احتل الموسيقار الكبير محمد فوزي "1918-1966" مكانة فريدة في تاريخ الحياة الموسيقية المصرية والعربية فقد كان له أسلوبه المتفرد في ألحانه التي أبدعها وتميزت بالسلاسة والعذوبة والمنطق الفني السليم والبناء الموسيقي القوي وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت له أفكاره التقدمية في فنه, سواء في ريادته بتلحين أغاني الأطفال " ماما زمانها جاية- ذهب الليل طلع الفجر- هاتوا الفوانيس يا ولاد- كان وإن" أو تقديم أغنية يؤديها مطرب بمصاحبة كورس من النساء والرجال بدون أي مصاحبة من الآلات الموسيقية وجاء انجازه الكبير في الأفلام السينمائية الروائية حيث قدم "36" فيلما خلال خمسة عشر عاما "1944-1959" وكان محمد فوزي يتمتع بعقلية تجارية ناجحة فقد أشأ أول مصنع للأسطوانات كي يوفر العملة الصعبة لبلاده وبدلا من يطلق عليه كما أعتاد الناس فوزي فون فانه نظراً لوطنيته الشديدة فقد أطلق على المصنع والشركة اسم "مصر فون" نسبة إلى بلده مصر ومع ذلك فقد تعرض غلى ظلم شديد عندما تم تأميم المصنع وشركة الاسطوانات والاستيلاء على رصيده الضخم في البنك ويعد الاستيلاء ظلما وعدوانا على هذا الصرح الفني الكبير الذي بنائه محمد فوزي بجهده وعرقه وكفاحه تم تعيينه مديراً ليدير ممتلكاته مما
أصابه بمرض غامض حار فيه الأطباء وعانى بسببه آلاما لا توصف أدت في النهاية إلى وفاته المأساوية في العشرين من أكتوبر عام 1966 ومحى أسم " مصر فون" ولم يتبق منه غير اللوحة الرخامية التذكارية التي وضعت في مدخل الشركة عند افتتاحها وصارت الشركة تحمل الآن اسم " صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات" وهي تابعة لأتحاد ا
الإذاعة والتليفزيون.

  ويجئ الجانب الإنساني في شخصية الموسيقار الكبير محمد فوزي مؤثرا فقد ساند زملائه الموهوبين "شعراء ومطربين ومطربات وملحنين" حيث أتاح لهم تقديم أعمالهم من خلال شركته للاسطوانات "مصر فون".

  وقد غنى ألحان محمد فوزي كبار المطربين والمطربات فمن المطربين نذكر" محمد عبد المطلب- محمد قنديل- محمود شكوكو- ماهر العطار" ومن المطربات نذكر" أحلام –حورية حسن- سعاد محمد- شهرزاد- شريفة فاضل- صباح- ليلي مراد- فايزة أحمد- نجاة على –نجاة- نازك- نجاح سلام- هدى سلطان".

  قدم محمد فوزي "36" فيلما روائيا نذكرها فيما يلي:" سيف الجلاد- قبلة من لبنان- مجد ودموع- أصحاب السعادة –عدو المرأة- العقل في أجازة- قبلني يا أبي- عروسة البحر- صباح الخير- صاحب العمارة- حب وجنون- الروح والجسد- بنت حظ- نرجس- المجنونة- المرأة الشيطان- فاطمة وماريكا وراشيل- صاحبة الملاليم- آه من الرجالة- بنت باريز- الزوجة السابعة –الآنسة ماما- غرام راقصة- ورد الغرام- الحب في خطر- نهاية قصة- من أين لك هذا –يا حلاوة الحب- ابن للإيجار- فاعل خير- بنات حواء- دايما معاك- ثورة المدينة- معجزة السماء- كل دقة في قلبي- ليلي بنت الشاطئ" وشاركته بطولة أفلامه بعض المطربات هن: "نور الهدى- رجاء عبده- صباح- شادية- ليلي مراد –أحلام –نازك- فايزة أحمد" كما شاركته البعض الآخر من أفلامه كبار الممثلات هن " عقيلة راتب –مديحة يسري- ليلي فوزي- سامية جمال- تحية كاريوكا- زينات صدقي- كاميليا- ماري كويني- نعيمة عاكف- فاتن حمامة" وقدم أفلام محمد فوزي كبار المخرجين في ذلك الوقت.قدم محمد فوزي العديد من الغاني التي تحمل تجديدا وأفكارا مبتكرة نعرض فيما يلي ثلاثة نماذج منها:

النموذج الأول

في فيلم " الآنسة ماما " الذي عرض عام 1950 وشاركت محمد فوزي البطولة المطربة صباح وفي هذا الفيلم قدم محمد فوزي "أبطال الغرام"وعرض فيه أشهر ثلاث قصص للحب هي "قيس وليلي- وكيلوباترا ومارك انطوان- وروميو وجولييت" نقدم القصة الأولى منها وهي "قيس وليلي" ولحن نفس المشهد الذي سبق وقدمه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مع المطربة الكبيرة اسمهان وشارك فيه الممثل القدير عباس فارس والخادمة وهو من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي وقدمه عبد الوهاب بأسلوب تقليدي رائع وذلك في فيلم "يوم سعيد" عام 1940 وجاء محمد فوزي ليقدم المشهد بصورة هزلية وشارك في الأداء الثلالثي " محمد فوزي- صباح –إسماعيل ياسين) واستخدم كورس من النساء والرجال ليقوم بدور الراوي بمصاحبة الفرقة الموسيقية تبدأ موسيقى المشهد بعزف لحن ذي طابع عاطفي مؤثر وتؤديه الآلات الوترية بسرعة متوسطة وبعد لحظة صمت تزداد سرعة الموسيقى فنستمع غلى لحن سريع يغلب عليه روح المرح  وتؤديه الآلات الوترية ويبرز هنا دور آلة الرق بوضوح ثم نستمع إلى كورس  النساء والرجال:

اتفرج يا سلام ع الدنيا يا سلام

يا فيها يا سلام يا سلام يا سلام يا سلام

إسماعيل يس: اتفرج يا سلام

الكورس: ع الدنيا يا سلام

 صباح: ياما فيها يا سلام

الكورس: يا سلام يا سلام يا سلام

وزي (بأسلوب تطريبي): اتفرج يا سلام...ع الحب يا سلام وأبطال الغرام..يا سلام يا سلام يا سلام.

صباح: فين حب زمان من دلوقتي..كان حب زمان غير دلوقتي.. ياريت يا زمان تيجي دلوقتي.

الكورس: ياريت يا زمان تيجي دلوقتي

فوزي : الحب كان ياما كان زي الهوى والنور..له في التاريخ يا زمان.أجمل حروف وفصول

صباح: دلوقتي خلاص ما بقاش إخلاص وبكل سهولة يقولوا خلاص..الحب زمان..يا بنات ما خلاص.

فتاة: ز يمين في العاشقين الولهانين.

إسماعيل يس: زي مثلا قيس وليلي المشهورين.

الكورس: اتفرج يا سلام على ليلي يا سلام وقيسها يا سلام يا سلام يا سلام يا سلام ..يا سلام

هنا يبدأ مشهد "قيس وليلي".

يتغير مباشرة طابع الموسيقى من السرعة إلى البطء ويغلب على اللحن التعبير العاطفي المشحون.. وتعزفه الآلات الوترية لتمهد للغناء ويسمع صوت آلة الناي التي ترمز هنا لناي الراعي في البيئة الصحراوية وهي تؤدي لحنا ذا طابع تأملي وصاف يتناسب مع طبيعة الحياة  في الصحراء حيث تدور الأحداث.

  محمد فوزي في دور " قيس" يغني بأسلوبه العاطفي .. الليل يا ليلي..اشتكى من كتر آهاتي..ردد انيني  وحكى.. شعري ولوعاتي.. والبيد على بكت يا روحي وحياتي.

كم جئت ليلي بأسباب ملفقة .. ما كان اكثر أسباب لوعاتي.. ليلي.

إسماعيل ياسين: " في دور والد ليلي"

من البارد الآتي.. أقيس أري ماذا وقوفك في ساعة متأخرة.

محمد فوزي: خلصت من بيتنا النار..ز من غيرك يحمل همي وبدال أطلب من الجار.. جيت أطلب من بيت عمي..

إسماعيل ياسين: ليلي تعالي.

صباح: " في دور ليلي" أديني جيت.

إسماعيل ياسين:"بأسلوب ساخر"  هاتي لابن عمك عود كبريت.

صباح: النار في قلبي يا قيس .. تطفيها نظرة عينيك حيرني حبك يا قيس.. وقلبني شوقي إليك.

فوزي: "اللحن أسرع" رمل الجبال إساليه.. على اللي جرى لحالي.. أثر بكايا فيه .. وصعب عليه حالي

وحكيت للدنيا.. عن حب حبك

وشكيت للدنيا.. من قسوة قلبك

صباح: إحنا بنات العرب ... والدنيا عارفانا نعشق ونجل نطاع ملينا وهوانا

نحن الحرائر وإن مال الزمان بنا .. لما نشكو إلا إلى الرحمن بلوانا

" بأسلوب تطريبي" فوزي: " بسرعة واشراق"

تعالى نهرب من هنا.. ونعيش حياتنا لوحدنا نسعد شبابنا وحبنا .. دا احنا اتخلقنا لبعضنا

إسماعيل ياسين: قيس .. إمض قيس..جئت تطلب ناراً أم جئت فاكرني مغفلا وحماراً.

