تعنى كلمة نقد معانى متعددة أبرزها" التمييز بين الدراهم والتعرف على أجودها" ، وكذلك تعنى التنقد أو الإنتقاد بمعنى" إنتقاء الأصيل من الزائف" وتعددت المعانى والمرادفات لكلمة النقد فى اللغة العربية إلى أن إلتقت جميعها حول معانى "النظر والفحص والتمييز" ، وما ينتج عن هذا النظر والفحص من إكتشاف للعيوب والخبايا وإنتقاء الجيد والحكم على الردئ . أما فى اللغة الإنجليزية فقد ظهرت كلمة نقد Criticism فى أوائل القرن السابع عشر ، ويرجع أصل هذا المصطلح إلى الكلمة اليونانية Krino ومعناها يصدر حكماً على الشئ أو يقوم بتقييمه ، ومنها أشتقت كلمة Kritikos اليونانية والتى ظهرت فى اليونان فى القرن الرابع قبل الميلاد والتى تعنى ( الشخص الذى يصدر أحكاماً على الأدب والنصوص الأدبية ) وبهذا أصبح هذا المصطلح يستخدم مجازا فى الحكم على الفن والأعمال الفنية والأدبية.
وبعد أن حاولنا تعريف النقد ننتقل إلى تعريف أنواع النقد فمنها النقد الوصفى، والذى يتناول خصائص النص دون الحكم عليها وهو لا يستخدم مقاييس وإنما يستخدم مناهج ، وتعتمد هذه المناهج على المقارنه، أما النوع الآخر وهو ما يسمى بالنقد التقييمى ( القيمى)، والذى يتناول الحكم على مدى جودة أو رداءة هذا النص فهذا النوع هو ما يصطنع المقاييس ويعلل على أساسها قياساً مدى جودة النص وقيمته الأدبية.
ومن هذا المنطلق فرق الدكتور زكى نجيب محمود بين الأدب والفكر فالأدب عنده لا يعد أدباً إلا إذا أقامه مبدعه على شكل مقنن يقوم على عدم المباشرة فى طرح الأفكار، ومن هنا يتضح الفرق بين مقالاً يبين القهر السياسى، وقصة أدبية تتناول موضوع القهر وأنواعه ومردوده ويتطرق إلى القهر السياسى بصورة غير مباشرة ومن خلال حوار يخلو من لفظة قهر . ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الأدب وغيره.
فالأدب أو العمل الأدبى له قواعد ( مقننه ) لابد أن يلتزم بها الأديب تعتمد على قواعد وأصول الفن الذى ينتجه ونوعه. ويضع زكى نجيب محمود الفكر فى مكانة تتوسط الأدب والعلم ، فالعلم يعتمد على التعميم ، أما الأدب فيعتمد على التخصيص وعدم التكرار. وبهذا يكون الفكر هو الجامع بين التعميم من خلال بعض الحقائق والثوابت العلمية ، كما يوجد فيه تخصيص من خلال الصلات بين الحقائق والذات الإنانية وتفردها . ويؤكد أيضاً على أن الفكر أشد غموضاً من الأدب والعلم ، وأكثرها قوة فى تكوين وجهات النظر التى تتألف منها هوايات الشعوب.
ومن هنا نستطيع أن نفسر الطريقة التى سلكها سقراط فيلسوف اليونان عندما أراد أن يواجه مشكلة الشك بين السوفسطائيين فقام بالإعتماد على الأفكار وتحديد معانيها ، وإستنتج أن غموض الألفاظ من شأنه أن يقوم بالإرتباك والتشتيت. وعادة ما ينقسم نقاد الأدب إلى نوعان، النوع الأول يفضل الوقوف عند النص ذاته وتحليله تحليلاً دقيقاً وفحص تراكيب الكلمات وما تعنيه، وينتمى إلى هذا النوع معظم نقاد الأدب فى عصرنا الحالى وهذا النوع هو من أصعب أنواع النقد، وذلك لأنه يحتاج إلى دراسة علمية جادة فى النصوص الأدبية واللغه.
