تمهيد :
ظلت الفجوة بين العاملين في مجال الفيديو و مجال السينما لسنوات طويلة ، و كانت الأسباب كثيرة و مُتعددة من أهمها :
-
أن جودة الفيلم السينمائي التقليدي أعلي بكثير من شرائط الفيديو.
-
أعمال المؤثرات البصرية بأي عمل سينمائي مهما كانت بسيطة هي في النهاية عملية مُعقدة ، مُقارنة بالمؤثرات البصرية في أعمال الفيديو .
-
تستغرق فترة إتمام أي فيلم سينمائي مهما صغر حجمه وفي أحسن الأحوال الإنتاجية علي الأقل عام كامل بدءاً من التصوير و حتى خروج نسخ العرض في حين يستغرق أكبر أعمال الفيديو إنتاجاً من 3-6 أشهر .
-
المراحل التي يمر بها الفيلم حتى انتهائه هي مراحل كثيرة ومُتعددة بالمُقارنة بمراحل إنتاج أي عمل فيديو.
ومما لا شك فيه أن هذه الأسباب قد جعلت العاملين في المجال السينمائي ينظرون نظرة دونية إلي العملية الإلكترونية أو الفيديو ، بالإضافة إلي أن المخرجين السينمائيين اعتقدوا أن أعمالهم السينمائية ، التي تُشاهد علي شاشات عرض كبيرة أكثر أهمية من تلك الصور التي تُعرض علي شاشات صغيرة و تمثلها أعمال الفيديو وبرامج التليفزيون.
ولكن .. بدأ هذا المنطق في التغيير :
أولا : بإضافة المرحلة الرقمية الوسيطة ((DI (Digital Intermediate ) لمراحل إنتاج الفيلم السينمائي .
ثانياً : بدخول التقنية عالية الوضوح· (High Definition)(HD) عام 1964 و تطورها في التسعينات .
ثالثاً: ظهور التقنية ما بعد عالية الوضوح · (UHD) (Ultra High Definition) عام 2007 إلي عالم الإنتاج السينمائي .
وهنا بدأ الفرق بين السينما والتقنيات الحديثة والفيديو يُصبح باهتاً ، وأصبح المُنتجين والمُخرجين مدركين لقيود عملية الإنتاج اللاحقPost Production السينمائية ، و التطورات السريعة التي تحدث في التقنيات المُستخدمة بهذه المرحلة بدءاً من برامج المونتاج حتى تقنيات العرض سواء التقليدي أو الرقمي ، وهو الأمر الذي دعي أحد بعيدي النظر مثل المخرج (جورج لوكاس) إلي التخلي عن استخدامه للفيلم الخام في تصوير أفلامه و استبداله بالشرائط عالية الوضوح"[1] ، خاصة أن مُعظم أفلامه تحوي علي الكثير من المؤثرات البصرية المُبهرة ، هذا لثقته في الجودة العالية للصورة التي تُتيحها تقنيات HD بالإضافة إلي فهمه الجيد لإمكانيات مرحلة DI وكيفية توظيفها ، فضلاً عن مُلاحظة التطور السريع و المُتلاحق الذي يحدث كل يوم في كل من المجالين ( DI و HD).
وعلي ذلك كانت التقنية عالية الوضوح HD منذ لحظة ظهورها محط الأهداف والمزاعم المتنوعة، ومن بينها كانت إمكانية إنتاج أفلام سينمائية بتكلفة زهيدة وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة لخلق المؤثرات البصرية التي طالما حلم بها صُناع السينما بدون تعقيدات في التنفيذ و بدون نتائج غير مضمونة ، ومن ثم استُخدمت التقنية عالية الوضوح HD في عدد لا بأس به من الأفلام الروائية الكبيرة ، بل و أصبح استخدامها في تزايد مُستمر ، وهو الأمر الذي عمل علي تراجع استخدام الفيلم إلي حد بعيد ، بالإضافة إلي أن ظهور التقنية ما بعد عالية الوضوح سيعمل دون شك علي ازدياد هذا التراجع في الآونة القليلة القادمة .
