قد يتساءل البعض لماذا نحن بحاجة إلى تليفزيون عالي الوضوح HDTV High (Definition Television)، أليست تقنية التليفزيون المعتاد STDV الحالية بقادرة على إرسال صورة جيدة وخاصة بعد دخول العالم الرقمي؟ لماذا إذاً نخوض فى عالم تقنية التليفزيون عالي الوضوح؟ وما قد تجلبه هذه التقنية من تكلفة عالية، ليست فقط على مستوى كاميرات التصوير، بل أيضاً على مستوى أجهزة المونتاج، وعلى محطات البث، بل والأصعب من هذا كله على مستوى أجهزة الاستقبال لدى المستهلك، بمعنى آخر تغيير كامل فى تقنية التليفزيون المعتاد، وما قد يترتب على هذا التغيير من مشاكل قد يصعب حلها، ومن زمن بقصير يتيح فرصة لاستيعاب هذه التقنية الجديدة سواء للمبدعين أو للمستهلكين.
وبالرغم من ما قد يترتب عليه هذت التغيير من مشكلات، إلا أننا بالفعل بحاجة على هذه التقنية، وترى الباحثة أن هذا يرجع إلى عدة أسباب منها: أن التليفزيون الحالي قد وصل إلى أعلى جودة متاحة له، بالإضافة إلى ظهور وانتشار الشاشات العريضة وتقنية المسرح المنزلي والرغبة في الحصول على تدرج لونى للصورة أقرب ما يكون للواقع، كذلك الرغبة فى إيجاد بديل إلكتروني مساو لجودة الفيلم السينمائى، وأيضاً إمكانية استخدام وسيط فيديو لعمل المؤثرات البصرية فى الأفلام، وهو الأمر الذى سيتم تناوله فى هذه الدراسة بشكل مفصل، مؤكدة على حاجاتنا الملحة لوجود مثل هذه التقنية عالية الوضوح، وموضحة أهم ما حققته وما يمكن أن تحققه فى مجال صناعة الأفلام، وبل كيف يمكن أن تغير من شكل الأفلام نفسها.
بالفعل قبل ظهور تقنية HDTV كانت هناك عدة أفلام تم تصويرها بكاميرا فيديو تناظرية، لعمل المؤثرات الخاصة عليها، وكان لمصر تجربة فى هذا المجال فى فيلم (فتوة الناس الغلابة) عام 1984، قصة وإخراج/ نيازى مصطفى، وسيناريو وحوار/ أحمد عبد الوهاب، إلا أن هذه الأفلام لم ترقى للمستوى المطلوب من الجودة السينمائية، فبسبب الوضوح المحدود للصورة كان الأمر بمثابة معركة مضيئة، وكان لابد من معالجة الصورة بحيث توافق جودة الفيلم 35 مللي إلى أقرب الحدود.
وستتناول الباحثة من خلال هذه الدراسة ماهية (تقنية التليفزيون عالي الوضوح) High Definition Television (HDTV)، كيف أنها بدت كصناعة صورة تمزج بين الجودة التى توحي بوجودك داخل الصورة، وبين ما يطلق عليه المصداقية فى إعادة إنتاج الألوان الأصلية "Color Reproduction"، فهي ببساطة عبارة عن نظام تليفزيوني يمتلك حوالي ضعف عدد خطوط الصورة مقارنة بالنظام المعتاد Standard Television (SDTV)، ونسبة الشاشة به تكون 16:6، بالإضافة إلى جودة عالية للصوت، وثراء التفاصيل Rich of Details التى طالما ارتبطت بالفيلم السينمائى دون غيره، وعلى هذا فإنها توليفة فريدة من أفضل خصائص الفيديو والفيلم، أو يمكننا القول أيضاً أنها وسيلة لنقل جودة الصورة إلى مستوى جديد يتخطى كل أشكال الأنظمة التليفزيونية السابقة، ليصل إلى معايير لم تكن متاحة إلا من خلال الفيلم السينمائى، وهذا يعكس السبب فى ظهور مصطلح جديد ارتبط بهذه التقنية ألا وهو "WYS – WUG وتعنى What you see in What you get " (ما تراه هو ما سوف تحصل عليه).
ومصطلح HDTV من الممكن أن يشير إلى الأشكال عالية الوضوح بشكل عام أو إلى أنظمة التليفزيون التى تعمل وفقاً لهذا النظام، ولكن النظام الأمريكي حرص على التمييز بين الأشكال عالية الوضوح والتى أطلق عليها مصطلح High Definition Video (HDV)، وبين التلفزة عالية الوضوح والتى أطلق عليها HDTV، حيث يشير بـــ HDV إلى كل أشكال الفيديو عالية الوضوح وذات شاشة عريضة، إلا أن الباحثة ترى أن تقنية التليفزيون عالي الوضوح ليس لها إلا مصطلح واحد ألا وهو HDTV، وأنه من الخطأ الإشارة إلى هذه التقنية بمصطلح HDV، بصرف النظر عن رغبتهم فى التمييز بين الأشكال عالية الوضوح بشكل عام، وبين تلفزة البث عالية الوضوح، وذلك لأن الــ HDV هو اختصار لمصطلح HD-DV أى هو أحد أشكال تقنية التليفزيون عالي الوضوح يحمل نفس مواصفاته ولكن بجودة أقل، لذا يجب عدم إطلاق هذا المصطلح على التقنية بصفة عامة لأن هذا قد يحدث لبث لدى القارىء أو الدارس لهذا المجال.
