رحلت الكاتبة الناقدة المبدعة كنسمة الصباح ، الطيبة كأمهات الزمن الكريم ... رحلت واحدة من اهم نقاد المسرح المصري المعاصر ... الصامتة .... الصامدة .... الصابرة ... الامينة .. الحقيقية .. الحنون ..الرقيقة .. الهادئة .. الوطنية ... صاحبة المبادئ التي لا تتغير ... عاشقة المسرح ... المخلصة للقضية الفلسطينية بصدق .... الناقدة المناضلة في كتابتها .... الام الرءوم ... تلميذة الكاتب الصحفي مصطفي امين ... وزوجة الكاتب احمد بهجت ... ووالدة الابن البار الشاعر محمد بهجت والمخرج خالد بهجت ... صديقة العمر لنجوم دفعة 58 اول دفعة صحافة كلية الاداب سناء البيسي و صافيناز كاظم وزينب صادق وسامي متولي وبهيرة مختار ... والحاصلة علي درجة الدبلوم في العلوم السياسية .

ارتبطت مع القراء والمتخصصين بعالم المسرح منذ السبعينات في جريدة الاخبار بعنوان الساعة التاسعة بدأت حياتها العملية في قسم البحوث بأخبار اليوم .. سناء فتح الله الناقدة الصحفية الكبيرة كانت شديدة الاهتمام بكل ما له علاقة بالمسرح وفنونه وكانت دائما ترصد وتحلل القضايا المسرحية المختلفة وكانت شديدة الاهتمام بمسرح الهواة وكانت دائما مدافعة عن القضية الفلسطينية والمسجد الاقصي ومقاومة للسطو الصهيوني لكل ما هو عربي .

لم ألتق بالكاتبة الكبيرة سناء فتح الله ، لكني فجعت بموتها الذي يكمل سلسلة موت الكبار الذي يمنحك وجودهم الامن والامان والصبر علي مرارات كثيرة هنا وهناك كلما جاء نبأ برحيل قامة إنسانية وفكرية من هذا العالم اشعر بمدي قسوته الايام ومدي صعوبة القادم وحجم الفقدان امس واليوم والغد كنت في بولندا وعلمت بخبر وفاة الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله مصادفة ...  كنت ابحث عن ابني علي صفحات الفيس بوك وفجأة وقعت عيني علي قصيدة محمد بهجت وهو يرثي والدته ويرثي نفسه ويرثي ايضا كل من فقد امه توقفت كثيرا عند جملة : اخر حضن جميل .. اخر ايدين تسند وتشيل ... اخر دعاء في صلاة الفجر .. وانفجر الالم بداخلي علي امي وعلي كل الامهات الراحلات .

كتب الاستاذ هيكل للكاتب احمد بهجت معزيا : عزيزي احمد قلبي معك وقد عرفت ان سناء ودعت هذه الحياة وتركتنا فيها وذهبت ان الظروف لم تسعدني بلقاء هذه الزميلة والصديقة منذ سنوات طويلة لكنني مازلت اذكرها حين رأيتها لاول مرة شتبة حلوة قادمة إلي العمل في القسم الفني والثقافي في الاهرام مع زميلنا القديم كمال الملاخ ومع مجموعة الصفحة الاخيرة الفوارة بالحيوية والشباب في اهرام ذلك الزمان .

مازلت اتذكر يوم جئت إلي بأمانة الزمالة تقول لي إنك وقعت في حبها وان بينكما مشروع زواج تحقق بالفعل وكنت احد حضوره وتجدد بالخلف وكنت ضمن الشهود وانا اعرفك إنسانا وفنانا مرهف الحس رقيق المشاعر واستطيع ان اتفهم الكثير من عواطفك ومشاعرك واجد فيما اعرف دواعي كثيرة للتعاطف معك .

ولك ان تقبل مشاركة صديق يعرف قيمتك في لحظة حزن يعرف عمقها " محمد حسنين هيكل " .

وكتبت صافي ناز كاظم : عن صديقة عمرها " سناء فتح الله ... هي ايوب من عصرنا " ليس سهلا ان اتكلم عنها بصيغة فعل ماض انها سناء فتح الله المفعمة بالحيوية والنشاط والحماس والاقبال علي الحياة تزرع فيها وتسقي تبات الاخلاص والمحبة والصدق والامانة صديقتي في مشوار سنوات تعدت نصف القرن دراسة وعمل بحث عن افراح للوطن نختلف ونتفق ولا تهتز بيننا قيم الوفاء والشهامة والتراحم معا وقفت اقدامنا علي ارضية مشتركة ليست بها مساحة للتبرم من محن الزمن ومصائب الايام فشعارنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا شكوي ولا ندم فلا نأسف علي ما فاتنا بنعمة الحمد لله كثيرا حتي اخر مكالمة هاتفية معها قبل سبقها إلي لقائه سبحانه وحده لا شريك له ، كانت كلمات التسبيح بالشكر له وتحية السلام ولا إله إلا الله ، الندي المرطب لشفتيها والمعلق بلسانها فتغلبت علي محنة الابتلاء بالمرض وقهرت الآلام فكأنها وقد شربت كأس الرضي لم تمرض أبدا فطوبي لها صديقتي الوضيئة سناء فتح الله .

وكتبت نعم ألباز : بعنوان كتبت سناء فتح الله .... والعناد في حب الوطن كتبت سناء فتح الله ... خطت ونافست وأرسلت رسائلها الشديدة الصدق لترسي قواعد الحب بالمقدرة وليس كلمة جوفاء ... كتبت سناء فتح الله والعناد علي سن القلم .. تنسج قطعة من فن الكتابة للإقناع بوجهة نظرها .. توثق ما تكتب كل القضايا لتغسل وجه الوطن من الزيف الذي أصبح قاعدة الفساد الذي أصبح قاعدة ... قلم بمقدرة مغناطيسية علي التقاط القضايا وطرحها بمغناطيسية أخري لتجذب القارئ فينحاز معها للحق وتنقذه من بئر الفساد !!

كتبت سناء فتح الله : حتى ذاب الجسد في الكتابة .. لم تفقد لياقتها الذهنية وقدرتها علي إحقاق الحق حتي أخر لحظة كانت تطلب من الله في صلواتها أن يكون عقلها أخر مرحلة من مراحل الرحيل وقد كان لها ما طلبت .. سبحانه وتعالي بقدر ما كان الهلاك الصحي بقدر ما منحها نعمة النظرة الثاقبة والواعية لكل ما حولها لم يسقط سيفها لحظة عند الدفاع عن قضاياها !!!

كتبت سناء فتح الله : حياة كاملة ، شخوصا تعمل فيها بدأت التثقيف وطرح المعرفة .. كتبت مشهرة حكمها لكل القضايا التي تضعف الوطن !! كتبت سناء فتح الله من خلال جسد مفعم بالألم ولم يكن يعلم القراء أنها في هلاك صحي تعيشه منذ أعوام .... تقاتل بضراوة أكثر من علة لم تفقد ابتسامتها الطفولة المشرقة .

سألتني قارئة مرة عن سناء فتح الله الناقدة المسرحية التي كانت تلقاها دائما في العوض المسرحية ولماذا اختفت ؟ أقنعت القارئة بأنها مجرد هدنة وان سناء ربما تحضر عروضا في أوقات مخالفة واقتنعت القارئة بأن كتابة سناء وقراءتها للنصوص وعرضها لما تقرأ كان يغري القارئ بالمشاهدة أو يحرضه علي الرفض ... اختارت في يومياتها مبضع الجراح في قضايانا التي فاضت عن مساحة الأوراق كان أخر ما كتبت مقالها الذي غمست فيه القلم في دم القلب عن فلسطين !! ظلت فلسطين والخسة الإسرائيلية والتفاف العالم حول القاتل الإسرائيلي ظلت فلسطين في قلب سناء وعلي سن القلم .

كان العناد عند سناء فتح الله تأكيدا لصناعة الكتابة وتلقائية الأدب والالتزام بقارئ ينتظر المشورة ليقف معها في طابور المطحونين والضعفاء تقف بجانبهم لتقوي العزيمة دائما ، اختلفنا كثيرا وكان الاتفاق بعد الخلاف قوة ضاربة في قضايا أمنا بها منذ صبانا في الجامعة لم تكن الصداقة حرة طليقة بيننا بل كان النقاش والتصفية أولا بأول ونصل للنقاء حينما رشحني السياسي الكبير منصور حسن لرئاسة تحرير مجلة حوار عام 1980 أرسل استأذنا عبد الوارث الدسوقي سناء فتح الله لتقنعني ، فقلت لها : ولماذا لا تتقلدين أنت المنصب ؟ ضحكت ضحكتها الطفولة وقالت : أنا  زى السمكة وأخبار اليوم آلميه : مش ممكن أعيش براها !! طب ما أنا كمان كده ! ورفضت منطقي تماما وحكيت وقتها لوزير الإعلام السياسي منصور حسن عما قالته سناء فضحك وقال : والله منطق يمكن تصديقه ؟، واقنعتوها بنفس المنطق الذي صدرته لي سناء فتح الله .