ومن هنا تنبأ الكثير من صُنًّاع السينما باندثار الفيلم· · ، ولكن كان لهوليوود وجهة نظر مُغايرة لهذا التنبأ ، فقد رأت أن الفيلم السينمائي هو الوسيط الذي أبلى بلاءً حسناً على مدى أكثر من نصف قرن ، بالإضافة إلى أن عمليات تحسن جودة الفيلم السينمائي المستمرة هي ما تجعله معيار الإنتاج العالمي بدون جدال حتى هذه اللحظة ، فالفيلم السينمائي ذا عينة لونية· Color Sub Sampling 4:4:4 و عمق للصورة Depth 10 بت "[2] ، أما الصورة عالية الوضوح في أحسن أحوالها ذات عينة لونية 2:2:4 و عمق 8 بت"[3] ، وهو فرق هائل سواء بالنسبة لحجم بيانات مسح الفيلم أو لتكلفة المُعالجة .
وهو الأمر الذي يُفسر عدم اندفاع هوليوود في استخدام تقنية HD بالرغم من أنها قد سلكت بعض الطرق في مجال صناعة الأفلام ، فنجد في مرحلة مبكرة تعود إلى عام 1989، كشفت شركة Eastman Kodak عن نتائج برنامج طويل الأجل لتطوير نظام ما بعد الإنتاج رقمي Digital –Intermediate(DI). فقدمت الشركة فكرة نظام HD مصمم أساساً بقصد الاستخدام من قبل منتجي أفلام السينما ذو الميزانيات الضخمة، حتى يتمكنوا من توفير أبعاد جديدة للمؤثرات البصرية الخاصة من دون الضرر بجودة الصـورة"[4] .
و مع مرور الوقت و ازدياد التطور التكنولوجي تلاشى تخوف هوليوود السلبي ، وأصبح ثمة تزاوج واضح بين كل من مرحلة DI و التقنية HD ، ويُمكن أن نُلاحظ في :
- فيلم (The rescuers down under)عام 1990 إخراج / Hende) Butoy و Mike Gabriel )،أول فيلم طويل يُصور علي شرائط رقمية و يُطبع بمرحلة DI.
- فيلم (Pleasantville) عام 1998 إخراج / Gary Ross ، أول فيلم يستخدم مرحلة DI ليتم مسحه بالكامل و مُعالجته رقمياً ، وإحداث تدرج لوني بين الأبيض و الأسود و الألوان في كل لقطاته .
- فيلم (OH brother ,where art thou? ) عام 2000 إخراج / Joel Coen ، أول فيلم يصور HD ، ويستخدم مرحلة DI لعمل التدرج اللوني به.
- فيلم (Spider man 2) عام 2004 إخراج / Sam Raimi ، أول فيلم يستخدم مرحلة DI بالكامل .
- ثلاثة أفلام من سلسلة أفلام ( حرب النجوم) ، الأول : فيلم ( Attack of the colnes) ، عام 2002 ، و الثاني فيلم ( Revenge of the sith) عام 2005 ، و الثالث فيلم ( The clone wars) عام 2008 ، إخراج/ جورج لوكاس ، حيث تم تصويرهم بالتقنية عالية الوضوح ، بالإضافة إلى أن معظم أعمال الجرافيك و المؤثرات البصرية قد تم تنفيذها أثناء مرحلة DI)) .
ومما لا شك فيه أن سوق الإنتاج السينمائي المصري قد تأثر بهذا التزاوج أيضا و هو ما يُمكن أن نراه بوضوح في بعض الأفلام مثل :
- فيلم ( أسد و أربع قطط) عام 2007 إخراج / سامح عبد العزيز ، أول فيلم مصري يستخدم في بعض مشاهده التصوير بالكاميرا HD بجانب الكاميرا السينمائية.
- فيلم ( طباخ الريس)عام 2008 إخراج / سعيد حامد ، أول فيلم مصري يستخدم مرحلة DI لعمل التدرج اللوني علي الفيلم بالكامل .
- فيلم ( الوعد ) عام 2008 إخراج / محمد ياسين ، أول فيلم مصري يستخدم خطوات عمل مُثلي لمُعالجة الفيلم بمرحلة DI.
والواقع أن المرحلة الرقمية الوسيطة قد تجاوزت في طرق استخدامها كل التوقعات ، فلم تعد تقتصر علي الأفلام ذات الميزانيات الضخمة ، بل لجأت لها الآن معظم الأفلام المحلية و العالمية ، بل و علي كافة المستويات الإنتاجية ، و هو الأمر الذي دعي الباحثة لدراسة أسلوب العمل بمرحلة المونتاج وتطوه تبعاً لتطور استخدامات المرحلة الرقمية الوسيطة .
