<!--

<!-- <!-- [if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif";} </style> <![endif]-->

لقد بدأ صلاح عبد الصبور كتاباته المسرحية بمسرحية مأساة الحلاج التي تناولت حقبة من حياة الحسين بن منصور أحد شيوخ الصوفية ، الذي قتل وصلب ببغداد متهما بالزندقة والكفر مرة وبأنه ثوري مرة أخرى فهو نموذج للمثقف الثوري الذي يطالب بالعدالة للآخرين والذي يسقط في سبيل الفقراء ويهدر دمه بعد أن يترك علامة على الطريق.

   ونجد في مسرحية مأساة الحلاج تأثر واضح بموضوع المخلص ، فالحلاج منذ البدايةيستدعي إلى الأذهان شخصية المسيح بمفهوم العقيدة المسيحية ، حيث يرفع الستار منذ البداية على أيقونة الصليب ويتأكد ذلك من خلال بعض الجمل التي تقال على لسان الحلاج والمأخوذة من الإنجيل على لسان المسيح مثل: " إلي إلي يا فقراء .. يا مرضى كسيري القلب والأعضاء .. قد أنزلت مائدتي إلي إلي" ([1] ) فنحن هنا أمام مجموعة من الأبيات قام من خلالها الكاتب بعملية تناص مع خطاب المسيح في الكتاب المقدس.

كما أن ظلال شخصية المسيح لم تقتصر فقط على الحلاج وإنما تفرد ظلالها على الشخصيات الأخرى بل على الصراع الممتد في النص خاصة من خلال حادثة العشاء الأخير فالشبلي وأتباعه يعطون دلالة إيحائية بيهوذا وأتباعه ، فقد تم تسليم الحلاج للصلب مقابل دينار من ذهب قان في يد كل منهم ، كل ذلك يقوم بدلالة إيحائية تسمح بأن تشير " الشخصية الأسطورية إلى كل عناصر أسطورتها التي لم يتم استخدامها نصيًا"([2] ) .

   إن كل تلك الدلالات التي تحيلنا إلى العقيدة المسيحية المتمثلة في شخصية المسيح تجرنا إلى الموقف اللاهوتي الذي يتخذه كتاب مسرحيات الاستشهاد والقداسة في انجلترا خاصة ت . س . إليوت من خلال مسرحيته " جريمة قتل في الكاتدرائية" ، فهناك نقاط مشتركة متعددة بين توماس بيكيت والحلاج:

1-  كلاهما رجل دين يتسم بالقداسة.

2-  السلطة الحاكمة تقوم بمؤامرة للتخلص منهما.

3- الرغبة الملحة لكليهما في الاستشهاد.

فمثلا يقول مجموعة الصوفية عن الحلاج :" من يقتلني محقق مشيئتي ... ومنفذ إرادة الرحمن ... لأنه يصوغ من تراب رجل فان أسطورة وحكمة وفكرة ...كان يقول إن من يقتلني سيدخل الجنان.. لأنه بسيفه أتم الدورة"([3] )

فبكيت أيضا كان يسعى نحو الاستشهاد بإلحاح ونستطيع أن نكتشف ذلك في أكثر من موضع في المسرحية فمثلا يتحدث أحد الفرسان عن رغبة بيكيت في الموت ، وأنه تفوه بذلك وهو في فرنسا فذكر أمام شهود عيان أنه يرغب في السفر إلى إنجلترا لكي يقتل وقد أتيحت له فرص النجاة فلم يهتم بهاويختتم حديثه مخاطبا الجمهور " وبناء على كل تلك الحقائق التي قدمتها لا تترددوا في الحكم بأنكم أمام حالة انتحار من شخص مريض"([4] ) .

كما نجد عبد الصبور تأثر بإليوت في تكوين الجوقة التي تبوح بأفكار مرتبطة بفكرة تحمل الخطيئة التي حلت على البطل ، فتقول الجوقة في جريمة قتل في الكاتدرائية " إن دم الشهداء وعناء القديسين ، هو إثم نتحمل وزره"([5] ) وتقول الجوقة عند عبد الصبور في خطاب مماثل تمامًا " إنا نحمل دمه في رقبتنا"([6] ). ويتضاعف التأثير أكثر كلما أمضينا في النص لنصل إلى تبرير عملية القتل من القضاة فنجد مثلا الفرسان الأربعة في مسرحية إليوت ليسوا مجرد أفراد ينطلقون من إرادات خاصة بهم وإنما هم أداة لقوة أخرى وهي سلطة الطغيان المادي وكذلك زعم قضاة الحلاج أو بالأحرى اثنين منهم أنهما مجرد أدوات في يد الخليفة .

