كثيرة هي هذه الافلام الامريكية الجيدة التي تعرض لدينا وتمر مع ذلك مرورا عابرا لا تستحق أهميتها وخطورة الموضوع الذي تعالجه .... وربما يرجع ذلك إلي عدم وجود اسماء لا حصرلها من النجوم علي افيشاتها .... أو دعاية جيدة تستحقها .... أو اعلام مختص يوجه الانتباه اليها .

من هذه الافلام التي عرضت علينا اخيرا فيلم يحمل بعنوان " المواطن والقانون " والذي يلعب بطولته النجم الاسمر جيمس فوكس إلي جانب ممثل شاب صاعد .. قدم دورا مثيرا للانتباه والاعجاب ويرشحه بجدارة ليكون واحدا من نجوم المستقبل الذي ستعتمد عليه السينما الامريكية في افلامها وهو " جيرار بتلر " .

الفيلم يعالج ثغرات القانون التي تتيح لبعض المجرمين الافلات من قبضة العدالة او الحصول علي عقوبات مخففة لا تتناسب مع هول الجرائم المرتبكة مما يدفع الضحية او احد اقرباء الضحية ان يحمل في اعماقه حقدا غامضا يجعله عدوا لهذا المجتمع كله الذي ساهم في التغطية علي الجريمة التي هزت قلبه وكيانه وافقدته انسانيته .... البعض يحمل هذا الحزن في قلبه إلي الابد ويفقد الثقة بوطنه ومجتمعه وقضائه والبعض الاخر لا يسكت ويقرر الثأر والانتقام من هذا المجتمع الظالم بنفس القسوة والتوحش والا رحمة الذي تعامل بها المجرمون مع أحبائه ثم سكت عنهم المجتمع ولكن الضحية هذه المرة يقرر ان يحقق عدالته بنفسه وان يكون الضحية والجلاد المتهم والقاضي في ان واحد .

هذا الموضوع سبق ان عولج من قبل السينما الامريكية اكثر من مرة .. واحيانا بشئ كثير من التوفيق وحتي السينما المصرية لم تتركه يمر بسهولة وطرقته في مواضيع مثل " ثأر " محمد خان او " دائرة الانتقام " سمير سيف وغيرهم كثير المهم اذن ليس هذا الموضوع الخطير وإنما الجدية والقوة في تقديمه بصورة جديدة ومبتكرة وامساك انفاس المتفرجين رغم احساسهم المسبق بالنهاية التي سيصل اليها .

هذه المرة وقبل ان تبدأ تترات الفيلم يقدم لنا الفيلم مشهد الجريمة المروعة التي تذهب ضحيتها ربة اسرة وابتها الطفلة التي لم تتعد العاشرة بينما ينجو رب الاسرة بأعجوبة بعد ان رأي بأم عينه مقتل زوجته وابنته الصغيرة بوحشية لا انسانية لا تصدق .

وسرعان ما يقبض علي المجرمين ويستغل محامو الدفاع عنهم مواد قانونية يحاول المدعي العام " ويلعب دوره باتقان ومهارة جميس فوكس " ان ركب دعواه العامة بأنيخلق نوعا من الشقاق من المجرمين اللذين ارتكبا جريمتهما المروعة فبدفع احدخما الي الاعتراف علي الاخر مقابل وعده بتخفيف الحكم عنه وهكذا ينال احد المجرمين حكما بالاعدام بينما ينال وهو اكثر شرا والذي لم يكتف بالجريمة المروعة التي اقدم عليها بل شارك ايضا في " اغتيال " صديقه و تقديمه للكرسي الكهربائي كي ينجو بنفسه بأقل ضرر ممكن وهو ما يحدث اذ ينال عقوبة لا تتجاوز السنوات الخمس بعد ان تم الاتفاق بينه وبين المدعي العام .

ويقف الضحية رب الاسرة الشهيدة مذهولا وهو يري كيف نجا المجرم الذي قتل زوجته وابنته بدم بارد وبوحشية وسادية بالغتين صحيحا معافي ليقضي عقوبة سريعة يخرج بعدها الي الحياة وكأن شيئا لم يكن هل يمكن ان يقبل هذا الرجل المثقف والعالم الماهر بهذه النتيجية التي جعلته ينظر للقانون كله نظرة احتقار واستعلاء ويقرر ان يحقق عدالته بنفسه هذه العدالة التي يقضي عشر سنوات كاملة بالاعداد لها بذكاء ومهارة مستغلا كل ما يعرفه من علم ومعرفة في سبيل ان يحقق اهدافه كلها ويثأر من جميع هؤلاء الذين تواطؤا علي طمس معالم الجريمة والعقاب واولهم المحامي ثم والمدعي العام نفسه والقاضية وجميع الرجال الذين احاطوا بالامر دون ان يستثني احدا منهم اول معالم هذا التأر ظهرت عند اعدام القاتل الثاني علي الكرسي الكهربائي حيث يتم اعداد مادة سامة .. تعطي اليه في الوريد قبل ان يسري التيار الكهربائي فيصعقه ولكن عند التنفيذ يبدو أن المادة التي حقن بها المجرم لم تعط مفعولها بل علي العكس سببت له الاما رهيبة لا انسانية زادها عنفا وألما التيار الكهربائي الصاعق مما جعل المجرم يعيش لحظات الم هائل لا يحتمل عبر عنها بصرخات متوحشة تصدر عن كيان اشعلت النار في احشائه هذه الميتة العنيفة تدفع المحققين الي التحقيق حول هذه " الجريمة " التي سرعان ما تتكرر هذه المرة عند خروج المجرم الثاني من السجن حيث يستدرجه الزوج والام الضحية في مؤامرة محبوكة " عرف السيناريو الممتاز كيف يصقلها وكيف يقدمها بطريقة شديدة الامتاع "