قد يري البعض أن مرحلة DI و تطورها هو شأن قائم بذاته ، بعيداً تماماً عن مراحل المونتاج ولا علاقة للمونتير به ، فهي مرحلة تتم بعد استكمال أعمال المونتاج ، فأين تكمن الصلة إذن ؟ ولكن تري الباحثة أن مرحلة DI شديدة الصلة بمرحلة المونتاج ، وهو الأمر الذي يغفله الكثير من العاملين بمرحلة DI نفسها ، حتى أن البعض يظن أن مهمة المونتير قد انتهت بوصول الفيلم لهذه المرحلة ، و هو الظن الذي يُكتشف زيفه سريعاً ، فيحتار العاملين بهذه المرحلة في إنجاز ما هو مطلوب بالتحديد أو يقومون بتنفيذه بطريقة خاطئة ، و تتحدد هذه الصلة بين مرحلة المونتاج و مرحلة DI علي مستويين :
-
المرحلة التحضيرية ( ما قبل مرحلة DI).
-
مرحلة التأكد ( بعد مرحلة DI ) .
و هما مهمتين جديدتين تم إضافتهما لمرحلة المونتاج ولمهام المونتير أيضاً ، ويتوقف نجاح مرحلة DI علي دقة أسلوب العمل بهاتين المرحلتين ، لذا وجب علي الباحثة التعرض في هذه الدراسة لماهية مرحلة DI و مميزاتها ، والطريقة المُثلي المُتبعة لإنجاز الأفلام بها ، بالإضافة إلي طريقة العمل المُتبعة خلال مرحلة المونتاج و دور المونتير في إنجاح هذه المرحلة.
· ويُقصد بها بث إشارات تليفزيونية بوضوح أعلي مما تُتيحه الأشكال المُعتادة (PALوSECAM وNTSC)، و تبلغ عدد النقاط الضوئية في كل كادر1920 ×1080و بنسبة للكادر 16:9 ، ومعدل كادر24 أو 25 أو30 أو50 60 ك/ث ( لمزيد من الإيضاح راجع(صفاء زهير ، أثر استخدام تقنية التليفزيون عالي الوضوح علي مرحلة ما بعد الإنتاج في السينما و التليفزيون رسالة دكتوراة ،المعهد العالي للسينما ، غير منشورة ، 2008 .
· ويُطلق عليه أيضاً Super Hi- Vision ( SHV) ، وقد طور بواسطة شركة NHK اليابانية ، وتكون درجة وضوح الصورة به أكثر 16 مرة من درجة وضوح HDTV ، وعدد النقاط الضوئية به تكون 7680 × 4320 أي أكثر أربع مرات من HDTV ، و بنسبة للكادر 16:9 ، ومعدل كادر 60 ك/ث ، وبسعة نطاق200- 640 ميجاهيرتز /ث ، ومن المتوقع ظهوره في الأسواق عام 2020 .
[1] Fielding .R," Recent electronic innovations in professional motion picture production" Journal of film and Video 336,spring,pp 43-9,2007.
· · و هي ليست بالمرة الأولي في تاريخ الفن السينمائي ، فقد حدث هذا التنبأ مع دخول التليفزيون في الأربعينات ثم مع ظهور التليفزيون المُلون في الخمسينات .
· عينة اللون : وتُشير إلي مُعدل بيانات الألوان Chroma في الصورة بالنسبة لمُعدل بيانات شدة الإضاءة Luminance ، وكلما كان المُعدل أعلي كُلما كانت الألوان و التفاصيل أكثر وضوحاً ، ويتم التعبير عن عينة اللون في الصورة بـ ثلاثة أرقام x:x:x ، حيث يُشير الرقم الأول إلي شدة الإضاءة ، والرقمين الآخرين إلي الألوان ، وفي العادة تكون أما 4:4:4 أو 4:2:2 أو 4:2:0 وفى بعض الأحيان يتكون من أربعة أرقام حيت يُعبر الرقم الرابع عن التفريغ Alpha Channel .
ٍٍSmoodin,E , "Motion Picture and Television" , Focal Press,2009,p48. ٍٍ[2]
[3] Ibid.p55.
[4] Millerson Gerald," Video Editing And Post Production" , McGraw-Hill, U.S.A,2006, p.195
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البحث مرفق في التحميلات في صيغة بي دي إف
ساحة النقاش