**الله يرحمك يا ست زينب !!

زينب خليل إبراهيم الشهيرة بــ "سامية جمال" من مواليد محافظة بنى سويف عام 1922م.

بدأت حياتها الفنية مع فرقة بديعة مصابنى واول مشاركتها السينمائية كانت عام 1943م.

فى بداية عملى الصحفى بدار الهلال ومجلة "الكواكب" بالتحديد عام 1968 طلب منى الراحل رجاء النقاش رئيس التحرير وقتها القيام بإجراء حوار معها ..

العثور عليها للدردشة معها صعب .. صعب أن تجدها فى البيت .. دائماً نائمة .. فى الحمام .. عند الكوافير .. خرجت للفسحة مع "قسمت" ابنة رشدى أباظة .. تركت لها اسمى ورقم تليفونى للاتصال بى عند عودتها أو بعد خروجها من الحمام .. فجأة دق جرس التليفون فى مكتبى ... و...

آلو .. مين؟!...

أنا سامية جمال..

أهلاً .. أهلاً .. أنا كمان بأقول التليفون بيرقص ليه؟!

واتفقنا على موعد .. سامية جمال أمامى وأنا جالس معها فى صالون شقتها .. التطلع إلى وجهها يذكرنى دائماً ببنت الجيران التى ارتبطت معها ذات يوم بقصة حب قديمة .. نفس الملامح .. الخالق الناطق نسخة ثانية منها .. سمراء فى لون باكو الشيكولاتة عندما يسطع عليه ضوء القمر .. هل تعلم – أيضا – عزيزى القارىء أن الصدفة جمعت بينهما فى نفس الاسم بحروفه "س.أ.م.ى.هــ" كنت أتمنى معها أن نمتلك بيتاً وعربة أطفال صغيرة نضع فى داخلها طفلنا .. اتفقنا معاً – أنا وبنت الجيران – على أن نطلق عليه اسم "عهد" .. كنت أحلم – حلمى كان كما حلم اليتيم – بأن أسمعه ينطق بكلمة "بابا فؤاد" .. ماتت الأحلام وافترقنا بالرغم من أننى مازلت أشير إلى كل من ألتقى به فى الشارع وأسأله: اسمك "عهد"؟! .. أتمنى للماضى أن يعود.. التطلع إلى وجه سامية جمال يمنحنى دفء لحظة من لحظات العمر القديمة .. شدت القصة انتباه سامية جمال وأنا أحكى لها عن بنت الجيران شبيهتها .. راحت تواسينى وهى تقول لى: دا المقدر والمكتوب .. و..

المقدر والمكتوب هو الذى قادها ذات يوم – أقصد سامية جمال – إلى السير على الأقدام من محطة مصر حتى ميدان الأوبرا .. تائهه فى الميدان كريفى ساذج جاء من الباجور منوفية للبحث عن مولد سيدى الحلى بروض الفرج .. الأوبرا على يمينها .. حديقة الأزبكية على يسارها .. إذن أين كازينو بديعة مصابنى وهو المكان الذى تبحث عنه؟!.. سألت رجلاً صعيدياً يقف مندهشا يتأمل تمثال إبراهيم باشا: تعرفشى كازينو بديعة فين ياعم؟!.. لم يلتفت لها الرجل فقد كان هو الآخر مشغولاً بتوجيه سؤال إلى أحد المارة هو الراجل ده- يقصد إبراهيم باشا – عم بيشاور على إيه بإصبعه؟!.. كازينو بديعة أهو اللى قدامك يا بنتى "أشارت لها سيدة طيبة ناحيته".. عثورى عليه – والكلام لسامية جمال – كان يعادل عثورى على خاتم سليمان .. الست بديعة التى أقف أمامها الآن كانت شهرتها تفوق شهرة كوبرى الجلاء .. الكوبرى الذى أطلقوا عليه اسمها بعد ذلك .. كوبرى بديعة .. و..

-       إسمك إيه يا حلوة؟!..

-       زينب خليل إبراهيم محفوظ..

قالت لى بديعة فى دهشة : زينب ده اسم واحدة بتبيع درة مشوى .. من هنا ورايح اسمك سامية جمال .. فاهمة. و..