" يعود اللحن لسرعته .. ويعاد غناء الكورس".

الكورس: فين حب زمان من دلوقتي .. كان حب زمان غير دلوقتي.. ياريت يا زمان تيجي دلوقتي.

 فوزي: وكان الحب في الأول يزيده البعد لو طوَل.ز وكان القلب لو يعشق... يعيش ويموت ما يتحوَل

صباح: دلوقتي القلب يساع اتنين ويحب وينسى في غمضة عين.ز فين حب زمان.. يا بنات راح فين.

النموذج الثاني

 أغنية " كان بدري عليك ..عليك بدري"

  في فيلم "فاطمة ,وماريكا وراشيل" الذي شاركت فيه فوزي البطولة الفنانة الكبيرة مديحة يسري, وعُرض لأول مرة في "25/7/1949" قدم فيه ثلاث أغان كان من بينها, أغنية " كان بدري عليك" وهي أغنية ذات طابع كوميدي.

وتبدأ الأغنية بإيقاعات تؤدى على الدفوف ثم يبدأ محمد فوزي الغناء بمصاحبة الكورس على النحو التالي:

  فوزي: كان بدري عليك عليك بدري "في أسلوب ساخر لأداء العديد على الموتى"

كورس: كان بدري عليك عليك بدري "في أسلوب ساخر لأداء العديد على الموتى"

فوزي: تتجوز وتفوتنا يا بدري

الكورس: كان بدري عليك عليك بدري

فوزي" بأداء سريع" كان بدري عليك تخل دنيا يا صغير وفي عز شبابك.

الكورس: عز شبابك.

فوزي: ما شبعتش ويسكي وشامبانيا كان بدري يوم كتب كتابك.

الكورس: كتب كتابك.

فوزي: آه.. آه..يالللي في المأذون طبيت

الكورس: آه..آه

فوزي: ياللي حتجرش في البيت

الكورس: آه.. آه

فوزي: شاب وخفة

الكورس:"بسرعة" كان بدري عليك..كان بدري عليك.

فوزي: "بسرعة متوسطة" كان بدري عليك.. عليك بدري

الكورس: كان بدري عليك ..عليك بدري

فوزي: تتجوز وتفوتنا يا بدري

الكورس: كان بدري عليك عليك بدري

فوزي: كان بدري عليك عليك بدري

الكورس: كان بدري عليك عليك بدري

فوزي: كان بدري عليك تدخل دنيا يا صغير

ومحمد فوزي في هذه الأغنية يقدم أداء ساخراً لأسلوب العديد على الموتى.. كما لو كان صديقه الذي سيتزوج سيعتبرونه وكأنه مات لأنه لن يعود للسهر معهم وسيبقى في البيت مع زوجته.

وتنتهي الأغنية بضحكات عالية ومرح من كل الحاضرين.

النموذج الثالث

أغنية "كلمني طمني"

ويغنيها محمد فوزي بمصاحبة كورس من النساء والرجال بدون أية مصاحبة من الآلات الموسيقية, وقام فوزي هنا بتقسيم الكورس " الرجال والنساء" إلى مجموعتين, الأولى تقوم بدور الآلات الموسيقية في مصاحبة الغناء وراعى بدقة أن يسند دور الآلات الموسيقية بطبقاتها الصوتية المختلفة وألوانها المتنوعة إلى ما يناسبها من أصوات كورس النساء والرجال في الطبقات الصوتية الحادة والمتوسطة والغليظة, حيث قاما بدور الآلات الموسيقية بإتقان شديد, أما القسم الثاني من الكورس, فيقوم بدوره الطبيعي في الرد على المطرب.

  وهذا النموذج نادر في الغناء العربي, قدمه محمد فوزي بتفوق كبير معبراً عن الفكرة التي طرأت له, وهذا يضاف إلى تجديداته التي قدمها في ألحانه.

  ولا يفوتني هنا الإشارة إلى الثنائي الغنائي الرائع "شحات الغرام" الذي غناه محمد فوزي مع المطربة القديرة ليلي مراد عام 1951 في فيلم "ورد الغرام". ويعتبر هذا الثنائي مع ثنائي "حكيم عيون" الذي قدمه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب مع الفنانة راقية إبراهيم في فيلم "رصاصة في القلب" عام 1944, هما أشهر ثنائيات في تراث الغناء المصري.

بقلم/ د. زين نصار

المصدر/ مجلة الكواكب

العدد/ 3193 بتاريخ 30 أكتوبر 2012

 

 

 

 

 

 

  

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,205,237