توفى بشكل مفاجىء الفنان المصرى الكبير عبد الحليم نويرة(1916-1985)وذلك أثناء قيامه بتدريب فرقة الموسيقا العربية بمقرها بمدينة القاهرة فحزن على وفاته كل عارف لقدره، أو عالم بفنه، رحمه الله واسعة وجزاه خيراً عما قدم للفن فى بلاده، ومحاولاته المستمرة لتطوير الموسيقا المصرية، وفى مجال عمله فى قيادة فرقة الموسيقا العربية، وايضاً حفاظه على تراث الموسيقا العربية وتقديمه للآجيال الشابة، التى تعلقت بفن هذه الفرقة وحرصت على متابعة عروضها.
والآن صديقى القارىء دعنا نلقى نظرة على حياة الفنان الراحل لنلقى عليها بعض الأضواء.
ولد عبد الحليم عبد الله محمد نويرة فى قرية الصالحية فى التاسع عشر من يونيو عام 1916.وكان والده خبيراً زراعياً يعمل فى الاعمال الحرة. وكان نويرة أصغر إخواته، وقد ظهر حبه وولعه بالموسيقا منذ طفولته وشجع والده موهبته لأنه كان من عشاق الموسيقا وكان صديقاً لكبار الملحنين والمطربين فى عصره.
توفى والده وهو فى الثانية عشرة من عمره فكفله إخواته وقد بدأ تعليمه فى طفولته بالمدارس الابتدائية فالثانوية. وانهى تعليمه الثانوى عام 1936 وفى نفس العام تخرج فى معهد فؤاد الأول للموسيقا العربية بامتياز.
وكان نويرة سعيداً بدراسته فى ذلك المعهد الذى كان زاخراً بكبار رجال الفن والموسيقا أمثال الشيخ درويش الحريرى، حجة الرواية فى الموشحات والاستاذ فؤاد الإسكندرانى حجة الرواية فى الادوار والأستاذ كامل الخلعى الذى كان حجة الرواية فى الاغانى المسرحية والاستاذ كوستاكى مدرس الصولفيج والهارمونى وكان عبد الحليم نويرة يعمل فى أثناء دراسته بالمعهد مدرساً لآلة العود فى بعض البيوت بالقاهرة وأحياناً كان يلحن الأناشيد للمدارس الثانوية وذلك نظراً لظروفه العائلية المالية التى تدهورت بعد وفاة والده وبعد أن تخرج نويرة فكر فى ان يدرس الموسيقا الاوروبية السيمفونية لانه كان يعشقها وتبهره براعة مؤلفى الموسيقا العالمية وسيطرتهم على وسائل التعبير الموسيقى وكان يستمع لهذه الموسيقا عند صديقه المصور السينمائى أحمد خورشيد الذى كان محبا ً للموسيقا العالمية ويمتلك مكتبة عامرة بالاسطوانات لتلك الموسيقا.
بدأ عبد الحليم نويرة يكتب الموسيقا التصويرية للأفلام السينمائية بشكل محدود ولكنه كان يربح منها مالا كثيراً أغراه بأن يتعلم المزيد من علوم التأليف الموسيقى،وتعرف على الأستاذ الإيطالى ميناتو وبدأ يدرس على يديه واستمر معه لمدة خمسة عشر عاماً متواصلة وفى نفس الوقت استمر فى كتابة الموسيقا التصويرية للأفلام السينمائية وذاع صيته وأصبح شهير جداً.
