كان لدولة سوريا حضورا قويا فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى فى دورته الثانية والعشرين، وذلك من خلال العرض المسرحى ( فوتوكوبي)، حيث يناقش العرض التكرار الممل والتشابه المخيف اللذان يتغلغلا في كل ثانية من حياة الشخصيتان شخصية "مروان" الذي يقوم بأدائه ماهر صليبي وشخصية "ليلي" التى تقوم بأدائها يارا صبري فحياتهما الوظيفية مملة، حيث يعملان كموظفين في إحدى المطابع الخاصة، ولكل منهما أحلامه وطموحاته، ولكن هذه الأحلام تبقى أسيرة الكلام والحبر الشفاهي.. أحلام ترسم بعض فرح مؤجل والزمن العربي الذي تعيش الشخصيتان فيه يبدأ بعد هزيمة 1967 ويمضي نحو الأمام ليصل الى الحرب الأهلية في لبنان..
وكان المذياع وسيلة التعبير عن هذا الزمن.. ليلى ومروان يعملان، يكرران العمل ذاته ويتحول الاغتراب عن أدوات العمل الى حالة مخيفة من الملل وتصير العلاقة مع الزمن سلبية، احساسان متناقضان الأول بطء تقدم الزمن، الثاني سرعة تقدم الزمن، وبينهما تمضي حياة ليلى ومروان نحو الموت المغلف بانتظار تحقيق الأحلام، ضج الحوار الظريف بين ليلى ومروان بالكوميديا وانشغل الاثنان بالتعبير عن أقصى حالات اللحظة المسرحية فكان الجسد معيناً للحوار فتعاون الاثنان لإبراز الضحكة الكامنة في الموقف وطبعاً هي الكوميديا السوداء النابعة من حياتنا حيث يتضافر الألم والبكاء لإنتاج حياتنا..
لم يكن مفاجأ حين وصل الحوار بين الشخصيتين الى حالات برز فيها المطلب الكبير لهما «الحب» وهنا يتوقف الكلام ليصير التعبير برهة للتأمل والدهشة
فى هذا العرض ورغم الاعداد الجيد كان هناك أشياء وقضايا قيلت في العرض مواربة تضمنها العرض «خلسة» وتلك الأسئلة المزعجة التي تخيفنا مثل «لماذا نحن لسنا سعداء» كانت تأخذنا الى طعم الحياة الحقيقي وابتعادنا عن عيش تلك الحياة كما نشتهي، تضمن العرض هجاء رفيعاً للكثير من مظاهر حياتنا الاستهلاكية مثل أغاني (ليك الواوا).
أما شخصية المستخدم «أبو عبدو» التي أداها الممثل منصور نصر وهو يعبر الى المكتب ليقوم بأعماله الروتينية وهو ذاته الأخرس الذى قطع لسانه لأنه كشف سرقة مدير عام، هذه الشخصية تركت بصمتها على السياق العام للعرض وصمت أبي عبدو والخرس الذي يعاينه إشارة كبيرة لأولئك الشجعان الذين يتحدثون بصوت عال عن الفاسدين الكبار، وهذا الانسان الشجاع والبسيط يبحث أيضاً عن لحظة فرح، سعادة، وحين يجدها في أغنية لفهد بلان قادمة من المذياع يطلب منه إضعاف الصوت وإسكاته
كما كانت الممثلة "يارا صبرى" صاحبة بصمة جيدة إحساسها الفنى الذى ظهر عبر تلوينها للأداء الرائع الذي قامت به من خلال دور "ليلي"، وهذا ما كا أيضا من ماهر صليبي الذى لم يعوقه دوره كمخرج عن أن يجيد بإتقان فنى وحس درامى واعى دور "مروان".
,ورغم هذه الأجادة الا أن تكرار بعض المشاهد ربما جعل الملل يتسلل خلسة الى المتلقى فقد كان بإمكان المخرج الاستغناء عن العديد من المشاهد المكررة داخل العرض مثل تقليد مروان لليلى ذلك التقليد المتعلق بموقعها «رئيسة للقسم» مشهد ارتجاف الأطراف عند مروان بعد وصوله للشيخوخة حمل أكثر من تكرار.. ..
ولكن مع ذلك فكان العرض المسرحي السورى "فوتوكوبى" عرضا مسرحيا ينم عن الوعى الفنى، والمجهود الشاق من قبل فريق العمل، فكان هذا العمل رائعة سوريا تستحق التكريم والفوز بأحدى جوائز المهرجان خاصة جائزة أفضل ممثلة وجائزة الديكور والأخراج.
أحمد شعراوى
طالب المعهد العالى للنقد الفنى
ساحة النقاش