تنبع مهام أو وظائف" الدراما تورج " عامة من تعريف الدراما تورجية ، واهميتها في عملية إنتاج المسرحيات وعرضها علي الجمهور المستهدف ، بما تقتضيه من وعي تقني متعدد الابعاد بالعمل الدرامي وشروطه الفنية الممكنة وبالسياق التاريخي التي يعيشها بما يتفجر فيها من مشكلات وما يمتزج بها من روافد ثقافية غير أن هذه المهام قد يستطيع يقوم بها شخص واحد وقد تتفقرق علي عديد من الاشخاص او القوي الفاعلة فيمكن لكل منهم ان يضطلع بمهمة او عدة مهام بدرجة ما من الكفاءة ولا شك ان وظائف الدراما تورج مثلها مثل اى وظائف اخري لا تستلزم فيمن يقوم بها ان تتوافر فيه شروط موضوعية مناسبة لها كي ينجح في ادائها فحسب بل وربما كانت شروطه الذاتيه كانت اكثر في اهمية احيانا مثل المرونة النفسية والذهنية ورحابة الصدر والقدرة علي الاقناع والاستعداد للتعاون مع الاخرين واحترام حدودهم ولعل غياب مثل هذه الشروط الذاتية في ليسنج كلها او بعضها رغم كفاءنه النقدية التي ادخلته التاريخ كأول " دراما تورج " بالمعني الحديث هي التي جعلته لم يحقق النجاح تماما في مساعيه او يخفق في بعض المهمات التي اسندت إليه فقد ثار الممثلون ضد النقد الذي وجهه لهم وتجاهل مديرو مسرح هامبورج التوصيات التي رفعها فأغلقت ابوابه بعد عامين فقط من افتتاحه .
وربما اسندت في بعض الفرق المسرحية مهام للدراماتورج بعيدة الصلة عن تعريفه او علي الاقل ملتبسة بأدوار اخرين في العملية الانتاجية كأن يختار طاقم الممثلين ويناقش سياسة الاداء والتخطيط للبروفات وحضورها وما يسند إليه من هذا القبيل يتأكد من القول بأنه يتولي التعاقد مع الممثلين وتحديد اجورهم او مستحاقتهم بينما المهمات نفسها في فرق اخري فيما يقول المراجع نفسه يضطلع بها المدير الفني الذي يسند إليه إخراج المسرحية ولا شك ان هذه المهمات في تقديري تتقاطع مبدئيا مع مهمات المخرج وإن يكن للدراماتورج راي فيها فلا يعني هذا ان يتحول في الممارسة إلي مخرج احتياطي او بديل او من الباطن للعمل يزاحم المخرج المسئول في مهماته مما قد يحطم العلاقة الانتاجيه بين الطرفين ويمكن القول بأن إبداء الدراماتورج لرأيه في اختيار الممثلين والتعاقد معهم وفي ادائهم والتخطيط للبروفات وفعالياتها إنما يتوقف تصريحا به وكتمانا له وفي كيفية إبدائه ومسئولية الالتزام به او نفيه علي الشروط علي الشروط الذاتيه لكل من الطرفين المتقاطعين وطبيعة العلاقة بينهما والحدود التي يضعانها ويتفقان عليها للتعاون بينهما في هذا الجانب او ذاكوربما علي اعراف ثقافية / اجتماعية يمكن ان تحكم العلاقة بينهما وتفصل فيما ينشأ اثناء الممارسة من خلافات .
وفي هذا السياق تلقي تجربة " كينيث تينان " ضوءا علي ما يمكن ان تثيره الادوار المتداخلة من مشكلات فقد عين تينان مديرا ادبيا للمسرح القومي البريطاني الذي تأسس عام 1963 تحت رئاسة " لورانس اوليفيه ولكنه ابدي طموحا لان يلعب دورا عمليا في البروفات مما تسبب في بعض المشكلات في ذلك الحين غير ان هذا الدور نفسه اضطلعت به زادا بنجاح بصفتها " دراماتورج " لكن اخلفت علاقاتها بالمخرج لوك بيرسيفال اثناء عمليهما علي مسرحية ماري ستوارت عن علاقتها مع المخرج بنديكت اندروز من حيث حجم حضرها البروفات فإن رجع هذا التفاوت إلي احتياجات المخرج والعرض المقدم إلا انه قد يرجع ايضا لطبيعة العلاقة بين الطرفين بما استقر فيها من إمكانات تعاون فضلا عن التقاليد التي تأكدت مع الزمن بدوام الاعتراف بأدورا " الدراماتورج " والاعتياد علي الاعتماد عليها وتفعيلها وعلي مستو اخر قد يكون الدراماتورج في بعض الفرق او الحالات مسئولا عن اشكال الدعاية والترويج للعروض في وسائل الاعلام والاتفاق علي الاحاديث التي يدلي بها الفنانون والبرامج التي يظهرون فيها وهي من مهام العلاقات العامة التي سبق ان تقدم " تينان " بتقرير موجز يشمل ضرورة عمله كرئيس لها لكنها مهمام لا تتطلب مؤهلات الدراماتورج العلمية المفترضة ولا خبراته ومن التزيد المطالبة بها .
والاصرار عليها ، وأن يكون له رأي فيها .
