في حواراتنا اليومية، حول فنون الدراما، وهموم المسرح في بلادنا.. يدهشني سامح مهران- أستاذ الدراما بالجامعة، والكاتب المسرح التجريبي- بمعارفه الموسوعية، في مجال الثقافة عموما، بأفرعها المتعددة. وفي مجال المسرح على وجه الخصوص. مثلما تدهشني ذاكرة سامح مهران، ببراحها الشاسع المترامي، وامتلاءاتها المترعة بخلاصات العلوم الإنسانية، وهي في توازيها، زجريانها، واتساقاتها الفكرية.. مشعة بالنور. ساعية بأشواقها إلى سبر أغوار الغنسان، وفهم الكون. ومما يدهشني اكثر.. أن هذا الفنان المنهوم إلى تحصيل المعرفة من ينابيعها الصافية، بكل هذا الظما، والترقب للجديد، المثير، والمدهش للعقل.. واع، ومتوفز إلى مغامر السباحات الطويلة، في المحيطات العميقة، المتلاطمة بأمواج الثقافات العالية، وتيارات المدارس الفنية المتصادمة!
إنه مجبول بسجايا المبدع المفكر، تجاه التجوال المفترس في أروقة العقول المبدعة بالفكر. المفكرة بالغبداع. مهتديا بمصابيحها على طريق الكشف عن جوهر ذاته المبدعة، في مدارجها العليا.. كاتبا مسرحيا، من فصيلة المغامرين بالتجريب.
"عبد القادر حميدة"
الفصل الأول
الحداثة والتراث في المسرح العربي
جاء المجتمع المدني الغربي كمحصلة لجملة الثورات على الأصعدة الوطنية والاجتماعية والمعرفية. أي أن هذه الثورات قد عملت بالتكامل، ومن ثم كانت تلك المقدرة على إحداث تجاوز في علاقة العقل بأمور السياسة والمجتمع والفكر. فالفكر السياسي إنما ينعت بالحداثة بسبب ظهور مجموعة من المفاهيم المختلفة عما كان سائدا ومتداولا في العهود السابقة مثل الشعب، المواطن، العقد الاجتماعي والمجتمع المدني، وهي بالتأكد مفاهيم تتجه لخلق نوع جديد يحكم العلاقات بين الأفراد ممن ينتمون إلى مجتمع- واحد وتهدف إلى فصل الدين عن الدولة وإلى مشاركة الأفراد السياسية في السلطة عبر انتخابات حرة وبالتالي اكتساب القدرة على التعديل والاعتراض عليها وتغيير مساراتها وفقا لصالح المجتمع وهو ما يؤسس للديمقراطية في المجتمعات الغربية والتي ينتظم داخلها ما يسمى بالمجتمع المدني. يقوم المجتمع المدني على أنقاض نظرية الحق الإلهي للملوك تلك التي نتلمسها في العصور الوسطى المسيحية، وتقوم هذه النظرية على أن الملوك هو الذين يمثلون الله على الأرض لإدارة شئون مملكته. وبذا كان العرش هو عرش الإله ذاته كما أشار إلى ذلك المؤرخ الفرنسي بوسويه ومن ثم تكتسب السلطة وتستمد قدسيتها وأبويتها في آن واحد، فهي مطلقة ولا ياتيها التغيير، والخاضعون لها رعايا لا موطنون، أما الوطن فكان فقط لصاحب السلطة المطلقة"1".
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش