فى عصر الدولة الحديثة 1558-1305 قبل الميلاد – اقام المصريون جيشاَ من الجند المرتزقة اشترك فيها الماذوى السود اللون " وهم جنود من أسلاف قبائل البجاة التى تقطن الصحراء الشرقية الآن فيما بين النوبه والبحر الأحمر وقد أشتهر هؤلاء الجنود بأتقان فنون الحرب، ولذا استخدمهم الفراعنة فى الحراسة والحملات الحربية " والبجدتو الساميون "وكانوا جيران مصر فى الشرق" والشرادنة الذين ينتمون أصلاَ إلى جزر البحر المتوسط وكان الشرادنة الذين سكنوا جزيرة سردينيا قد ألحقوا بالجيش المصرى، وكانت من أقوى دعاماته فى أواخر أيام الدولة الحديثة، وقد تميز هؤلاء الجنود بطول القامة ومتانة الجسم والقدرة العسكرية .
وكان الرقص الحربى وسيلة مألوفة من وسائل التسلية للقوات العسكرية فى وقت راحتها .
ويمثل رقص الجنود الملونين مزيجاَ ساذجاَ من حركات غير منظمة تصحبها صيحات التحدى ويحاول قارع الطبلة الكبيرة – التى لا تزال تستعملها بعض القبائل الزنجية فى إفريقيا إلى اليوم – توجيه حركات الراقصين وتغطية الصيحات عن طريق صوتها التوقيعى أما الجند الليبيون فإنهم منظمون الإيقاع بطرق قطع معقوفه من الخشب "بومورانج" بعضها ببعض، فى حين يمارس زملاؤهم المزودون بقطع خشبية معقوفه كذلك، رقصاَ يمثل فى أغلب الظن لوناَ من ألوان المبارزة، على الأقل مايصوره وضع الجندى إلى اليسار الذى يبدو كأنه يمثل هجوماَ مزعوماَ، أما وضع زميله فيمثل حالة دفاع مع تقهقر.
وكانت حركات الحروب تعتبر متقدمة على الحركات الرياضية ففيها يجب أن يتدرب الجندى على الدقه والسرعه فى النزال والطعان وفيها يستعرض قوته ومهارته فى الآداء.
وتراها ممثله فى كافة تماثيل المعبود "بس " الذى كان يعتبر آله الرقص فى الأزمنة الفرعونية، ففى العديد من تماثيله، التى يرجع عهدها إلى مابين الدولة الفرعونية الحديثة والعهد البطليموس، نراه وقد أمسك الدرع فى يساره والسيف فى يمينه وهو يشهره تارة، وتارة أخرى نراه قد أرسله إلى جانبه وأستند اليه بيده، والمعبود بس كما صوره المصريون القدامى يمثل قزما أفريقياَ زنجياَ، قد توج رأسه بتاج من الريش ووجهه الغليظ وأرجله الضامرة تثير الضحك وكان "بس" وشكله يدق فى صورة وشم على سيقان الراقصات الفرعونية منذ عهد الدولة الحديثة، فهناك مقبرة بجهة دير المدينة تمثل راقصة تعزف على الناى وقد دقت الوشم على فخذها ممثله المعبود "بس"
"ولقد عرض الأثرى "كيمار" دراسة مفصلة لهذا الموضوع نشرها عام 1948 ، نوه فيها بتقليد الوشم دق صور المعبود "بس" على أجسام الراقصات الفرعونيات، ولاسيما من كان منهن يرقصن فى المعابد، وقد وجدت مومياؤهن وآثار الوشم لاتزال بادية على مواضع من جثثهن، كجثة الكاهنة "أمونيت" التى يعرض المؤلف صورتها ودراسة لما كان على جسمها من أنواع الوشم".
ان رقصة الدرع على اكفان الموتى فى العهد القبطى كانت تعبر عن فكرة بعث الميت ورقصة حينذاك مثل هذه الرقصات التى يختار فيها الشاب شريكه حياته، أو تلك الرقصات التى تسبق عادة حفل الزفاف حيث كان يتقدم الموكب فى كلتا الحالتين جماعة من الراقصين الزنوج يؤدون ألعاباَ بهلوانية، ثم ينصرفون بعدئذ إلى مبارزة بعضهم بعضاَ بما يشبة رقصة الدرع، أو رقصات اهل النوبة على النحو الذى صوره المؤلف "ريفو" – يبدو ان هذا التقليد إستمر فترة طويله حتى بداية القرن التاسع عشر، إذ مثله كتاب "وصف مصر" الذى انجز خلاله حملة نابليون فى مصر عام 1798 ، كما صور الرقص نفسه فى العديد من المؤلفات بعدئذ، ككتاب المؤلف "ايبرز" الذى صور الراقص الزنجى مؤدياَ حركات بالدرع والسيف .
بقلم /ا.د شريف بهادر المصدر / تاريخ الرقص و الموسيقى و الغناء
ساحة النقاش