ومن الأخطاء الشائعة الأخرى ارتباط هذه التقنية الرقمية حتى أن البعض أعتقد أن تقنية HD هي تطور للتقنية الرقمية، إلا أن الباحثة توضح فى هذه الدراسة عكس ذلك، فكان بداية ظهور التقنية عالية الوضوح HD عام 1964، حيث واستهلت معامل STRL الدراسات التى تناولت التليفزيون المتميز بدرجة وضوح عالية، وبدأ مهندسو البث التليفزيوني أولى خطواتهم نحو ما سمى (تليفزيون المستقبل)، وكان أول شيء تم بثه هو دورة ألعاب طوكيو الأولمبية التى أقيمت فى نفس العام، وبالفعل تركت دورة الألعاب انطباعاً قوياً لدى الجمهور، وجاءت برهاناً على أن مستوى التقنية التليفزيونية فى ذلك الوقت كان هو الأعلى على مستوى العالم... ومن هنا يتضح تماماً أن التقنية عالية الوضوح قد بدأت قبل وجود التقنية الرقمية بفترة طويلة، ولاشك أن لظهور التقنية الرقمية أثرها على مسيرة تطور التقنية عالية الوضوح إذ تحولت من كونها تناظرية إلى رقمية.
وفى غمرة ثورة الفيديو، والتى تستمد وقودها من مظاهر التقدم الرقمية السريعة والمستمرة، وأيضاً من تكنولوجيا الكمبيوتر، كان لمثل هذه الثورة أثرها فى تبديل شكل عملية ما بعد الإنتاج Post- Production، وواقع الأمر أنه محتمل أن تصبح أنظمة المونتاج المتقدمة ووسائل المؤثرات الرقمية الخاصة الحالية، فى غضون بضع سنوات عتيقة شأنها شأن الكتل التى استخدمت خلال حداثة عهد مرحلة ما بعد الإنتاج. وهذا إن دل فيدل على التطور السريع على مرحلة ما بعد الإنتاج سواء مع التقنية الرقيمة أو التقنية عالية الوضوح، لهذا تتناول الباحثة من خلال هذه الدراسة مرحلة ما بعد الإنتاج فى ظل التقنية عالية الوضوح، وكيف أثرت هذه التقنية على هذه المرحلة بشكل كبير، كما يتم تناول هذا التأثير سواء على مستوى العمليات التى يمر بها الفيلم خلال هذه المرحلة أو على مستوى الأجهزة المستخدمة أو على العملية الإبداعية نفسها فى جميع التخصصات وبخاصة فن المونتاج.
فالتطور السينمائي عبر تاريخه الطويل، قد اعتمد بشكل أساسي على تطور التقنيات والأدوات المستخدمة به، مثل كاميرات التصوير، ووحدات المونتاج ومعدات الصوت وغيرها من التقنيات التى تساعد على العملية الإبداعية لصانع العمل الفني، وليس هذا فقط بل أن التطور السينمائى بات يؤثر ويتأثر بتطور هذه التقنيات، وهذا التأثير المتبادل هو الذى يتيح التطور فى كل من الطرفين (التطور التقني والتطور الفني).
وبداية لابد أن نعترف أن المونتير لا يتمتع بالحرية الكافية التى يتمتع بها المؤلف، فللأخير حرية متسعة فى انتقاء الكلمات، كما لابد أن نوضح أن المونتير لا يقوم بحل ألغاز لعبة تجميع الصور من أجزائها المفككة، فهو لا يقوم بوضع قطع مختارة من قبل فى مواضع قدرت لها مقدماً. إنما يعتبر عمله أكثر شبهاً بعمل فنان مستغرق فى تحويل رسم تخطيطى صغير إلى لوحة كاملة الحجم، وقد يكون العمل مكتظاً بتفاصيل غامضة بعض الشىء، أو بأفكار بارعة لا تتضح للمشاهد إلا عند التركيز عليها، ففن المونتاج لا يعنى التركيب الجيد لأحداث القصة، أو انسياب القصة بكيفية سهلة قابلة للفهم فقط، وإنما هو يساعد أيضاً على حشد العواطف فى اتجاه معين أو آخر وذلك عن طريق تغبير الإيقاع من فقرات سريعة متلاحمة تتألف من لقطات قصيرة إلى فقرات رتيبة طويلة تتألف من لقطات تدوم كل منها فترة أطول على الشاشة.
