<!--
<!-- <!-- [if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:SimSun; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
ما أن يتقدم شاب (أو فتاة) لاختبارات قسم التمثيل و الإخراج المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية حتى يطلب منه بشكل مباشر أن يقوم بأداء مقاطع من مشهدين أولهما بالفصحى و الأخر بالعامية. لا يثير ذلك الطلب (العادي) أي أحساس بالتناقض أو المفارقة فلقد تشكل وعبر تاريخ المسرح المصري يقين بأن هناك مستويات من اللغة تتناسب و طبيعة وقيمة العمل الفني المقدم.. فالأعمال المسرحية الكبرى المترجمة تستخدم الفصحى وكذلك المسرحيات الشعرية و بعض نصوص كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم توفيق الحكيم ومحمود دياب... الخ.. وجميعها نصوص تحظي باحترام و تقدير نقدي واسع.. بل ويتم محاسبة الممثل على قدرته على استخدام الفصحى بشكل سليم في أداها للحد الذي يجعل من الناقد في بعض الأحيان يحتل مكانة المصحح اللغوي و الحارس الأمين للغة المقدسة .
في المقابل تأتي الأعمال المكتوبة بالعامية لتحتل مكانة إشكالية فنجد مستويات متعددة لاستخداماتها بداية بنصوص ميخائيل رومان التي تبرز فيها عامية المثقفين المطعمة بمفردات من الفصحى (ويمكن أن نضم إلي ذلك المستوي الكثير من نصوص مسرح التسعينيات وبداية الألفية) .. مروراً بنصوص نجيب سرور وبقية تيار المسرح الشعبي التي تتعامل مع العاميات المصرية غير القاهرية كعنصر مركزي في رحلتها لكشف وتأصيل الظاهرة المسرحية المصرية و العربية... ومن مداخل شبيه ينطلق المسرح الواقعي عند نعمان عاشور ومن سار على دربه... وأخيراً المسرح التجاري المندثر الذي كان يتبنى عامية توصف من قبل النقاد بالابتذال و الفجاجة والتي تتماس مع لغة الشارع وتتبني مفردات حرفي القاهرة و هامش المدنية.
ولكن لنحاول الآن أجتراح ذلك العادي و المألوف من جديد .... واكتشاف المناطق الأكثر ضبابية في تاريخ وواقع المسرح المصري التي دفعت بكاتب مثل (ألفريد فرج) إلي أن يخط الكثير من نصوصه المسرحية مرتين الأولي بالفصحى و هي النسخة التي يتم اعتمادها بشكل أساسي عند طباعة النص و الثانية هي نسخة العرض التي تستخدم العامية .. وكذلك ما أطلق عليه توفيق الحكيم اللغة الثالثة .
ولكن من أين يمكننا أن نبدأ ؟! فنحن أمام أرض ملية بالشواهد و التناقضات والطبقات والمتراصة التي يمكننا أن نقف في أي نقطة منها لنبدأ في التنقيب .. لكن لا شيء مؤكد ولا شيء مضمون العواقب أو النتائج فهي أرض زلقة ولميئة بالفخاخ.
ولكن كبداية لنعد إلي يعقوب صنوع صاحب اقدم النصوص المتعرف بها نقدياً كنصوص مكتوبة وفقاً لما نطلقه عليه باطمئنان مسرحاً .. دون قلق الغرق في التخوم التي يتداخل فيها فن المسرح بشكله الغربي مع الظواهر المسرحية (أو قبل المسرحية) لنجد نصوصاً مكتوبة بعامية القاهرة في القرن التاسع عشر وخليط من الشخصيات المختلفة الأصول العرقية والطبقية (خواجات .. نوبيين (برابرة).. خدم .. تجار .. سادة..الخ).. ليصبح التساؤل البسيط عن السبب الذي دفع يعقوب صنوع اليهودي المصري المنتمي للطبقة الوسطي لاستخدم العامية في تقديم ذلك الفن المسرحي المستورد .. ولماذا لم يستخدم الفصحى مثل سلفه (مارون النقاش)؟
تأتي الإجابات متنوعة لتغرقنا في سيل من التفاصيل.. أولها متعلق بطبيعة الدور الذي يراه صنوع و جيله من أبناء الطبقة المتوسطة لنفسهم في نشر الحضارة الغربية التي كانت تمثل قاطرة التقدم في ذلك العصر .. أنهم أبناء الطبقة الوسطي الذين يحملون لواء التطوير عبر المسرح و الشعر والصحافة الشعبية.. وبالتالي فإن التماس مع الذوق العام للجمهور كان أمراً ضرورياً.. وذلك عبر استخدام لغته ومفرداته وأساليبه في التعبير لتحقيق ذلك الهدف المنشود وهو تحقيق جماهيرية لذلك الفن الغربي وتحويله إلي أحد قاطرات التقدم و التطوير و العصرنة للمجتمع من ناحية وتأصيل الظاهرة المسرحية من ناحية أخرى.