منزل خلوي .. حيث يقوم بتعذيبه و تقطيع جسده قطعة قطعة وفقأ عينيه وتدمير خصيته وتصوير كذلك علي شريط فيديو يرسله إلي أسرة المدعي العام حيث تري الابنة الصغيرة المشهد المروع هي وامها وهنا يلعب السيناريو لعبته بمهارة في التقطيع بين حفلة صغيرة مدرسية تقوم فيها ابنة االمدعي العام بالعزف ومشهد تقطيع اوصال المجرم من خلال مونتاج رائع قام به مونتير من اصل عربي وتتوالي الجرائم كل واحدة اكثر قسوة من الاولي ويقبض علي رب العائلة الذييعترف بسهولة بأنه هو وراء كل ذلك ولكن لا وجود لاي دليل حقيقي يدين لانه مثله جيدا كيف يستفيد من ثغرات القانون بل انه يبدأ بمساومة المدعي العام غريمه الاول مساومة ذكية عن الجرائم التي سيرتكبها مقابل حصوله علي ترضيات وحقوق لا ينالها اي سجن غيره .

ويخضع المدعي العام مرغما لتهديدات هذا " المجرم " الذي يتابع عمليات ثأره وهو في السجن يخبر عنها ويحدد موعدها بالدقيقة والساعة ويذهب ضحيتها المحامي الذي دافع عن المجرمين وسكرتيرة المدعي العام التي تساعده في بحثه وتحقيقاته ويطول الامر اخيرا القاضية التي اطلقت الحكم وقتها ان يصل الدور اخيرا إلي المدعي العام نفسه الذي يكتشف بأعجوبة المخبأ الذي وضعه المجرم نفسه وخطط فيه لنسف اجتماع ترأسه محافظة المدينة السوداء ويجمع كل رجال القانون لبحث هذه الجرائم الفظيعة التي هزت مجتمعهم وبالطبع وكما هو مفروض في الافلام الامريكية كان لابد للمدعي العام ان يصل في الوقت المناسب ليفلت المجرم قبل ان يضغط علي الزر الذي سينسف قاعة الاجتماعات في قصر العدل وتشتعل النار في المخبأ وفي رب العائلة الذي ثأر لنفسه من العدالة ومن المجتمع ومن رجال القانون ومن المدينة كلها التي سكتت عن جريمة قتل زوجته وابنته واشعلت النور الاخضر في وجه المجرمين وفق مواد قانونية مطاطة تسمح للمجرمين بالخروج من مسئولية جرمهم دون عقاب الحقيقي الذي يستحقونه سيناريو مدهش لموضوع تقليدي عرف كيف يقدمه من جديد بطريقة مبتكرة تكتم الانفاس ومن خلال منطق لا تخر منه نقطة ماء ومن خلال اداء تمثيلي مقنع وصل به جيمس فوكس إلي اعلي قدراته وافسح المجال كبيرا ليتألق إلي جانبه جيرار فبلر في دور لاينش.

 الفيلم يدين العدالة بشكل عام وليس العدالة الامريكية فقط ويتحدث عن ثغرات القانون الكبيرة التي تسمح للمحامين المهرة بأنقاذ مجرمين خطرين تاركين الضحايا فريسة بأس وحزن عميق يشبث بنفوسهم ويخلق منهم اشخاص جدد ينظرون إلي العالم الذي يعيشون فيه نظرة حقد وكراهية لا يطفئها اي دم مراق وانما موت جديد ، هذا الفيلم يأتينا في وقت تعيش فيه مصر بأكثر من قضية قتل رهيبة يتعاون فيها كبار المحامون علي انقاذ المتهمين رغم قيدت ادلة دامغة عليهم اقتنع بها الراي العام ولكن لازلت معركة القضاء محتدمة ولازالت الشكوك تنتاب الراي العام بين مصدق ومكذب هذا الفيلم الذي جاءنا في هذا الوقت بالذات يمكن ان يكون صرخة انذار ويمكن ان يكون اداة تنبيه ويمكن ان يكون مثل هذا لكن رؤية فنية صادقة لازمة قضاء لم تعد مخصصة لقضائنا نحن فقط وانما للقضاء لكن بشكل عام

 

 

 

 

بقلم/ رفيق الصبانالمصدر/ مجلة اخبار النجوم العدد 9261/6/2010

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,820,504