رغم ذلك التأثير الواضح في مفهوم المخلص الذي رصدناه بالمفهوم المسيحي والممتد في مرجعية إليوت العقائدية والتي تشكل رؤيته للعالم ، إلا أن عبد الصبور لا يستسلم لذلك التأثير ويكون على وعي بطبيعة المادة الخام التي يستمدها واستدعى من خلالها شخصية الحلاج من تاريخ الصوفية ، فنحن بينما نجد الجميع يحتفي باستشهاد إليوت نظرا لتحقيق الخلاص المرتبط بالسعادة التي تنشأ بسببتطهير الخطيئة ويظهر ذلك من خلال التراتيل في المشهد الختامي التي تتحدث عن حكمة شهادة القديسين والمكملة في ذات الوقت للحكمة التي طرحها بيكيت نفسه في موعظته بين الفصلين والتي تتحدث عن حكمة الصلب في العقيدة ويؤكدها الطابع المناسباتي الذي عرض النص في سياقه " كتبت بمناسبة أعياد كانتربري في يونيو 1935 لجمهور من المسيحيين رسميا" ([7] ) ، نرى على النقيض المجموعة التي عاصرت صلب الحلاج تعاني من حالة الندم الشديد والبكاء وهذا مفهوم يختلف جذريا مع النظرة المسيحية والتي تحتفل بالقيامة للروح الإلهية التي تسكن الجسد والمتمثلة في اللاهوت وتقديم الناسوت كقربان أو أضحية طبقا لنظرية الحلول ، وما يؤكد تلك الحالة البكائية النادمة عند عبد الصبور الإرشادة الأخيرة التي يعقبها غلق الستار " يخرجون في خطى ذليلة متباطئة "([8] ) . وهذا ما يجعل هناك حضور واضح لمسرح الاستشهاد في بلاد الفرس المتمثلة في التعازي الشيعية ، ذلك الحضور الذي نستطيع أن نتلمسه على مستويين : الأول ذكر الكاتب لمسرح التعازي في مقولاته النقدية كأحد نماذج مسرح الاستشهاد إضافة إلى أن القاهرة الفاطمية كمدينة نجد الطقوس الشيعية لها أثر واضح في احتفالاتها وجزء رئيسي في تكوين العقلية الشعبية بها والتي تأثر بها الكاتب بالضرورة. أما الثاني مرتبط ببنية نص التعازي والذي نجد بعض ملامحه ظاهرة في مأساة الحلاج ، فنجد الجوقة في مسرحية التعازي آلام الحسين تشعر بالندم والذل بسبب ما اقترفوه من ذنب ، فنجدهم يقولون "أيتها الأيام المشئومة ..يا أيام العذاب .. يا مذاقها مذاق الدم (...) من نبكي وأي من شهدائنا أكثر استحقاقا لدموعنا"([9] ) .

والحسين يتماثل مع الحلاج وبيكيت في رغبتهما في الشهادة ، لكن المثير للدهشة أنه يظهر هذا في مسرحية التعازي في موقف درامي يماثل إلى حد كبير مأساة الحلاج وجريمة قتل في الكاتدرائية ،فالرسول يأتي إلى الحسين ليحذره من إكمال مسيرته لأنهم يبيتون له سوءًا  إلا أن الحسين يصر على الذهاب رغم إدراكه أنه سيلقى حتفه لا محالة " تجنب الكوفة يا أمير الأئمة .. تجنب هذه المدينة المتغيرة ذات النزوب"([10] ) إن تلك الوظيفة التي قام بها الرسول داخل دراما التعازي هي ذاتها التي قام بها إبراهيم بن فاتكالذي أبلغ الحلاج أن رجال السلطة يتعقبونه ويريدون به مضرة وسوءًا لكنه يرفض ذلك ويرى أن رسالته الحقة هي في البقاء على عهده أمام الله والثورة على الظلم.

