وكأن أعواما ستة لم تنقضي أيامها تغير وجه الحياة / الناس. وأصبح من حق الكل أن يحلم بواقع أفضل، لا تنتهك فيه حتى الحياة نفسها لصالح الفساد.
وكأن أرواحهم كانت تحلق فى الطريق الذى طالما اعتادته أقدامهم متوجهين إلى "السامر" أو عائدين منه، حاملين عشقهم للمسرح، وأحلامهم بأعمال أجمل، لا يملون المناقشة حول عرض شاهدوه أو نص انتهى أحدهم من قراءته.
كانت أرواح شهداء أبشع حادث في تاريخ المسرح المصري، تعرف طريقها جيداً إلى السامر الذى يحتضن للمرة الأولى وبعد مرور ست سنوات على الكارثة، احتفالية خاصة بضحايا ومصابى "محرقة" بنى سويف، الذين لازال "عطر" وجودهم يملأ الساحة، وكأنهم لم يفارقوها.
الجميع كان على موعد مع إحياء "مختلف" للذكرى التى لم ينسى المسرحيون ألمها، خصوصاً مسرحيو الأقاليم الذين طالما أعطى الراحلون لهم من وقتهم وثقافتهم وإبداعهم.
د. عماد أبو غازى يعلن 5 سبتمبر يوماً للمسرح المصري ويستجيب لكافة مطالب المسرحيين!
الاحتفالية التي شارك فيها – للمرة الأولى وزير ثقافة مصر د. عماد أبو غازى بدأت حوالى التاسعة مساء، وسط حشد كبير من فناني ومبدعي مسرح الثقافة الجماهيرية الذين حرصوا على التواجد فى هذه المناسبة.
تحدث أولاً المخرج ناصر عبد المنعم الذى ألقى بيان "المسرحيون المصريون" .. والذى جاء فيه:
لم تكن محرقة قصر ثقافة بنى سويف فى الخامس من سبتمبر عام 2005، والتي أودت بحياة خمسين من خيرة رجال وشباب المسرح في مصر، أولى الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب المصري والثقافة المصرية، وإن كانت الذروة في مسيرة نظام بدد إمكانات مصر ومنها بطبيعة الحال الإمكانات الثقافية عبر عقود من الفساد والإهمال وغياب الاستراتيجية الثقافية والتخطيط العلمى وعدم تأسيس البنى التحتية للمنشآت الثقافية على اسس سليمة، وانعدام الرعاية الحقيقية للمبدعين والإبداع لصالح ثقافة الاستعراض والبروباجندا التى افرزت عدداً كبيراً من المهرجانات والكرنفالات السنوية كانت تكفى ميزانياتها فى عام واحد لتطوير وتأمين المسارح وقاعات العرض.
وفى اليوم الذى تحل فيه الذكرى السادسة لهذه الكارثة تبدل الحال وانتصرت إرادة التغيير وأسقطت ثورة الخامس والعشرين من يناير النظام الذى أفسد الحياة فى مصر، فى هذا اليوم يعلن المسرحيون المصريون إصرارهم وتمسكهم بالمطالب التالية:
أولاً: إعتبار ضحايا هذه الكارثة شهداء وتسرى على أسمائهم وذويهم كافة المزايا والحقوق المترتبة على ذلك.
ثانياً: إعادة فتح ملفات الكارثة فى شقها القانونى، لأن نظام مبارك الذى كرس هيمنة ثقافة اللامسئولية فى اجهزة الحكم، وغيب قواعد وآليات المحاسبة، وأضعف الأجهزة الرقابية، وسيد حالة من عدم احترام أحكام القضاة، عمد إلى عدم محاسبة من ينبغى أن يحاسب فى هذه الكارثة.
ثالثا: استكمال علاج مصابى المحرقة حيث أنه حتى الآن، ورغم مرور ست سنوات، مازالت هناك حالات عديدة لم تتلقى الرعاية الطبية اللائقة ولم يتم استكمال علاجها.
رابعاً: اعتبار الخامس من سبتمبر يوماً للمسرح المصرى.
خامساً: إطلاق أسماء شهداء المسرح المصرى على دور وقاعات العرض التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة.
