العرض المسرحي "طقوس" و الذي عرض ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربى " زكى طليمات " توحدتا فيه كلا من شخصيتي "مرة" و "اليكترا" ليحملا الآم الحاضر باحثين عن حلا يخفف عنهما عبء هذه الالام و رفضهم للواقع بما فيه من خيانة و قهر و حقد غارقين فى حلم الاخد بالثأر من هذا الواقع الذي لطالما ظلمهم .... بهذه الرؤية انطلق المخرج محمد علام فى اعداد عرضه و الذى حرص من خلاله على المزج بين اسطورة اليكترا و الزير سالم .
مع بداية العرض انطلقت اولى صرخات الالم "لمرة" التي تتذكر مقتل والدها و الام التعذيب التى شاهدتها متحولة فى لحظة لتطلق صرخة اخرى عن اليكترا التى تتحمل عبء القدر و بطش ايجستيوس مصاحبا لذلك تعبيرا حركيا يعكس مدى الآلام التي تحملتها كلتا الشخصيتين و يدعم ذلك الإيقاع الموسيقى الذي يجعل المشاهد فى حالة انتباه و ترقب مستمر .
السينوغرافيا و الديكور
جاء ديكور مصطفى حامد ليكون معبرا عن الصراعات بين الازمان و الشخصيات فرغم عمله على زمنين مختلفين و مكانين مختلفين الا انه ابدع فى الجمع بين وحدات العصر الرومانى و طرازه المعمارى و الوحدات المعبره عن الصعيد المصرى و بذلك الجمع تناغمت هذه المفردات و اندمجت مكونة رؤية واضحة ان الواقع لا يتغير من زمن لاخر ....
كما ظهرت حرفية في التوحد بين السينوغرافيا و الازياء التى صممها محمد علام لتعبر عن ان كل انسان يكمن بداخله الخير و الشر
أما الإضاءة فقد كان خالد حسنين موفقا بقدر كبير فى رسم خطوطها و كذلك فى اختياره للالوان التى باتت معبره عن الصراع وعن انفعالات الشخصيات و حالة كل مشهد فجاءت على قدر كبير من البراعة الفنية خاصة فى حرفية الانتقال من احداث الزير سالم الى احداث اليكترا ،و على الرغم من قوة العرض الا ان الاعداد الموسيقى لم يكن بنفس القوة فكانت الموسيقى المصاحبة لاحداث عصر اليكترا اضعف من مستوى حالة الاحداث وعلى النقيض فقد كان موفقا فى اختياره لموسيقى احداث الزير سالم فجاءت معبرة عن حالة الحدث و نابعة من طقوس الصعيد المصرى .
سنة أولى تمثيل
احتوى العرض على العديد من الطاقات التمثيلية التى ابدعت على خشبة المسرح و على راسها يسرا الجندى فى دور "مرة" و التي تعد مشروعا لممثلة مبدعة تتحكم فى ادواتها فيتلون اداءها من حالة الى اخرى و ظهر ذلك بوضوح فى شخصية" اليكترا" تارة و شخصية "مرة" تارة أخرى فهى حالة تمثلية استحقت التصفيق اما مرفت مكاوى و التى جسدت دور "جليلة" فقد اجتهدت كثيرا لتصل الى مستويات عميقة من الشخصية فجسدت دور الام غليظة القلب و الزوجة الخائنة و العشيقة اللعوب و من بين هذه الطاقات ايضا ظهر الممثل تامر كرم الذى جسد دور"جساس" حيث تناول شخصية الشرير برؤية جديدة خاصة في تحول الشخصية من "جساس" إلى "ايجستيوس" كذلك هناك طه خليفة الذى يستحق الثناء على اداءه لشخصية "هجرس" ذلك الشاب الذى يحمل من الثقافة و العلم ما يغير طبيعته او عاداته و تقاليده فقد اظهر ضعف "هجرس" أمام الواقع هاربا منه رافضا ان يكون القتل طريقة لحل المشكلة اما ابراهيم سعيد الذى لعب دور "دهشان" العاقل الذي يعرف ما يدور حوله لكنه اختار ان يظهر بصورة المجذوب حتى يتقى شر جساس فقد ابدع فى التعبير عن ضعفه عندما راى قتل معلمه " الزير سالم " و عجزه عن الدفاع عنه .
المخرج محمد علام
أما خطوط الحركة فقد رسمت بحرفية فنية و خبرة مسرحية من المخرج فقد ابتكر شكلا خاصا للتعريف بشخصيات العرض من خلال ما يدور فى افكار الشخصية و ما يكمن داخلها من انفعالات تتجسد فى الاداء الحركى و الاداء التمثيلى و قد توج المعنى بازدواج الصورة حيث قسم المسرح الى جزئيين منفصلين الجزء الاول نرى "جليلة" و"جساس" في مشهد غرامي يسودهما الفرح و النشوة لتخلصهما من سالم اما الجزء الثانى نرى "مرة" في حالة من التعذيب و تجرع الالم لقتل والدها الذي يشغل الجزء الاكبر من الصورة و جاء ذلك كنوع من التعبير على أن الألم دائما ما يشغل الجزء الاكبر من الحياة ، فقد ابتكر المخرج العديد من الرؤى الفنية فى اعداده للنص ليساعده ذلك على طرح شكل جديد ليجسد مثلا صورة ملاك "اليكترا" أو "مرة" أذا أجاز لنا التعبير عن تلك الطفلة التى دخلت الى المسرح تعبر عن الجزء النقى الطاهر للشخصيتين فتكون هى الملاك الذى يتكون من النور و لكنه يحمل من الغضب ما يكفيه ان يحفز نفسه على الثار و قد ابدع فى التواصل الزمنى بين ما حدث فى الماضى و ما يحدث فى الواقع باستخدامه مفردات فنية مثل العودة الى ما حدث فى الماضى من داخل الماضى .
و من أفضل اللمحات الفنية فى هذا العرض كانت " النهاية " الى صاغها محمد علام دراميا و اخراجيا كمعد و مخرج للعرض حيث انهى العرض بثورة ضد الواقع رافضا ان يسود ذلك الواقع بما فيه من ثأر ودم وحقد و خيانة مؤكدا أن الإنسان هو الوحيد القادر على تغيير واقعه .
قام بعمل التغطية الإخباريةاحمد شعراويطالب بالمعهد العالي للنقد الفنيأكاديمية الفنون
ساحة النقاش