وفى عام 1945 أنشىء فى مصر فرع لجمعية المؤلفين والملحنين التى يقع مقرها الرئيسى فى باريس وأصبح نويرة عضواً بمجلس إدارتها باعتباره من الأعضاء المؤسسين لها وكذلك انضم إلى نقابة الموسيقيين عند إنشائها وكان أمين صندوقها عندما كانت أم كلثوم رئيسة للنقابة. وعمل نويرة فى المسرح الغنائى وكان أول أعماله فى هذا المجال لفرقة المسرح الحر عندما كتب الموسيقا التصويرية والألحان لأوبريت (مراتى بنت جن) وقد لاقى ذلك الأوبريت نجاحاً كبيراً حتى أن عرضه استمر لمدة ستين يوماً متتالية واضطرت إدارة دار الأوبرا إلى قطع العرض وذلك لارتباطها فى وقت سابق مع فرق أجنبية لتقدم عروضها على مسرحها. واستمر عبد الحليم نويرة يعمل ويكتب مؤلفاته الموسيقية ثم عين مديراً لإدارة الموسيقا بمصلحة الفنون وفى الوقت نفسه عمل نويرة قائداًَ لفرقة موسيقا الإذاعة المصرية فى المكان الذى خلا بوفاة الفنان عزيز صادق فتبادل قيادة الفرقة مع كل من إبراهيم حجاج وعلى فراج حيث كان كل منهم يقود الفرقة يومين فى الأسبوع واستمر نويرة يتناوب قيادة الفرقة لمدة تسع سنوات ثم ترك رئاسة إدارة الموسيقا وتفرغ للمسرح الغنائى. وفى اوائل الستينيات أنتج المسرح الغنائى تحت رئاسة نويرة عملين هما أوبريت (مهر العروسة) تلحين بليغ حمدى وأبريت (هدية العمر) تلحين محمد الموجى.
وخلال ذلك كان عبد الحليم نويرة يقوم بكتابة الموسيقا التصويرية لأفلام السينمائية والتى نذكر منها ( الماضى المجهول – رجل المستقبل- عنتر وعبلة). وفى عام 1967 نقل عبد الحليم نويرة من المسرح الغنائى وكان عضواً بالمكتب الفنى لفرقة الموسيقا العربية التى تكونت فى نهاية ذلك العام. وقد رشح عبد الحليم نويرة لقيادة الفرقة نظراً لخبرته الطويلة بالموسيقا العربية ولعلاقته الطيبة بالموسيقيين. وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى نجحت الفرقة وعملت على إحياء تراث الموسيقا العربية والإبقاء عليه على قيد الحياة وتعريف الجماهير به على أوسع نطاق. ولا يخفى الدور الذى قامت به هذه الفرقة فى حياتنا الموسيقية.
ولاشك أن الخبرة الطويلة لقائدها والكفاءة العالية لأعضائها سواء من العازفين أو المغنين كانت- بعد توفيق الله سبحانه وتعالى- هى الأسباب الاساسية لنجاحها سواء فى مصر أو فى الخارج.هذا بالأضافة إلى أن عبد الحليم نويرة كان يستعين بعدد من الرواة الموثوق فى امانتهم الفنية ومنهم الفنان محمود عبد السلام والفنان عبده قطر.
وكان من آمال حياة الفنان الراحل أن يتفرغ لكتابة عمل سيمفونى كبير نظراً لما تتطلبه كتابة مثل هذه الأعمال من التفرغ والاعتكاف لأنجازها. وهذا بالطبع يصعب على الكثيرين لأن مطالب الحياة اليومية تضطرهم إلى النزول لميدان العمل لسد حاجاتهم وحاجات أسرهم كما كان عبد الحليم نويرة يأمل أن يهتم الجيل الجديد من الموسيقيين بالعلم ، كما ناشد معاهد الموسيقا فى مصر الأهتمام بارتفاع المستوى الفنى للخريجين بصورة أكبر مما هى عليه الآن، خاصة فى مجال الموسيقا العربية. وبالطبع فإن الأعمال الرئيسية التى قام بها عبد الحليم نويرة قيادته لفرقة الموسيقا العربية، وإعداده لبرامج جديدة لها لتجديد شبابها وإدخال ألوان من التعبير الموسيقى لم تكن معروفة فى الموسيقا العربية التقليدية.أما مؤلفاته فنذكر منها: (بحيرة المنزلة- القومية العربية – ليالى زمان- منتخبات عربية – على شط الترعة – صور شعبية – شرقيات – مصر- رجل السلام).
بقلم/د. زين نصار المصدر / كتاب دراسات موسيقية و كتابات نقدية الهيئة المصرية العامة للكتاب قسم النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون
ساحة النقاش