كما أن الحلاج والحسين تنتابهما الحيرة قبل لقاء المصير الذي اختاروه بإرادتهما ، فكلاهما يسائل ذاته حول مدى صحة هذا الاختيار ، ونرى في تلك المناجاة الذاتية تشابهًا غير عادي في المعنى المطروح وطريقة التفكير كأننا أمام أبعاد درامية لشخصية واحدة فنجد الحلاج يقول : " من حيرة رأيي .. وضلال ظنوني ..يأتي شجوي ، ينسكب أنيني .. هل عاقبني ربي في روحي ويقيني إذ أخفى عني نوره .. أم عن عيني حجبته غيوم الألفاظ المشتبهة والأفكار المشتبهة؟"([11] ) ، أما الحسين فنجده يقول في نفس الموقف الذي وضع فيه الحلاج : " في هذه الساعة البعيدة عن الثبات التي تنقلب فيها الأشياء ، أي اضطراب يمسكك يا نفس ؟ (...) يا نور القرار الصائب .. أنت تتخلى عني بقسوة" ([12] ). كما أن ذات الحيرة يقع فيها بيكيت إليوت بعد إغراء المجربين ، من الواضح أن ثلاثتهم يتفقون في المقدمات إلا أنهم يختلفون في الغايات التي يرغبون في تحقيقها من وراء هذا الاستشهاد رغم أن عبد الصبور يقترب قليلا من غاية الاستشهاد عند الحسين والتي تمثلت في حالة الندم لدى المجموعة.

إن كل تلك العلاقات في مسرحيات الاستشهاد تجعلنا نتساءل عن أسباب هذا التأثير ؟ والذي يمتد من التعازي الفارسية مرورا بإليوت الإنجليزي نهاية بالحلاج في مصر . إن الإجابة تحمل منطقيتها بالنسبة لعبد الصبور ، أما بالنسبة لإليوت فلا يوجد ما يفيد أنه قرأ التعازي أو اضطلع عليها ، وإنما من الممكن أن تكون طبيعة شخصية المخلص ارتبطت بملامح معينة عامة تشكلت في لا وعي هؤلاء الكتاب. وهذا الحديث يجرنا إلى مسرحية أخرى من نفس النوع وتعاملت مع نفس الموضوع والمصدر الذي استمد منه إليوت مسرحية جريمة قتل ، وهي مسرحية بيكيت شرف الله لجان أنوي ، والتي نرى من خلال الملاحظات التحليلية المقارنة أن لها تأثير واضح على مأساة الحلاج رغم عدم وجود أسانيد تاريخية مؤكدة تفيد أن صلاح عبد الصبور قد قرأ هذا النص ، رغم أن عبد الصبور قرأ في الأدب الفرنسي واهتم به خاصة في تحليلاته لأعمال بودلير وتحديدا أزهار الشر ، كما أن عبد الصبور كان مهتما بأثر الثقافة الفرنسية على المجتمع المصري ومقارنتها بأثر الثقافة الإنجليزية وما أفرز عنه ذلك الصراع بين الثقافتين في عقلية المثقف المصري ([13] ) ، لعل كل ذلك إضافة إلى اهتمامه بموضوع المخلص جعله يضلع على النص .

ولعل أهم تأثير يظهر في مأساة الحلاج متعلق ببنية النص ذاته ، فصلاح عبد الصبور استخدم تقنية الفلاش باك ، حيث يبدأ النص والحلاج مصلوب على الشجرة ثم يبدأ الشبلي في استدعائها ليتم الكشف عن المسكوت عنه والذي غلف المسرحية بحالة من حالات الغموض في المشهد الأول ، وأنوي يلجأ هو الآخر لنفس الحيلة فالملك راكع على قبر بيكيت  وفي تلك اللحظات تقع فصول المسرحية الأربعة في جو أشبه بالحلم منه بالحقيقة فالملك يرى أحداث قصته مع بيكيت تمر أمام عينيه وكأنها شريط سينمائي.

