تحتشد رأسك بالكثير من الاسئلة عند مشاهدتك لعرض عز الرجال الذي كتبه د/ سامح مهران وأخرجه أحمد إسماعيل عبد الباقي تزداد هذه الاسئلة رويدا رويدا مع تقدمك في فعل المشاهدة وما ان ينتصف زمن العرض وتبدأ في مشاهدة نصفه الثاني حتي تبدأ هذه الاسئلة المحتشدة في ذهنك بالتطاير واحدا بعد الاخر قد يكون السبب في ذلك عوامل أدائيه تتعلق بالممثلين أو بالإيقاع او بحوارا تطويله قد لا تؤدي إلي اية معان جديدة فقط محض تكرار لمعان سبق التأكيد عليها وهو ما يصيبك كمنلق بحاله تسأولات من نوعيه أخري لا تخص المضامين ولا الرموز التي تتكاثف داخل النص وإنما تخص سمات اخري لها علاقة بأسئلة الجدوي ، الملل ، الايقاع .
يعالج نص د/ سامح مهران افكار هامة أولها علي مستوي الشكل المسرحي وما يتبع ذلك منه محاولة لتأسيس أسطورة شعبية قد تتماس في إطارها وبعض رموزها مع اساطير اخري وثانيها علي مستوي دوال الاشارات والرموز التي لاتفعل الواقع المعاش بل تلق بالضوء الشديد عليه رغم انها تظهر وكأنها تهرب من لتخلق عالما إيهاميا خاصا بها وموازيا للحياة .
يصنع د/ مهران اسطورته الخاصة داخل هذا النص فيقيم مجتمعا خاليا تتأسس مفراداته وبنيته وفق ما تتأسس به الحواديت والاساطير الشعبية الاخري ولذا فأنت تتعرف علي شخوص واحداث قد لا تنتمي بتمامها إلي العالم الواقعي كما لا تنتمي أيضا إلي عالم الخيال إنها تقف علي الحد الفاصل فوق الخط الجدلي " الواقع الخيال " وربما هذا هو ما يقربها من عالم الحواديت الشعبية .
وتدور وقائع هذه الحدوته في قرية خيالية اصابها الجهل وتحكم بها احد ادوات هذا الجهل شخصية الرغاي فبدأ يتلاعب بأقدار ومصائر اهل القرية فهو يتعامل وكأنه يحتكر المعرفة ويصدر منها ما يريد تصديره إنه يقف ما بين درجتي الجهل والمعرفة وهو بذلك عكس شخصية عارف المدرس الذي يأتي إلي القرية منفيا من العاصمة والذي يحمل مشاعر التنوير معه قد يدل اسمه علي ذلك كما يدل علي المقابل الرغاي علي تضخم الصوت وعلوه مع خوائه من المعني الحقيقي بالرغم من تأثيراته النافذة علي معظم اهل القرية .
ويستخدم النص تقنية الاسترجاع المسرحي حيث يبدأ بنا ومن اللحظة الاولي في إعادة إنتاج حكاية القرية يقوم بذلك الرغاي لنتعرف علي جهل اهل القرية ورغبة صبوحة زوجة العمدة في الاستفادة من العلم الذي يحمله المدرس لكن جهل القرية عندما يزكي الرغاي فيه النار يحول دون ذلك وتكاد تنتهي حكاية صبوحة المدرس – القرية نهاية مأساوية وذلك عندما يفتك طاعون الحمي بكل ابناء القرية مما يجعلهم جميعا فاقدي القدرة علي الانجاب. الطاعون هنا يأتي به الجهل ويحافظ عليه ويعيد إنتاجه مع حدوتة أخري هي حدوته زكية التي يكاد يفتك بها الجهل هي الاخري كاستكمال لاستمرار الطاعون وهو ما يؤكد عليه النص عندما يسرد يوميات ما بعد الطاعون والتي يصورها بهذا النوع من الخواء الروحي الذي يطال كل شئ .
وعليه كان من الممكن ضبط إيقاع العمل وفق هذه العلامات التي يشير إليها النص بقوه وعدم الدخول في تطويلات تبدو زائدة عن الحاجة حتي لا يشعر المتفرج أنه بإيزاء عرضين مسرحيين اولهما يخص – صبوحة – المدرس – القمرية " وثانيهما يخص زكية – القرية فالعرض وبمجرد ان تبدأ الرغاي في سرد وقائع أعوام الطاعون قد إنتهي فكريا وفنيا وما حدث بعد ذلك لم يضف جديدا بالصورة التي ظهرعليها.
تعامل المخرج سينوغرافيا مع مشاهده وفق تقنيه الهدم والبناء فهو يستخدم اهل القرية كقطع ديكور متحركة داخل فضاء المسرح تتشكل جماليا ورمزيا طبقا للمشهد ولذا فهي اي الجموع البشرية تصيغ نفسها لتشكل إحدي الصور المرئية ذات الجمالية الخاصة ثم تهدمها في المشهد التالي لتعيد عبر هذا الهدم بناء صورة جمالية اخري وهكذا ما بين الهدم والبناء تتشكل صورة العرض فعلها المخرج احمد عبد الباقي قبلا في عرضه خمسة وخمسية لنفس الفرقة وقبل عدة سنوات مستبدلا البشر في هذا العرض بالمكعبات الخشبية في العرض القديم وقد استطاع المخرج حل الكثير من المشاكل الجمالية باستخدامه لهذه الحيلة وبالتالي لم يكن هناك اي داع لوجود هذه القطعة الديكورية الغريبة في عمق المسرح او هاتين القطعتين علي جانبي المسرح خارج الستار يتبقي في النهاية فكرة إعادة إنتاج الحدوتة لتعريفنا بها وهي حيلة معروفة في الكتابة المسرحية لكن يلاحظ دوما أن من يعيد إنتاج الحدوته انه يكون مهموما بها وبالتالي فهو يريد توصيلها لاكبر عدد من الناس لكن ما يحدث هنا هو ان الشخصية التي اعادت إنتاج الحدوته هي نفسها التي يجب ان تطمسها لانها المسئولة عن جزء الشر فيها وهي شخصية الرغاي لذا كان من المهم ان يتم الحكي عبر اداة سردية اخري.
ولا اعرف ما هو الديكور الذي قام به عطيه عبد العظيم فهل هو مثلا من قام بعمل تشكيلات المجاميع لكن هناك اغان تجمع ما بين التراثية والمعاصرة كتبها هشام منصور بإحساس جميل ولحنها احمد زكي عارف بنفس الحس التراثي وما يحسب لهذه الفرقة حقا هم مجموعة ابطالها كارم اباظة ، محمد اباظة ، عبد الحميد بدير ، اميرة شوقي ، امل صبري ، وهذا البطل الجمعي للعرض الذي يتمثل في جموع اهل القرية .
بقلم / إبراهيم الحسيني
المصدر : عن جريدة مسرحنا العدد التاسع
6مايو 2010
ساحة النقاش