المقدر والمكتوب- والكلام على لسان سامية جمال – ما جعلنى أتمنى أن أصبح راقصة فى شهرة تحية كاريوكا .. كنت اتقاضى ثلاثة جنيهات فى الشهر "قررت الست بديعة أن يكون أجراً لى" وهو مبلغ له قيمته وقتها .. صعدت على خشبة المسرح لأول مرة ككومبارس" وأنا لا أعرف شيئاً عن اليمين من الشمال عند الرقص .. كان رقصى وقتها مشابها تماما لـ "عجين الفلاحة" .. فى اليوم التالى طلب منى المدرب "إيزاك ديكسون" أن يعلمنى الرقص على أصوله .. و.. "امسكتوا عشرة جنيه تتعلم كل خاجة مضبوط!".. ولم يكن بمقدرتى فى ذلك الحين أن أدفع له المبلغ كاملاً .. طلبت منه أن يعاملنى كما نظام "شاهر" والدفع على أقساط قيمة كل قسط لا تزيد على الخمسين قرشاً  ... مرسيه يا خواجة ديكسون .. وبدأت معه التدريبات حتى جاءت الليلة التى سأقف فيها وحدى وأقدم رقصاتى .. موعد التقائى مع الجمهور بمفردى وليس وسط مجموعة فتيات كما كان من قبل .. سترك يارب .. وبدأت دعوات زميلاتى تصل إلى مسامعى .. إنشا الله تنجحى يارب .. ما تخافيش يا حبيبتى .. إلى أن أمسك مدير الصالة بالميكروفون .. و .. "سيداتى سادتى يسر إدارة ملهى بديعة أن يقدم لكم الليلة سمراء النيل سامية جمال" .. إخييه .. إخييه فقد قالها أكثر من واحد لأن اسمى لم يكن معروفاً فى ذلك الحين .. بل طلبوا تحية كاريوكا بدلاً منى .. والله لا يوريك فقد زادت ثورتهم، إذ لم تصعدى على المسرح كاريوكا بل أن بعضهم هدد بتحطيم الملهى إذا لم نرد لهم ثمن التذاكر .. و .. رقص أونطة هاتوا فلوسنا!...

اختفيت بعدها شهراً -  والكلام على لسان سامية جمال – فى الحجرة التى أستأجرها فوق السطوح بحى العشماوى القريب من كازينو أوبرا ورحت اتدرب كل ليلة على موسيقى تلك الأسطوانة المشروخة التى اشتريتها ذات يوم من بائع روبابيكيا .. وهات يا رقص .. كنت أتمنى أن أصبح فى مقام كاريوكا فقد كانت هى مثلى الأعلى من أيام ما كانت شقيقتى الكبرى تمنحنى القرشين صاغ لأشترى لها الفول والطرشى فأدخل السينما ساعتها وأنا أحمل "السلطانية" للفرجة على رقصها والهتاف لها مع جمهور الترسو .. و.. "كاريوكا يا مدرسة .. رقص وفن هندسة" هه .. أيام .. و..

المقدر والكتوب- والكلام لا يزال على لسان سامية جمال – رحت أعاود المحاولة فى تعلم الرقص على أصوله لأكثر من مرة .. ومن تانى راح مذيع الكازينو يمسك بالميكروفون يقدمنى للجماهير .. و .. "سيداتى سادتى يسر إدارة ملهى بديعة أن يقدم لكم سمراء النيل سامية جمال" .. هييه .. هييه .. صفق الجمهور أكثر من مرة عندما نطق المذيع باسمى .. وصفق بحرارة أكثر عندما شاهدنى أرقص .. أصبحت راقصة معترفاً بها .. خمسة وخميسة فى عين الحسود .. ارتفع أجرى بعدها إلى 18 جنيهاً فى الشهر.

كبر اسمى لدرجة أن الكثير من أصحاب الكازينوهات عرضوا على أجراً أكبر .. ثلاثون جنيهاً فى الشهر مما جعلنى أغادر كازينو بديعة بعد أن عملت به سنة كاملة إلى ملهى "الدولف" ومنه إلى ملاهى أخرى زادت من شهرتى .. إلى جانب ذلك استدعيت للعمل فى فيلم "رصاصة فى القلب" مع محمد عبد الوهاب و"الحب الأول" مع رجاء عبده وجلال حرب .. رقصت حافية القدمين فى هذا الفيلم .. أصبحت معروفة بلقب "الحافية" داخل الوسط الفنى .. غير معقول أن يكون ذلك بسبب وجود أزمة مادية لشراء أحذية جديدة، فقد كان بإمكانى فى ذلك الوقت أن أشترى بما امتلك من نقود كل أحذية مؤسسة "باتا" .. بعدها بطولة فيلم "تاكسى حنطور" مع محمد عبد المطلب و"النبى آدم" مع بشارة واكيم و"أحمر شفايف" مع نجيب الريحانى .. مواهبى وحدها فى الرقص أو التمثيل هى التى كانت تؤهلنى لبطولة كل هذه الأفلام وليس بسبب علاقات أخرى كما قد يتبادر إلى الذهن "تذكرت بالمناسبة قصيدة لشاعر عامية يقول فيها .. اجرى يا حلوة ع القطاع الخاص .. تلتقى المنتج شيخ عجوز بصباص .. جنبه فيه مخرج يشبه البلاص .. بس تتبسمى .. بسمة ولهانة .. ثم بعنيكى نظرة نعسانة .. بعد كام سهرة تبقى فنانة .. توصلى وخلاص ! .. و ..

