authentication required

 

  نلقي اليوم عزيزي القارئ الأضواء على حياة وأعمال بعض كبار الموسيقيين المصريين, الذين أسهموا بفنهم في أثراء الحياة الموسيقية المصرية والعربية. ونرتب نجومنا- موضوع حديثنا اليوم- وفقا لترتيب الحروف الأبجدية لأسمائهم.

 صلاح عرّام

  ونبدأ بالتعرف على حياة عازف الكمان وقائد الفرقة الذهبية, الفنان المعروف صلاح عرًّام الذي ولد بحي الجمالية بمدينة القاهرة في الثامن والعشرين من نوفمبر 1928. ونشأ نشأة دينية, والتحق بكُتًّاب باب الشعرية, ثم بدأ تعليمه الابتدائي بمدرسة الجمًّالية, حتى السنة الثالثة الابتدائية, وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية, تركت الأسرة القاهرة إلى بلدتهم ( إخميم, بنجع أبو عرًّام). حيث عاشوا هناك بعض الوقت, وهناك التحق صلاح عرًّام بمدرسة إخميم الابتدائية. وفي عام 1940 عادت الأسرة إلى مدينة القاهرة, وعاشوا في حي شبرا, حيث كان والده يعمل في سكرتارية مجلس النواب. والتحق عرّام بمدرسة الأمير فاروق الابتدائية (وهي مدرسة الترعة البولاقية الابتدائية حاليا) وحصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1942. ونظراً لأن صلاح عرًام كان الابن الوحيد لأبويه, فلم يحصل على مجانية التعليم برغم حصوله على مجموع متقدم في الشهادة الابتدائية. ولكن والده لجأ إلى صديقه وزمليه- أثناء درسته بالأزهر- الدكتور طه حسين, الذي كان آنذاك مستشاراً لوزارة المعارف. وحصل صلاح عرًّام على المجانية, والتحق بمدرسة الأمير فاروق الثانوية (حاليا مدرسة روض الفرج الثانوية) . وفي تلك المدرسة جذبه النشاط الفني, فانضم إلى فريق التمثيل الذي كان يشرف عليه الممثل  المعروف أحمد عَلِّام. وكان يقوم بأدوار ثانوية, وبدأ يهمل في دراسته. وفي تلك الفترة تعرف صلاح عرِّام على جاره الفنان بليغ حمدي. واشتريا آلتا العود, وبدا يتعلمان عزفهما سرا, في فيلا أسرة الفنان بليغ حمدي, على يد أستاذ كان يتقاضى منهما عشرة قروش في الحصة. ثم تعرف على شاب يدعى (عاطف نصّار) – وهو حاليا يعمل طبيبا في أمريكا – وكان يعزف آلة الكمان بشكل جيد. وفي عام 1949 تكوِّن في مدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا نادي للنشاط الصيفي للطلاب, وكان يشرف عليه الفنان المعروف يوسف عوف, فانضم إليه الأصدقاء الثلاثة. وكان عاطف نصّار يعزف آلة الكمان وصلاح عرّام يعزف آلة العود,  بينما كان بليغ حمدي يقوم بالغناء, كما كان عرّام يلقي بعض المونولوجات. ونتيجة لذلك النشاط الفني تِعًّثر صلاح عرًّام في دراسته الثانوية ورسب عدة مرات, ولكنه انتهى منها بعد جهد عام 1952, ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة إبراهيم (عين شمس حاليا), وفيها أنضم لفريق التمثيل وأصبح رئيسا له. وفي أول عهد ثورة 23 يوليو 1952, أقيمت المسابقات بين فرق التمثيل بالجامعة. وفي تلك المسابقات فاز صلاح عرّام بميدالية ذهبية وكان ذلك حوالي عام 1953. وفي نفس الوقت التحق سرًّا بقسم النقد بمعهد الفنون المسرحية –الذي كانت الدراسة فيه مسائية- وكان الفنان محمد حسن الشجاعي يُدرس له الموسيقا في المعهد.