سادساً: اتخاذ الإجراءات اللازمة لافتتاح المسارح والقاعات المسرحية وإتاحة تنقلها فى أقاليم مصر المختلفة.
سابعاً: سرعة تجهيز مسرح السامر بشكل معمارى وتقنى لائق وافتتاحه ليعود لأداء دوره المنشود فى الحركة المسرحية.
ثامنا: إعادة النظر فى ميزانية العروض المسرحية واللوائح بما يتناسب مع التغيرات الاقتصادية ومتطلبات الحياة.
تاسعاً: وضع خطة شاملة للنهوض بمسرح الاقاليم على المستويات الفنية والتقنية وعلى مستوى دور وقاعات العرض المسرحية.
ولشهداء المسرح المصرى نقول:
"لن ننساكم فأنتم من حلمتم بالحرية والحداثة والعدالة لمصر.." ولم تمض سنوات حتى تفجر الغضب الذى وضع الوطن على بداية طريق حلم وضعتم أنتم بذوره ..".
"وعاشت مصر وطناً للحرية والكرام والعدالة الاجتماعية".
تحدث تالياً الناقد احمد عبد الرازق ابو العلا مدير عام ادارة المسرح بهيئة قصور الثقافة، والذى تذكر بإعزاز وتقدير بالغين "الأحباب" الذين رحلوا، تاركين فى القلب غصة، وفى العين دمعة.
ورحب أبو العلا بأسر الشهداء الذين حرصوا على حضور الاحتفالية وكذا المصابين، فى "السامر" الذى وصفه بأنه معقل المسرح الحقيقى فى مصر، والمكان الذى شهد أحلام وطموحات أجيال عديدة من مبدعى وصناع المسرح المصرى، وفى مقدمتهم الراحلين الذين منحوا الكثير والكثير ولم يبخلوا حتى بأرواحهم.
وأشار أبو العلا إلى أن إدارة المسرح لن تتوانى فى العمل الجاد من اجل حصول أسر الشهداء على كامل حقوقهم، وكذا استكمال علاج المصابين، كما ستعمل الإدارة على تحسين الأوضاع التى يعمل فيها فنانو الأقاليم.
وفى الكلمة التى ألقتها "تيسير سمك" الناقد الراحل نزار سمك نيابة عن أسر الشهداء اعتبرت أنت المآساة التى تعرض لها شقيقها ومعه مجموعة من رجال المسرح المصرى، جزء من مآسى عديدة أودت بحياة آلاف المصريين فى العبارات المنكوبة والقطارات المتهالكة، وقوارب الهجرة غير الشرعية كنتيجة طبيعية لمنظومة الفساد التى كانت تحكم وتدير البلاد.
وأضافت : يشاء القدر أن نجتمع هنا الليلة لنحتفى بالأحباب بينما تتم محاكمة "القاتل" الذى لم يتوقف يوماً عن سفك دماء المصريين بمختلف الطرق.
وأشادت تيسير بموقف الدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين السابق والذى منح الكثير من الوقت والجهد، من أجل قضية ضحايا سويف، ولازال – بحسب تيسير – حتى هذه اللحظة موجودا الى جوار أسر الشهداء والمصابين، لا يدخر جهداً لدعمهم، وإيصال صوتهم إلى الجهات المختلفة.
الفنانة مها عفت مقررة لجنة أهالى شهداء ومصابى بنى سويف حرصت على توجيه التحية لــ" الكتيبة القانونية" التى تطوعت لمساندة أهالى الشهداء، والمصابين، ودعمهم قانونياً فى مواجهة الكارثة التى تسبب فيها الفساد والإهمال الذى كان السمة الرئيسية للنظام البائد وهذه الكتيبة التى كان يرأسها الراحل النبيل :أحمد نبيب الهلالى" ضمت الراحل عبد المحسن سيد شاشة، والاساتذة أحمد سيف الاسلام، السيد فتحى السيد، حمدى الاسيوطى، سعيد عارف والاستاذة صفاء زكى مراد.
وتحدث الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة الذى اعلن عن تخصيص قاعتين مسرحيتين بالقاهرة، يتم إطلاق اسماء الشهداء عليهما، بينما اسماء الراحلين من المحافظات المختلفة على مسارح وقاعات فى محافظاتهم.