وهنا يظهر لنا تأثير آخر مرتبط بثنائية الشخصيات ، فالملك / بيكيت ، تقوم بنفس الوظيفة الدرامية التي تقوم بها ثنائية الشبلي / الحلاج ، فعبد الصبور يجسد مفارقة ناجمة من تباين المواقف بين الشخصيتين ، وبهذا يخرج الصراع من مجرد صراع داخلي في نفس الحلاج بين اعتقاده بصفته صوفيا والتزامه باعتباره مثقف ، إلى صراع بين رؤيتين متمايزتين  ، تنظر كل منهما إلى أحوال الدنيا وقضايا المجتمع من زوايا مختلفة ، ذلك الصراع الذي يصبح عند أنوي بين الملك و بيكيت متمثل في نظرة كل منهما إلى علاقة السياسة بالدين ، كما أن كل طرف من أطراف الثنائية يكلم صاحبه القتيل عن المتاعب التي تسبب فيها اختياره ويعترف بذنبهفنجد الملك هنري يقول " حسنا يا توماس بيكيت ، هل أنت راضٍ؟ ها أنا عريان على قبرك .. ها أنا عريان على قبرك .. أنتظر رهبانك كي يضربونني .. يا لها من نهاية لحكايتنا؟ أنت يصيبك العفن في هذا القبر وفي جسمك آثار من طعنات باروناتي أنا"([14] ) . أما الشبلي نجده يقول " يا صاحبي وحبيبي ( ألم ننهك عن العالمين) فما انتهيت (...) هل يساوي العالم الذي وهبته دمك ؟ "([15] ) . ورغم ذلك التأثير الواضح في وظيفة الثنائية الأولى عند أنوي على عبد الصبور ، إلا أنه يختلف معه في أنه لم يختر الطرف الثاني من السلطة (الملك) وذلك لاختلاف الخطاب الفكري الذي يطرحه عبد الصبور حول مفهوم المثقف الذي يختار أن يكون له دور اجتماعي في توعية المجتمع في مقابل المثقف السلبي الذي يخون وعيه مقابل استمالة السلطة ، وهذا الأمر يختلف كثيرا عن خطاب أنوي الذي يقترب من رؤى الفلسفة الوجودية والتي ترى من سلطة الملك - ومستوياتها الرأسية - أداة لسلب الإنسان حريته في اختيار ماهيته ، فالقضية عند أنوي ليست قضية دينية بقدر ما هي قضية وجودية مرتبطة بشرف الكلمة التي اختارها بيكيت وتحمل مسئوليتها والتزم بها حتى النهاية ، وما يؤكد هذا البعد التركيز على مؤامرة السلطة في النهاية واستخدامها للدين كستار لتترسخ منظومة البناء المجتمعي في أن تكون السلطة في أيدي حزب دون الآخر الذي يتم استعباده.

كما تظهر ثنائية أخرى نجد صداها في نص الحلاج متمثلة في بيكيت / الراهب الصغير عند أنوي ، و الحلاج /السجين الثاني عند عبد الصبور ، تلك الثنائية التي تطرح ثنائية فكرية متمثلة في الكلمة / القوة ، فكل من الحلاج وبيكيت يتسلح بالكلمات ، أما الراهب الصغير والسجين الثاني يؤمن بقيمة القوة في مواجهة السلطة ، فنجد طوال الوقت الراهب الصغير ممسكا بسكينه ، أما السجين يسخر من كلمات الحلاج لأنها بلا جدوى ولا تصنع شيئًا.

كما أن كلا الكاتبين يشتركان في إظهار الجانب الاجتماعي من خلال القهر والظلم التي تقوم به السلطة والتي تتطلب مواجهتها ، لكن بأي طريقة يتم مواجهتها؟ وهي الحيرة التي وقع فيها الحلاج بين السيف والكلمة ، وهنا يظهر نيتشة وأفكاره الذي يسائل المسيح المتسامح السلبي العاجز عن التغيير بالقوة لهذا هو في انتظار نبي آخر من بني البشر إنسان غير عادي يستخدم القوة ، فعبد الصبور يطرح أفكار نيتشة محلا للنقاش في نفس البطل وأفكار المحيطين به من عامة الشعب ، ولعل هذا الجدل يلائم أكثر الدراما في تشكيل البطل ، لهذا نجد تماس بين الحلاج ورزرادشت في هكذا تكلم زرادشت ويختلف عن بيكيت تماما ، فهذا الأخير ينتقل من عالم الترف والرفاهية إلى الخلوة والتقرب من الله التي جعلت منه قديسا يضحي بحياته مقابل خلاص البشرية ، أما زرادشت والحلاج يتركان خلوتهما ليهبطا إلى الناس ، وينشرا تعاليمهما بشكل إيجابي في تحريض العامة ، والوقوف ضد الظلم ، والدفاع عن الفـقراء والمظلومين والجوعى جمع الأنصار .


خاتمة

رغم كل تلك التأثيرات في موضوع المخلص على عبد الصبور من خلال مسرحيته مأساة الحلاج ، إلا أن عبد الصبور يمتلك من الأصالة التي جعلته يصنع عملا فريدًا استطاع أن يتجاوز كل المؤثرات حول هذ الموضوع ، وتظهر أصالة عبد الصبور في :