وكان لمجيء التقنية عالية الوضوح الأثر الكبير على إضافة مهام جديدة للمونتير، فمن خلال الجودة العالية للصورة، والنسبة 16:9، والقدرة على التدرج والتلاعب اللوني في الصورة، كان لكل ميزة من هذه المميزات أثره الواضح على فن المونتاج وعلى إضافة دور جديد للمونتير مع إعطاء أمثلة من الأفلام. وتوضح الباحثة أيضاً أننا اليوم بحاجة إلى مونتير ذو مواصفات خاصة فيجب أن يكون على وعى كبير بما يجرى حوله من تطور، وأن يواكب هذا التطور، ليس فن جامداً، ملصق بقواعد المونتاج الثابتة التى لا يمكن تغيرها، إنما سنرى من خلال هذه الدراسة كيف إن وجود التقنية HD قد أرغمت المونتير على كسر بعض من قواعد المونتاج التى تربى عليها، ومن هنا يتضح أن مرونة المونتير واستيعابه الكامل لهذه التقنية هو ما يجعله يتخطى الكثير من الصعاب التى قد تواجهه أثناء مونتاج هذه التقنية، وهو ما ستتعرض له الباحثة بشكل مفصل.
كما تتعرض الباحثة بالدراسة إلى تقنية HDTV وعلاقتها بالمرحلة الرقمية الوسيطة، ففي مرحلة مبكرة تعود إلى عام 1989، كشفت شركة Eastman Kodak عن نتائج برنامج طويل الأجل لتطوير نظام ما بعد الإنتاج رقمي Digital – Intermediate (DI) فقدمت الشركة فكرة نظام HDTV مصمم أساساً بقصد الاستخدام من قبل منتجي أفلام السينما ذو الميزانيات الضخمة، حتى يتمكنوا من توفير أبعاد جديدة مبتكرة للتأثيرات البصرية الخاصة من دون الضرر بجودة الصورة، بالإضافة إلى الإشارة إلى الأعمال التى نفذت بواسطة DI.
وكان من اللازم على هذه الدراسة تناول عمليتي البث والاستقبال للتقنية عالية الوضوح، وكيف كان الأمر غاية فى الصعوبة عند وضع معيار جديد للبث، فمن الصعب تغيير معيار قائم، مهما كان الاعتراض عليه، بعدما أنفق المشاهدين آلاف الجنيهات على أجهزة الاستقبال لديهم، إلا أن التطور سيظل يخطو خطوات نحو الأمام، وما علينا سوى التصدي للصعوبات التقنية مثلما الحال فى عملية بث واستقبال تقنية HDTV.
وأيضاً تتناول الدراسة مصطلح السينما الرقمية (Digital Cinema) الذى يتردد مؤخراً على أسماعنا، والذي أثار الكثير من الجدل فى كونه النقلة النوعية الأولى التى ستحدث فى تاريخ السينما ليس فقط بشأن كاميرات التصوير، بل فى كونه يهدد هيمنة هوليوود ويعلن أن السينما ستكون ملكاً وحقاً للجميع، فبفضل هذه التقنية سيكون لأى مخرج الفرص نفسها فى الإخراج، فتطبيق السينما الرقمية سوف يعيد تعريف السينما فى القواميس، وسيغير تعريف الكثير من المصطلحات المتعلقة بالكاميرا أو بعمليات صنع الفيلم، ففي ظل السينما الرقمية سيصبح الفيلم مجموعة أرقام ثنائية رقمية، المونتاج لن يكون فى أجهزة ضخمة خاصة بالمونتاج بل فى جهاز كمبيوتر عادى، وهذه التقنية سوف تسمح للمخرجين بالكثير من المميزات وتؤدى إلى طرق مختصرة كثيرة فى الصناعة السينمائية. كما تتناول الباحثة بالدراسة المنطق الذى يقول أن الفيلم قد مات، وتوضح أنه ببساطة منطق خاطىء، فبالغرم من تزايد أعداد أفلام السينما التى تم تصويرها تصويراً رقمياً والتى تبدو قريبة فى جودتها من جودة الفيلم السينمائى، وبالرغم من وجود تقنية HD والنظام الرقمي، لم يمت الفيلم تماماً، مثلما لم يمت الفيلم من قبل مع دخول الراديو ثم التليفزيون.
وتوضح الباحثة رأيها الخاص فى عشرة أسباب معللة لماذا لن يندثر الفيلم أبداً.
وبالتعرض لمصطلح السينما الرقمية أصبح بالضرورة التعرض فى مبحث آخر لمصطلح (السينما المستقلة) وبخاصة وجود هذا التيار فى السينما المصرية، وكيف أثر وتأثر بسوق إنتاج الأفلام فى مصر، مع إعطاء أمثلة لعدد من هذه الأفلام المستقلة المصرية، وكيف كان لدور التقنية عالية الوضوح الأثر البالغ فى وجود هذا التيار وتطورهن بل وإثبات نجاحه فى مصر والاعتراف به كرافد من روافد الإبداع السينمائى فى المهرجان القومي العاشر للسينما المصرية عام 2004، والإشارة إلى أن تجربة السينما المستقلة الحديثة قد أرست قواعدها وأصبحت نوعاً لا يمكن إنكاره أو تجاهله فى إنتاج الفن السينمائى فى مصر.
ملخص رسالة دكتوراه مقدم من د/ صفاء زهير اكاديمية الفنون معهد السينما فسم المونتاج
ساحة النقاش