسم، العودة، علبة من الصفيح الصدئ، الأمير المجهول، قافلة النور، أبو حنيفة النعمان، وكانت آخر أعماله التلفزيونية مسلسل "هارون الرشيد" في نهاية التسعينيات مع المخرج أحمد توفيق.


أهم الأعمال الإذاعية:

عمل الفنان محمود عزمي مع عدد كبير من المخرجين الإذاعيين المتميزين ومن بينهم علي سبيل المثال كل من الأساتذة عبد الحميد الحديدي ، ويوسف الحطاب، وأنور المشري، ومحمد محمود شعبان، ومن خلال مسيرته الفنية وعشقه لميكروفون الإذاعة ساهم في بطولة كثير من السهرات والمسلسلات الإذاعية ولكن تبقي بصمته الإذاعية المؤكدة بمشاركته في حلقات المسلسل الكبير "عائلة مرزوق أفندي".

 


وللأسف فبالرغم من هذه المسيرة الثرية والرائعة لهذا الفنان القدير إلا أنه لم يحظ بما يستحق من تكريم، وإن كان قد حظي منذ البداية بإعجاب واحترام وتقدير الجمهور، كما حاز علي كثير من الجوائز من "مهرجان الإذاعة والتليفزيون"، ومن بينها: جائزة أحسن ممثل أعوام 1967:  1968 1969  عن أعماله التليفزيونية "قافلة النور"، "العودة"، "علبة من الصفيح الصدئ"، وذلك بالإضافة إلي بعض الجوائز عن أعماله الإذاعية الأخري، كذلك نال بعض مظاهر التكريم بالمسرح ومن أهمها حصوله علي درع "المسرح القومي" عن مجمل أعماله المسرحية، و"درع المسرح العربي" من خلال تكريمه عام 2004  بالدورة الثالثة لمهرجان "المسرح العربي بالقاهرة" الذي تنظمه سنويا "الجمعية المصرية لهواة المسرح"، كما تم تكريمه أيضا عام 2008  بالدورة العشرين لمهرجان "القاهرة الدولي للمسرح التجريبي".


واليوم ونحن نودع كمسرحيين بمصر وجميع الدول العربية فنانا كبيرا نبيلا ورمزا من رموز الالتزام الفني، وفارسا محترما يصعب أن نلتقي مثله في زمننا هذا ندعو الله أن يرحمه برحمته الواسعة ويدخله فسيح جناته جزاء وفائه الدائم لفنه ووطنه، وحرصه الشديد علي تقديم الأرفع والأرقي بجميع المجالات الفنية

 

 

المصدر/ جريدة مسرحنا

16بتاريخ/  يناير 2012

بقلم/ د. عمرو دوارة

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,205,229