يتعذب القلم حتى  لا اكتب " كانت فإن مقدرتها علي الوجود شديدة القوة ... اقتصرت علاقتنا علي التليفونات في السنوات الخمس الأخيرة .. إنا ليعطب في ركبتي وهي لمرضها ، فكنت انتظر سفرها إلي الساحل الشمالي وكان السفر قصة أخري يجري الاستعداد لها بدقة شديدة شهرا قبل السفر ... أصررت هذ1ا العام أن ألقاها هناك ... طلبتها الأربعاء لم ترد !! وكانت كثيرا لا ترد ، لكنها كانت تبادر وتطلبني فلم تطلب .. طلبتها الخميس فلم ترد !! ومساء الجمعة كان الخبر الزلزال رغم مرضها كانت قوية الحضور ... رغم المعاناة كانت الضحكة الطفلة المزغردة هي المقدمة للمكالمة والنهاية أيضا ... اكتب وكلما تذكرت أنها لم ترد أحث بخواء الحياة . محمد: عظم الله أجرك يا ابر الأبناء ولعلك ألان مثل الأم التي فقدت ابنها ، فقد تبادلتم المواقع حينما مرضت .. خالد ...عوضك الله خيرا يا من كنت تنتظر رأيها في كل ما تفعل . إما الزوج والأخ العزيز احمد بهجت فلا أقول سوي صبرا والله المستعان .. وكتبت سناء فتح الله بنفسها النهاية التي كانت تصلي من اجلها ، إن يبقى عقلها واعيا لأخر لحظة . وكتب الابن محمد بهجت : كنت محظوظا بالاقتراب الشديد من الناقدة المسرحية الكبيرة سناء فتح الله التي رحلت عن عالمنا قبل أيام لأنني كنت ابنها الأصغر الملتصق بها والمرافق لها دائما في حضور العروض المسرحية ومهرجانات المسرح الجامعي والمدرسي والمسر ح الحر ونشاط الهواة في مختلف الإقليم والحقيقة إنني أدين لها بكل ما اعرفه عن عالم المسرح ، فقد علمتني منذ صغري آداب مشاهدة العروض المسرحية وكيفية تذوقها واكتشاف مواطن الجمال والقصور فيها .

كما تعلمت منها آداب المناقشة وإبداء الرائ بشجاعة ووضوح دون إساءة لجهد الفنان المبدع حتى مع الاختلاف في الرائ وحتى بعهد إن أقعدها المرض علي كرسي متحرك لأكثر من خمس سنوات لم تتوقف عن متابعة الحركة المسرحية و والإسهام فيها لنشر الأبحاث والإصدارات والمنداة بضرورة الاهتمام بتنمية الذوق الفني من خلال المسرح المدرسي فرق الإقليم والهواة ، وفي تصوري إن الحركة النقدية في المسرح قد فقدت ركنا من أهم أركانها .

الكاتبة الكبيرة سناء فتح الله رحمها الله أثرت الحركة النقدية المسرحية وعلمتنا كيف يكون الناقد منزها عن كل غرض وان يكون أمين مع القارئ وإلا يدخل مصالحهم الشخصية في عملهم ... كانت تمتلك شجاعة نادرة في إبداء رائيها وكانت لها مواقفها التي لا تنسي في الوقوف بجوار الحق في هذا الزمان التي تشرفت بالكتابة فيه ...

أخر الإحزان " إهداء إلي أمي وأستاذتي سناء فتح الله

طابور يسلم أيد ورا  أيد وناس تبص بحزن شديد وأنا اللي ثابت في مكاني " يجعلها أخر إحزانك "

ماهي أخر إحزانك يجعلها أخر مصا يبنا أخر ودعنا لحبيبنا أخدنا من الحلو نصيبنا والمر عارف عنواني

يجعلها أخر حضن جميل أخر أيدين تسد وتشيل وعيون حنانها الصافي  يسيل والقلب يفرح علشاني

أخر لسان يصرخ بالحق وقلم ينزف كلمة لا أخر قمر لو غاب وانشق في الجنة هينور تاني

أخر دعاء في صلاة الفجر أخر  مليكه في ليلة القدر أخر سبب لنزول رحمة

مش باقي غير الزيف والغدر وطفل عايش وحداني يجعلها أخر إحزاني

  " محمد بهجت "  

 

بقلم  : زينب عبد الرازق

المصدر : مجلة نصف الدنيا العدد : 1067

23 يوليو 2010

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,820,625