المقدر والمكتوب- والكلام لا يزال على لسان سامية جمال – زادت شهرتى بعد سلسلة أفلام مع فريد الأطرش اشتركت معه فى بطولتها "حبيب العمر .. عفريته هانم .. ما تقولش لحد .. تعالى سلم .. الذى غنى فيه فريد الأطرش لى أغنيته الشهيرة سافر مع السلامة .. ترجع لنا بالسلامة .. يا خوفى بعده ليطول .. وقلبه عنى يتحول" فقد قررت وقتها السفر إلى إيطاليا للتمثيل فى الفيلم العالمى "الصقر" مثلت أيضاً أمام "روبرت تايللور" فى فيلم "وادى الملوك" و"فرنانديل" فى فيلم "على بابا والأربعين حرامى" نسيت أن أقول لك إن المناظر الخارجية لهذا الفيلم قرروا تصويرها فى مراكش وسرعان ما استقليت الطائرة إلى هناك ومعى "فرنانديل" الممثل الفكه المشهور الذى راح يمطرنا أثناء الرحلة بفكاهاته .. خذ واحدة منها .. و .. "وقف رجل دجال يبيع أكسيراً يقول يقول إنه يطيل الحياة ثم صاح فى الجماهير التى التفت حوله قائلاً : انظروا إلى .. إننى بصحة ونشاط كبير رغم أن عمرى 300 سنة! .. فسأل أحد المتفرجين مساعد الدجال قائلاً : أصحيح إن عمره 300 سنة كما يقول؟! فأجاب المساعد فى بساطة وهدوء! لا أعرف بالضبط لأننى لم أعمل معه إلا منذ مائة سنة فقط!".. و..

المقدر والكتوب – والكلام على لسان سامية جمال – هو الذى جعلنى ألتقى ذات يوم بــ "رشدى أباظة" فى بلاتوه استديو مصر من ساعتها بدأت الصداقة بيننا أولاً ثم الغزل ثانياً "هناك كلمة مأثورة قالها مارك توين . والغزل حوار ظريف إما أن يؤدى إلى قسم البوليس أو إلى المأذون" .. غزل رشدى أباظة قادنى إلى المأذون .. تزوجنا فى 21 سبتمبر عام 1962 ومن وقتها قررت أن أكون زوجة فقط .. الفنان لابد وأن يقدر مسئوليته تجاه حياته الشخصية مثلما هو مسئول عن فنه .. بعد الطلاق عدت إلى الأضواء .. تسألنى عن أيهما أفضل فى السينما أو المسرح؟! .. لعلمك الراقصة امرأة تؤمن بأن خير الأمور "الوسط"!.. أسعد لحظات حياتى عندما ألتقى بالجمهور وجهاً لوجه. وأرقص له .. آخر فيلم قمت بتمثيله اسمه " بنت الحتة" وإن كنت غير راضية عن دورى فيه .. تسألنى عن رأيى فى الرقص حالياً؟! .. فريدة فهمى الوحيدة التى تعجبنى شياكة رقصها!.. نجوى فؤاد وسهير زكى وناهد صبرى ليس لى رأى فيهن .. بلاش أعمل معروف .. مش عاوزة حد يزعل منى "تذكرت بالمناسبة بيت شعر فارسياً قديماً ترجمته .. احفظ رأسك من ضربات اللسان .. فقد يؤذى لسانك رأسك فى بعض الأحيان" .. هييه .. هييه انتهى الحوار!

 

بقلم / فؤاد معوض

المصدر/ مجلة الاذاعة والتليفزيون

العدد/ 3934  - بتاريخ السبت 7 اغسطس 2010

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,826,681