ولكن هناك من المهمام ما يسند إلي " الدراماتورج " وتكاد تكون موضع اتفاق في الفرق التي تعتمد عليه وتفسح له موقعا مشهودا في هيكلها التنظيمي يشغله فرد واحد او مجموعة عمل بقيادة مشتركة ، سواء أكان تحت اسم الدراماتورج او اسم " المدير الادبي "literary manager " " وهذه المهام تعتمد لزوما علي تأهله العلمي وخبراته العلمية بصفته خبيرا في الدراما وتطورها في سياق التاريخ وما افرزه من مؤثرات موضوعية عليها قادرا علي البحث فيها وإبداء اراء ثاقبة في إنتاجها في ضوء الوعي المزدوج الذي من المفترض ان يتمتع به وفي هذا الاطار يمكن فهم دور المساهمة "' contribution "في وضع خطة موسم عمل الفرقة واختيار ما يناسبها من نصوص وتصنيفها وتحديد اساليبها الفنية والاسس التي يمكنها الربط بينها وبالتبعية تطوير هذه الخطط من موسم إلي اخر وعلي مستو اخر يقوم بمهمة تطوير النصوص الجديدة .
ويحدد " تايلور " مهمة " الدراماتورج " في تطوير النصوص الجديدة بأنها عمل مع المؤلفين بمراجعة نصوصهم وإعدادها عند الضرورة والواقع ان هذه المهمة تتفق مع ما يطرحه قاموس " اكسفورد " من معان لكلمة " دراماتورج " فمنها أنه رجل دراما او صاحب ملاحظات فنية كما انها ترجع في الالمانية والفرنسية إلي الاصل الاغريقي....
dramaturgos الذي يتكون من كلمتي : دراما و " ergos " بمعني " صانع " worker بما يجعل معناها " صانع الدراما " او المشتغل بها ولذا كان من المنطقي ان يضيف ان الكلمة تشير إلي : المحرر الادبي في طاقم المسرح الذي يتولي الاتصال بالمؤلفين وتحرير النصوص ولكن لاريب فكرة إعداد النصوص او تحريرها من بين مهمات " الدراماتورج " كصانع دراما وملم بأسرارها تقضي إبداء ملاحظات فنية ومطالبة بتعديلات سواء اوصي بها المؤلف او قام بها بنفسه غير ان هذه المهمة قد تثير بلا شك توعا من القلق والاضطراب في علاقة " الدراماتورج بالمؤلف " وتضفي عليها حساسية فائقة وقد تحولها إلي ماء عكرة تدعو ذوي النفس المريضة والمغرضين للاصطياد فيها وتعميق ما قد ينشب فيها من خلافات متفاوتة الحدة لاسيما إذا كان الدراماتورج ممن تشهد لهم خبراتهم بالقدرة علي إجراء التعديلات وإصلاح النصوص فإذا بدا الدراماتورج وسيطا او قاضيا عادلا فيما يقول صديق بين المعد او المؤلف او صاحب الصياغة او مقدم الفكرة للنص المسرحي وبين رؤية تنفيذ العرض علي يد مخرج واع بأدواته وعناصر التقنية الفنية لاستبطان لغة مسرحية من خلال وسائل الحرفة وإبداعات المهنة فربما ذهبت الحساسية بقضائه وعدله إلي مواضع الشك وربما استلزمت المهمة اعرافا قوية لمساندتها وإعادة تربية لاطراف عديدة كي تتقبلها ول غرو ان حساسية العلاقة بين الدراماتورج والمؤلف او المعد تخف إلي حد التلاشي بل وتتزايد حيوية واهمية الدور الذي يمكن ان يلعبه الدراماتورج من النص إذا ما كان هذا النص ترتبط نشأته بفترة تاريخية سابقة او بيئة حضارية مغايرة للبيئة التي تستقبل العرض ويعد عموما من " الريبوتوار " " repertoire " ففي هذه الحالة يقوم الدراماتورج بإجراء التعديلات والتغيرات التي تعد من قبيل الاقلمة " acclimatization " وربما اقتصرت فيما يري " إسلن " علي اقتطاع اجزاء من العمل بالاضافة إلي حضور البروفات لتقديم المشورة حول ما قد تعنيه بعض الكلمات الصعبة او غير العادية فضلا عما قد يطلب إليه من بحوث ودراسات عن النص وكاتبه والخلفية الاجتماعية والتاريخية المفسرة له وعلي هذا النحو يبدو الدراماتورج بمثابة موضح التاريخ والشخص الناطق بأسم المؤلفين الموتي والغائبين وإن لم يكن في الهيكل التنظيمي والاداري للفرقة فقد يتعاقد معه المخرج بشكل منفصل ليساعده في إجراء ما يحتاج من بحوث وعلي اية حال فهذه الدراسات في كليتها تصبح موضع نقاش مع المخرج وفريق التمثيل في جلسات العمل الاولي وربما اثناء البروفات التالية كما قد يشرف علي برامج التدريب والخدمات التعليمية التي تحتاجها الفرقة وخاصة إذا كانت دائمة"permanent " كما قد يشرف علي إعداد كتيب العرض " pamphlet " الذي يعد كراسة توثيق ثرية بالمعلومات عن العمل وليس مجرد استعراض لاسماء العاملين فيه .
بقلم : د. سيد الامام
المصدر / جريدة مسرحنا العدد 154
21 يونيه 2010
ساحة النقاش