يشكل الفولكلور عنصرا أساسيا فى رؤية الكاتب ألفريد فرج ، لا يستطيع أحد تجاهله ، ليس فقط فى إبداعه الفنى المستلهم من التراث والفولكلور ، ولكن ، أيضا فى كتاباته النقدية ودراساته الادبية ومقالاته الصحفية التى دافع فيها عن الفولكلور ، وطالب بمسرحيته وتطويره ، ومنوها بما فيه من بساطة وحكمة ولمس مباشر للموضوعات التى يتناولها .
وكثيرا ما كان ينبه إلى ما يتعرض له الفولكلور من انحسار وإقصار من جانب الفنون الرسمية ، أو بفعل ما كان يطلق عليه فنون القصر الملكى أو فنون النخبة المناهضة للديمقراطية ، بما تملكه هذه الفنون من نفوذ وسطوة لا قبل للفلكور بمقاومتها ، سواء على المستوى التقنى أو المستوى الفكرى ، فضلا عن التأثير السلبى للتطور العلمى ومتغيرات العصر على الإبداع الشعبى .
وعلى سبيل المثال كان ألفريد فرج يعتبر الأراجوز الذى نراه فى الأسواق والمولد هو المسرح القومى الأصيل فى مصر ، ويدعو الممثلين – وليس الكتاب فقط – أن يستفدوا من هذه الثروة الفنية فى أداء كوميدى ضاحك ، يشيع البهجة فى المسرح .
ولتحقيق هذه الغاية لابد من جمع نصوص هذا المسرح الشعبى من كل الفنانين المرتجلين الذين يقدمون فنونهم الحوارية والحركية فى السيرك والمولد وغيرها .
ويمكن أن نقول إجمالا ان الفريد فرج كان يرى أن الفولكلور يمثل هوية الشخصية القومية وقاعدتها الراسخة وخصائصها الحقيقية .
ولا سبيل إلى حفظ هذه الشخصية ، ورفع الثقافة العالمية ، الإ من خلال هذه الهوية .
ذلك أنه من الثابت تاريخيا أنه ما من بلد فى الشرق أو الغرب نهض نهضة وطنية ، ألا وكان الاحتفال بتراث الشعب عنصرا من عناصر هذه النهضة .
وفى هذا السياق كان ألفريد فرج يرى فى الإيقاعات الشعبية للفرقة القومية للرقص سفيرا طيبا يمكن أن يجوب العالم ، ويخاطب شعوبه بهذه اللغة العالمية ، لغة الرقص المعبرة ، وأن يحقق بها فى هذا المجال نجاحا لا يقل عن نجاحه فى وطنه .
غير أنه كان يشترط بذل الجهود فى صياغة هذه الرقصات صياغة محكمة ، تتلخص فيها مما يشوبها من كل ما لا يتلائم مع الذوق المعاصر .
وللفرق المسرحية الشعبية المتجولة فى العالم ، مثل الكوميديا دى لارتى الإيطالية ، مكانة مهمة فى تاريخ الآداب والفنون العالمية ، يلفت ألفريد فرج النظر إلى قيمتها العالية ، لأنها تعد بموضوعتها البسيطة وشخصياتها الثابتة ، مصدرا من مصادر النهضات الفنية فى كثير من الدول الأوروبية مثل إنجلترا وفرنسا وإسبانيا .
وفى الوقت نفسه لم تكن هذه الرؤية تنفصل عند ألفريد فر رؤيته الاساسية التى تتمثل فى وصل الثقافة القومية بالثقافة العالمية ، لما فيه من فائدة مؤكدة ليس للفنانين فقط ، وإنما للفنانين والجمهور معا .
والوصل فى مفهومه يعنى الأخد والعطاء ، لا الأخد وحده .
والأخد والعطاء معناه أن يؤثر التخت الشرقى على الموسيقى الغربية ، وأن يتطور هذا التخت وكل الألحان العربية بالموسيقى العالمية .
ولهذا لم يكن ألفريد فرج يجد غصاصة فى الاستعانة بالخبرة الأجنبية فى الأنشطة الثقافية المختلفة ، فى عالم لم يعد يعرف العزلة أو الاعتزال ، حرصا على إثراء التجارب القومية وتطويرها بالتراث الإنسانى .
وتجديد الفنون الشعبية يكون بوضعها فى الأشكال والقوالب الفنية الحديثة ، أو مزجها بالفنون الأوروبية ، دون أن تفقد شخصيتها المحلية المحببة التى تتصل بها مع الجمهور .