قد تبدو الإجابة كافية أو شافية إذا ما وضعنا نصوص صنوع في سياقها التاريخي والتقني الذي كان يجعلها امتداد لتراث طويل من النمر و المشاهد التمثيلية التي كانت تقدم في شوارع و أزقة القاهرة و المدن الكبرى و الموالد.
ولكن ذلك العصر شهد (أيضاً) إعادة بعث للغة العربية و للثقافة العربية كمصدر للأصالة والهوية فنجد أبو خليل القباني والنقاش يستخدمان الفصحى في مسارحهم بل ويقرن مارون النقاش في تقديمه الأول مسرحياته بين المسرح كأداة للتمدين و بين الفصحى أو ما نطلق عليه اليوم ببساطة الأصالة والمعاصرة
" بهذه المراسح تتكشف عيوب البشر فيتيقن البينة ويكون منها على حذر، وعدا اكتساب الناس منها التأديب ، ورشفهم رضاب النصائح ، والتمدن و التهذيب ، فأنهم بالوقت ذاته يتعلمون ألفاظاً فصيحة ، ويغتنمون معاني رجيحة ... "
إن ذلك التأكيد على الطابع الأخلاقي ينساب كحاملة للتمدن و التهذيب و ترسيخ اللغة الفصيحة.. وهو ما يجعلنا أمام أول ظهور تاريخي - في مجال المسرح – للنظرة الدونية للعامية كدالة على الانحطاط الأخلاقي وانعدام التمدن والثقافة.. وأن دور المسرح هو تقديم الفرصة للجمهور للترقي والتمدن الذي يرتبط بالغرب من ،وكذلك ترسيخ علاقتهم بثقافتهم العربية الأصيلة التي تمكنهم التواصل مع عمق وجوهر حضارتهم حتى لا يتم جرفهم أمام تقدم قيم التقدم والتمدن و العصرنة التي ترتبط بالغرب (المتقدم / الحضاري / الاستعماري / العدو / المثال / النقيض) .
فالمسرح هنا يتحول إلي مقابل للتعليم في أدواره كرافعة طبقية و تدعيم الطبقة الوسطي التي كانت تتشكل في ذلك الوقت عبر الارتباط المزدوج(الغرب/الشرق).
ولكن - بالعودة إلي يعقوب صنوع – ألا يصبح من المنطقي أن يتعرض ذلك المنطق القائم على التواصل مع الجماهير العريضة عبر العامية لضربات عميقة و قاسية توسع من دائرة التساؤلات .
ألا يكون من الطبيعي التوقف أمام يعقوب صنوع كأحد حملة ما نطلق عليه القومية المصرية المبكرة في مقابل الهوية القومية العربية أو الأممية الإسلامية ؟! ربما يتعرض ذلك الطرح للتشكيك عبر تاريخ علاقة صنوع المعقدة مع السلطان العثماني ودعمه لارتباط مصر بالدولة العثمانية كولاية.
ولكن لنستكمل الطريق لنهايته .. فإن الطبقة الوسطي الناشئة في مصر قد أنتجت العديد من النماذج المسرحية التي تدعم تلك التوجهات (بديع خيري وسيد درويش ونجيب الريحاني) وهي النماذج التي قامت بالاستفادة من التراث الشعبي ولغة الحارة القاهرية كرافعة لمشروعها الذي يمكن ربطه بسهولة مع مشروع الطبقة الوسطي الوطني .
لكننا إذا سرنا وفق هذا التحليل الأخير فإننا نقع في أزمة.. لأننا نفترض بشكل واضح وغير قابل للجدل أن المسرح المصري المعاصر يمتلك هوية مزدوجة قوامها (تيار قومي عروبي يصر على ارتباط المسرح بالفصحى كدرع ضد عمليات التغريب و مصدر للارتباط بالأصول الثقافية العروبية والإسلامية ) وذلك في مقابل (تيار مسرحي وطني يهدف لذات الأهداف ولكن مع تغير طفيف ولكنه عميق في تحديد الأصول بحيث تصبح الثقافة الوطنية و اللهجات المصرية هي الحامل للعلاقة مع الأصول) وفي الحالتين فإن طبقة الوسطي هي الحامل لتلك المشاريع .. وهو أمر يشي ببعض التناقض خاصة عندما ننظر في تاريخ المسرح المصري الذي يدمج بين المشروعين أحياناً.
إننا في بداية الطريق إذاً.
محمد مسعد
ساحة النقاش