أولا: محاولة عبد الصبور في التفكير في مدى إمكانية صناعة بطل تراجيدي بمفاهيم العقيدة الإسلامية بشكل عام والطريقة الصوفية بشكل خاص والتي تشكل مرجعية البطل ، مستفيدا من تنظيرات أرسطو فنجده يقول : بطل.. وسقطته ، هذه  هي مسرحيتي ، والسقطة سقطة تراجيدية كما فهمتها عن أرسطو ، نتيجة لخطأ لم يرتكبه البطل ، ولكنه في تركيبه ، وباعث الخطأ هو الغرور وعدم التوسط . وسقطة الحلاج هي مشهد البوح بعلاقته الحميمة بالله ، وباعثه هو الزهو بما نال ، وهو حين  ارتكب هذه السقطة أباح للناس دمه ، بل و  أباح  دمه إذ أفشى سر الصحبة ، فسقطت مروءته أمام الله " ([16] ) . وكما هو واضح في كلام عبد الصبور أن الـــــ Hamartia  التي تقود البطل التراجيدي إلى حتفه عند الحلاج متمثلة في البوح الذي لا يجوز أن يحدث حسب الأعراف الصوفية ، وهنا تظهر خصوصية عبد الصبور ، فمشيئة الله التي تتوحد مع مبدأ قتل بيكيت إليوت تتخلى عن الحلاج بسبب البوح لذا يصلب في النهاية ، كما أنه يختلف عن حسين التعازي - الذي يرى في الشهادة جزء من إرادة الله لحماية أمة الإسلام من الصراعات والتي لا تخرج عن النطاق والأهداف الدينية- في التحول من حال إلى حال والذي جعل من الحلاج يتجاوز الاعتدال، فعبد الصبور يرسم ملامح المخلص بشكل يتلاءم معطبيعة الشخصية المطروحة.

ثانيا: إضافة البعد الاجتماعي الإيجابي والفاعل لشخصية الحلاج المخلص والذي يمثل المثقف المصري والتي تجعل منه مثقفا وفنانا صاحب موقف ، وهذا ما جعل مأساة الحلاج تناقش العديد من القضايا المعاصرة ، ولعل أهمها فكرة البطل الفرد ومساءلته ، والتي انشغل المثقفين في مصر مناقشتها خاصة بعد نكسة 67 والتي انكسر بسببها المجتمع بالكامل. إن ذلك البعد الاجتماعي الواضح في الحلاج نجده يظهر على استحياء في مسرحيات الاستشهاد والقداسة بسبب طابعها المناسباتي ، ورغم أن هذا الجانب الاجتماعي نجده موجود عند أنوي إلا أن عبد الصبور خلق منه خصوصية مرتبطة بالواقع المصري.

 

 

بقلم / خالد رسلان



[1] - مأساة الحلاج: ص 497.

[2] - أوبراسفيلد ، آن: "قراءة المسرح" – ت: مي التلمساني – وزارة الثقافة – مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي – 1994 – ص 152.

[3] -صلاح عبد الصبور : مأساة الحلاج – مرجع سابق – ص458.

[4] -إليوت .ت.س : جريمة قتل في الكاتدرائية – المجلس الوطني للثقافة والفنون- الكويت –سلسلة المسرح العالمي- ع 148-ص130.

[5] - المرجع نفسه - ص136.

[6] - صلاح عبد الصبور – مأساة الحلاج – مرجع سابق- ص454.

[7] - فرجسون ، فرنسيس : فكرة المسرح – ت: جلال العشري – الهيئة العامة المصرية للكتاب – القاهرة – 1987 – ص355.

[8] - صلاح عبد الصبور – مأساة الحلاج – مرجع سابق- ص601.

[9] - شهاديت ، جونح : " آلام الحسين " – في (عزيزة ، محمد : " الإسلام والمسرح " – ت : رفيق الصبان – الهيئة العامة المصرية للكتاب – القاهرة- 1997- ص 102.

[10] - شهاديت ، جونح : " آلام الحسين " – المرجع نفسه -  ص 103.

[11] - صلاح عبد الصبور – مأساة الحلاج – مرجع سابق- ص564.

[12] - شهاديت ، جونح : " آلام الحسين " – مرجع سابق – ص 104.

[13] - أنظر : صلاح عبد الصبور : "قصة الضمير المصري الحديث" – اتحاد الإذاعة والتلفزيون – سلسلة الإذاعة والتلفزيون – القاهرة - 2003.

[14] - أنوي ، جان : " أنوي أو شرف الله" – ترجمة : سعد مكاوي – مسرحيات عالمية – ع 22 – هيئة الإذاعة والمسرح والموسيقى – القاهرة – 1966 – ص 51.

[15] - صلاح عبد الصبور – مأساة الحلاج – مرجع سابق- ص461.

[16] -صلاح عبد الصبور: حياتي في الشعر-. ص 217،218.

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,857,494