لقد كانت الطبيعة هي المعلم الأول لإنسان العصر الحجري ، كما كانت له المصدر الاساسى فى التعبير عن نفسه و ذاته فقام بمحاولات لتوظيف كل ما صادفه في المجتمع المحيط به من أدوات و أشياء بدائية لخدمة أهدافه في الحياة فقد استعان بعظام الحيوانات و الثمار الجافة و الجلود و القواقع و غير ذلك من أدوات في بيته لتعينه على إصدار أصوات قوية عالية و حركات عشوائية تنوعت تبعا لتصوراته الشخصية لخدمة متطلبات حياته اليومية .
و قد خص الإنسان الأول بعض تلك الأصوات في جلب الخير و نزول الإمطار و الإيقاع بالصيد الثمين ، كما خص البعض الأخر في أبعاد الأرواح الشريرة التي تسبب له الفزع مثل البرق و الرعد و الريح و الحيوانات المفترسة ، كما سخر الإنسان بعض الرقصات و الحركات الإيقاعية في أعمال السحر و العلاج و الثواب و العقاب و المناسبات السعيدة .
و لما ميز الله الإنسان عن غيره من المخلوقات بنعمة الذكاء و القدرة على التفكير فقد أخد يدقق فيما يستخدمه من أدوات ووسائل فطرية و بدائيه في مجتمعه و قد اضطرته الحاجة إلى البدء في سلسلة من المحاولات لتطوير تلك الوسائل البدائية لتكون أكثر فاعلية في أداء وظائفها و قد استغرقت تلك المحاولات أجيال متعددة توصل خلالها الإنسان إلى القدرة على إصدار أصوات موسيقية من آلات بسيطة صنعها الإنسان مثل النفخ في أعواد الغاب الجافة و استخدام آلات النقر و الطبول حتى اهتدى إلى التعرف على استخدام الوتر إما من فروع الأشجار أو أمعاء الحيوان كما تلت تلك المرحلة مراحل أخرى شاقة و طويلة استغرقت ألاف السنين أمكنه خلالها تهذيب تلك الآلات بأنواعها المختلفة من آلات نفخ و طرق و آلات وترية .
و هكذا نجد إن الإنسان الأول قد توصل إلى النواة الأولى للموسيقى من خلال الاستعانة بعناصرها الأساسية من إيقاع و نغم كوسيلة معينه له و عامل مساعد لقضاء متطلبات حياته اليومية و لم يتوصل إليها كوسيلة للاستمتاع .
و عندما بدأت تستقر الحياة في المدنيات القديمة أخذت تتكون أمم و شعوب امتدت إلى كل بقاع الأرض حيث تقدمت أساليب المعيشة و الحياة ووسائل التعبير كما تقدمت الفنون و المعرفة فازدهرت حضارات و مدنيات أطلق عليها اسم " الممالك القديمة " كان من أهمها الصين و الهند و أشور و اليونان و الرومان و كان على رأس تلك الممالك " الحضارة المصرية القديمة " و ما تحمله من رقى و مدنية شملت جميع مجالات العلوم و الفنون و الثقافة .
أهمية الموروث الثقافي في حياة المصريين القدماء :
أن الموروث الثقافي من موسيقى و غناء و رقص في حياة المصريين القدماء هو تراث حضارة إنسانية تحظى باهتمام الملوك و الالهه ، كما حظي برعاية الكهنة و رجال الدين لدورة الاساسى في أثبات الشعور الديني داخل بيوت العبادة و بذلك نالت الموسيقى قداسة المعبد .
كما كان لهذا التراث دورا هاما فى حياتهم الدنيوية حيث شاركت الموسيقى و الغناء و الرقص في شتى مناسبات الحياة الاجتماعية مما اثري تراث الأدب الشعبي من عادات و تقاليد و أنماط للسلوك شملت مختلف طبقات المجتمع المصري القديم بدءا بالملك الفرعون و حتى فئات الطبقات الدنيا و لا تقتصر أهميته على المصريين المحدثين فقط بل يشغل اهتمام كثير من المجتمعات و الشعوب في جميع إنحاء العالم .
و منذ أكثر من مائة عام بدا التنقيب عن الآثار المصرية القديمة و الكشف عن الانجازات الرائعة لتلك الحضارة و ما تعكسه من فنون العمارة والصناعه و الزراعة و علوم الطب و التحنيط و الرياضيات و الهندسة و الفلك و غيرها من مجالات الحياة المعيشية ممات يعكس مظاهر الرقى و المدنية التي كانت عليها الحضارة المصرية منذ أكثر من خمسة ألاف عام .
و بالرغم مما أسفرت عنه تلك الحفائر في الكشف عن مجموعة من الآثار الموسيقية التي تم العثور عليها في المعابد و مقابر الملوك و كبار رجال الدين و الدولة مثل الآلات الموسيقية و الجداريات الخاصة و مناظر الموسيقى و الغناء و الرقص ألا انه لم يتم الغوص بعد في أعماق هذا العلم .
بقلم / ا.د خيرى الملط المصدر/ كتاب تاريخ الموسيقى و الغناء و الرقص فى مصر القديمة
ساحة النقاش