أما النوع الآخر من النقاد هم من يهتمون بإختراق النص الأدبى وإكتشاف ما وراء هذا النص أهو المبدع ذاته أم أنه البيئة الإجتماعية والمجتمع الذى يعيشه المبدع ويعد هذا المجال هو مجال فسيح يتيح لكل أنصاف النقاد من الكتابة فى النقد الأدبى والذى قد تتخلله بعض الضلالات النقدية الناتجه عن سوء الفهم أو تعدد الدلالات والتفسيرات داخل النص الواحد. وهذا النوع من النقد يقابل بالرفض من جانب كبار نقاد الأدب أمثال الدكتور/ نبيل راغب ود./ زكى نجيب محمود وهما من رواد النقد الأدبى فى مصر وذلك على إعتبار أن هذا النوع من النقد يعتمد على الأهواء والميول الشخصية للناقد والتى قد تبتعد عن واقع النص . كما أن الناقد ينشغل بذاته التى تقف فى هذه الحاله حاجزاً بين العمل الفنى والمتذوق ، ويعد اللجوء إلى هذا النوع من النقد فى عصرنا الحالى إنعكاساً للحالة الإجتماعية العامة التى تفتقر إلى الموضوعية وتميل إلى التعصب العقائدى والإنحياز الطبقى. وبهذا إقتصرت الحركة النقدية فى مصر على المقالات السريعة فى الصحف اليومية والمقالات الأسبوعية، وبهذا كادت الحركة النقدية فى مصر أن تخلو من الدراسات العلمية، والكتب المنهجية والتى لم يصل عددها ونوعيتها المدى الذى يخلق حركة نقدية فى مصر تضاهى نظيراتها فى بلاد العالم المتحضر.
وفى هذا الصدد نؤكد أن الناقد فى حاجة إلى بعض القدرات الخاصة التى تؤهله لممارسة النقد (نقصد بهذا النقد الموضوعى البناء) ومن أهم هذه القدرات هى الطاقة الوجدانية والتى من خلالها يستطيع الناقد إستبيان مدى قبول المتلقى أو رفضه للنص أو العمل (حدس) بعيداً عن الأهواء والميول الشخصية . والقدرة الثانية هى منطقية الإدراك وعقلانيته، والتى يصل من خلالها الناقد إلى نتائج محددة، فالأدب هو عملية إبداعية لا يستطيع فيه الناقد أن يسأل المبدع عن مدى مصداقيته، أما النقد فهو عملية علمية تتضمن التحليل للعمل الفنى وعناصره وكذلك التعليل مدى نجاح العمل أو فشله مستنداً على أسانيد تبرر حكمه، ومستنداً على مبررات قائمة على المقارنة بين العمل الأدبى محل النقد والأعمال الأدبية الخالدة، مبيناً وموضحاً ما هو مشترك يبرر نجاح هذه أو تلك الأعمال. وبهذا يكون النقد هو نقداً تحليلياً يعتمد على دراسة الأثر الأدبى نفسه، حيث أنه ليس من النقد أن أن يجعل الناقد من النص نافذه يطل منها على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع لأن هذا من شأن علماء الإجتماع أو يجعل من النص وسيلة لإكتشاف نفس الأديب أو المبدع لأن هذا من عمل علماء النفس ، وبهذا يكون قد إنشغل عن النص ذاته متجاهلاً لجمالياته بل على الناقد أن يستغل كل هذه العوامل كأدوات تساعده على فهم النص وجمالياته. ويعد المطلب الأساسى من الناقد هو إظهار الفكرة الأساسية والجوهرية للعمل الفنى وبهذا يكون الناقد قد وضع أقدامه على بداية الطريق الصحيح للنقد.
بقلم / ا.د حسن يوسف وكيل المعهد العالى للنقد الفنى اكاديمية الفنون
ساحة النقاش