والفولكلور فى إنتاج ألفريد فرج يتألف من التراث الأدبى ، ومن السير والملاحم الشعبية ، ومن الشعر والحكم والأمثال والمأثورات والفنون والعمارة والأسطورة والسيرك وخيال الظل والحرف اليدوية التقليدية واليدوية والتاريخ المروى ، وكل ما يتصل ويعبر عن ضميره الشعب وحساسيته وحيويته ووجدانه وتفكيره وأعراقه وتميزه .
وللغة العامية جمالياتها . كما أن للمزاج الشعبى فى التعبير جاذبيته .
وإذا تصفحنا صفحة الأدب فى جريدة (الجمهورية ) التى اشترك ألفريد فرج مع أحمد رشدى صالح فى تحريرها منذ 1955 إلى 1958 ، سنجد أن كتابات ألفريد الأولى فيها تحوى ريبورتاجات عديدة عن الفولكلور ، مثل ( ليلة فى السيرك ) التى نشرت فى عدد 30 يونية 1956 ، برسوم الفنان محمد قطب .
وبمقدمة قصيرة لرشدى صالح يدعو فيها إلى أن يكون هذا الفن مادة لفن حديث . كما نشر ألفريد فرج تحقيقا فى 7 يوليو 1956عن ( الأراجوز ) برسوم الفنان نفسه ، محمد قطب ، الذى كان يتمنى لو جمع ألفريد فرج مقالاته هذه عن الفولكلور فى كتاب مع رسومه .
وما لا تعرفه الحركة الثقافية عن ألفريد فرج ان علاقته بالفولكلور لم تقتصر على الاستلهام أو البحث والدراسة ، وإنما شملت أيضا جمعه وتحقيقه فى ضوء فهمه لمواطن الجمال فيه ، ولما يتميز به من تعبير عن الروح المصرية المتسامحة .
ومن أهم النصوص التى جمعها ألفريد فرج مجموعة من أغانى الصيادين فى أبو قير ، التقى بهم على الشاطىء ، واستقل معهم قاربهم ، وخرج فى عرض البحر ، وسجل عددا من أغانيهم التى يتغنون بها وهم يطرحون شباكهم فى البحر ، ويسحبونها بصيدهم الوفير .
كتب الفريد فرج هذه التجربة عن اغانى الصيادين فى جريدة ( الجمهورية ) فى عدد 5 إبريل 1956 بعنوان ( أغانى الشاطىء ) ، يذكر فيها أن سلطان البحر لا يكسره إلا سلطان الإنسان .
ويجيىء هذا المقال فى سياق عدد من المقالات النقدية عن ( الواقعية والحقيقة ) ( الواقعة والجمال ) ، تؤكد أنه لو توفر على النقد الأدبى لكان له شأن فعال فى تلخيص أدبنا من رومانسية المهجر و أبوللو ، ومن انطوائها واغترابها ، وعضد اتجاه هذا الأدب منذ الخمسينات نحو الواقعية والوجدان القومى العام ، وفقا لمقومات الواقع والحياة . إلا أن اهتمامه الأصيل بالخلق والإبداع أبعده عن أداء هذا الدور ، أو لم يمكنه من أدائه .
ومقالة ألفريد فرج التى أشير إليها عن أغانى الشاطىء تكتشف عن الظروف المأساوية التى يعيش فيها هؤلاء الصيادون فى البحر ، ويواجهون فيها بشجاعة الزوابع والموت .
من هذه الأغانى التى سجلها الفريد فرج أغنية تقول كلماتها :
(ده إن نهرك مش الوحش
أطلع له يا غالى
فوق البحر العالى
وأجيب من سن الوحش
تلاتين و تلاتين ) .
ومن تسجلاته أيضا من هذه الأغانى الشعبية :
( سير يا نسيم يم الحبايب وناجيهم
وقل لهم خلهم فى الحب ما ساليهم
فى القرب والبعد أنا بروحى أسليهم
ع البعد والقرب أهواهم وأسليهم ) .
وهناك عدد آخر من الأغانى والأشعار جمعها ودرسها ألفريد فرج ، كما جمع ودرس الكثير من الأمثال السائرة وغيرها ، مما يؤكد عمق هذا الرافد فى حياته الأدبية .
مجلة الفنون الشعبية
العدد 72 _ 73
اكتوبر _ مارس 2006 / 2007
تصدره هيئة الكتاب
ألفريد فرج ( 1929 _ 2005 )
إعداد : نبيل فرج
ساحة النقاش