سعد عبد الرحمن يطلق أسماء الراحلين على قاعات مسرح الثقافة الجماهيرية وملف المصابين فى عهد أشرف عبد الغفور!!
واعتبر سعد عبد الرحمن نفسه جزءاً من المأساة، قائلاً أنه لازال يعيش تفاصيلها، لأن من رحلوا كانوا جزءاً من ذاته، رفقاء مسيرة تقاسموا الهم والحلم، ورحل جزء منه عندما رحلوا، ولن يعود ابدا.
وفى كلمته أشار النجم أشرف عبد الغفور نقيب الممثلين إلى حالة "إهدار" قيمة الإنسان المصرى عموماً، قبل 25 يناير، واعتبر أن المهمة الحقيقية والتحدى الأهم الذى كان علينا أن نواجهه فى الفترة المقبلة هو استعادة كرامة وقيمة الإنسان المصرى، وبالنسبة له كنقيب للممثلين ، يضع نصب عينيه الاهتمام برفع قيمة الفنان المصرى سواء فى مسرح الأقاليم أو فى موقع آخر، وأشار إلى أن النقابة ستأخذ على عاتقها ملف "المصابين" الذين لم يستكمل بعضهم علاجه حتى الان، وستتصل بالجهات المسئولة خصوصاً وزارة الصحة، وذكر أنه سيتواصل بشكل شخصى مع وزير الصحة من اجل توفير الرعاية الصحية اللازمة واللائقة لهم.
وتحدث تالياً: د. عما أبو غازى الذى أشار فى البداية إلى أنه يحضر ويشارك فى الاحتفالية لا بوصفه وزيراً بل بصفته مثقف مصرى فقد ستة من أصدقائه فى الكارثة، وكشف عن أنه شارك الراحل "نزار سمك" زنزانة واحدة عندما اعتقلهما السادات فى حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة.
واعلن ابو غازى عن استجابة وزارة الثقافة لكافة مطالب المسرحيين التى جاءت فى بيانهم، كما اعلن د. عماد ابو غازى تخصيص يوم 5 سبتمبر ليكون "يوم المسرح المصرى" الذى تحتفى به الوزارة والمسرحيون كل عام...
وفى ختام الاحتفالية تم تلاوة بيان أطلقه مجلس إدارة مشروع دعم الفرق المسرحية المستقلة، والذى نظم أفراده وقفه احتجاجية صباح اليوم نفسه امام مقر المجلس الأعلى للثقافة وجاء فيه: لم تتوقف كارثة حريق مسرح قصر ثقافة بنى سويف فى (5 سبتمبر 2005) عند يوم الحريق، ولكنها امتدت فى شكل تعاطى الدولة وتعاملها مع الكارثة فيما بعد، عبر أجهزتها المختلفة التى أثبتت أنها لم تكن مؤهلة للتعامل مع الازمات، ولم تكن قادرة على إنقاذ أرواح المصريين، ثم لم تكن قابلة لإعطاء الحقوق لأهالى الضحايا (شهداء ومصابين) كما اثبتت أنها لم تكن راغبة فى القصاص لدمائهم الغالية.
فى الذكرى السادسة لحريق مسرح قصر ثقافة بنى سويف، نتذكر جميعاً نفس الأداءات المريضة للنظام المصرى قبل 25 يناير وحتى هذه اللحظة، وتعلو أصوات ضحايانا فى عبارة السلام وقطار الصعيد وطائرة مصر للطيران ومسرح بنى سويف وصولاً لشهداء ثورة 25 يناير يطالبون الدولة المصرية ما بعد الثورة، بالقصاص العادل، وحتى لا يتكرر مسلسل قتل وإهدار أرواح المصريين، احموا الغد بتطهير الماضى كالتالى:
1- إعادة فتح ملفات هذه القضايا.
2- معاملة ضحايا هذه الحوادث كشهداء واستكمال علاج المصابين.
المصدر/ جريدة مسرحنا
العدد/217 – بتاريخ 12-9-2011
بقلم/ على رزق
ساحة النقاش