-         كيف علم والده بنشاطه الفني؟

  حدث أن أعلن الأستاذ / أحمد طاهر, المشرف على برامج المنوعات بالإذاعة المصرية آنذاك, عن إن الإذاعة ستقدم نشاطا لهواة الفنون في برنامج بعنوان (ركن الهواة). وتقدمت عدة فرق موسيقية للإذاعة. فقام صلاح عرّام بجمع أصدقائه الذين كانوا يشتركون معه بالعزف في الحفلات, ونذكر منهم ( عاطف نصّار- ميشيل المصري- حسن أنور- محمود عفت). وتقدموا كفرقة. للامتحان بالإذاعة, وكانت اللجنة الممتحنة مكونة من الفنانين: عبد الحميد عبد الرحمن- على فرًّاج- محمد حسن الشجاعي- وآخرين. وبعد أن نجحت الفرقة دخل لهم في الأستوديو الفنان محمد حسن الشجاعي وسألهم من رئيس هذه الفرقة؟ فلم يرد أحد , لأنهم كانوا مجموعة من الأصدقاء جمعهم حب الموسيقا, ليس فيهم رئيس ولا مرءوس. فنظر إليهم ثم أتجه ببصره ناحية صلاح عرًّام قال له" أنت تبقى رئيس الفرقة", فرد عرّام (لا..لا..أبويا يغضب مني) فقال له الشجاعي "لماذا يغضب منك.. لا تخشى شيئا". وربما كان اختياره له يرجع إلى أن شكله كان مألوفا لديه باعتباره طالب في معهد الفنون المسرحية. وترك الجميع عناوينهم. وبعد حوالي عشرين يوما, فوجئ صلاح عرّام بوصول خطاب مسجل من الإذاعة يطلب منه الحضور مع فرقته لتسجيل برنامج (ركن الهواة) الجديد. فذهب مع زملائه وسجلوا البرنامج وانصرفوا. وفي شهر رمضان المعظم من ذلك العام (1954), وبينما صلاح عرّام يتناول طعام الإفطار مع أسرته, وهم يسمعون إذاعة البرنامج العام بالقاهرة, أعلن المذيع عن تقديم فرقة موسيقية جديدة. وبعد إذاعة الفوازير, قال المذيع " والآن نقدم لكم البرنامج الجديد (ركن الهواة) تقديم أحمد طاهر وديمتري لوقا بمصاحبة الفرقة الموسيقية الجديدة بقيادة صلاح عرّام" وهنا نظر إليه والده وسأله "أنت لم تخبرني بشيء من هذا؟ " فرد صلاح بسرعة قائلا" أبدا هذه فرقة تابعة للكلية وطلبوا منا العزف في الإذاعة" فعقب الوالد قائلا:" أعطني فكرة, لكي تستطيع أن تنظم وقتك" وبهذا خرج صلاح عرّام من هذا الموقف الحرج, ولكنه لاحظ إن والده كان سعيدًا بنجاحه. وفي حوالي منتصف عام 1954, أقيمت حفلات أعياد التحرير بحديقة الأندلس بالقاهرة, وكان المشرف على تلك الحفلات الفنان يوسف عوف. فاستعان بفرقة صلاح عرّام, الذي أطلق عليها اسم "الفرقة الذهبية". وزادت شهرتهم مع اشتراكهم في تلك الحفلات. وعندما اندلعت حرب السويس عام 1956 اشتركت الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرّام, في التسجيلات التي تمت في الإذاعة المصرية لأغاني الحرب الحماسية في ذلك الوقت. وفي تلك الفترة بدأ ظهور برنامج (ساعة لقلبك) الذي كان يقدمه الإذاعي المعروف فهمي عمر. وقام الفنان على إسماعيل باختيار بليغ حمدي ليغني مقدمة البرنامج (التيتر), واستعان بفرقة صلاح عرّام لعزف فقرات البرنامج. وبذلك انتظمت الفرقة في عملها ببرنامجي (ركن الهواة) و (ساعة لقلبك). وكان للفنانة فايدة كامل دورها الكبير في دخول الفرقة للمجالات الرسمية المختلفة , خاصة بعد نجاح أغنيتها ( عاد السلام يا نيل) التي غنتها بعد حرب عام 1956, بمصاحبة الفرقة. وفي تلك الفترة احترف أعضاء الفرقة واهتموا بالبحث عن المكسب المادي الأكبر, فتفككت الفرقة. عندها قام الفنان ( سيد محمد) بدعوة صلاح عرّام لعزف الكمان في فرقته وإدارتها في نفس الوقت لما كان له من خبرة في هذا المجال. وفي عام 1957 بدأت حفلات (أضواء المدينة) التي كانت تقيمها الإذاعة المصرية. وبعد أن أشترك عرّام في أول حفلة وكانت في مدينة طنطا. عاد إلى القاهرة وصمم على أن يعيد تكوين فرقته, ولكن بصورة جديدة تمكنه من تلاقي أخطاء الماضي. والجدير بالذكر انه في تلك الفترة كانت هناك فرقتي (سيد محمد) و( عبد الفتاح منسي) باعتبارهما الأكبر سنا, كانت لهما مكانتهما في الحياة الموسيقية في مصر, ولكن بظهور الفنان عبد الحليم حافظ انقلبت كل الموازين, واحتلت الفرقة الماسية بقيادة الفنان أحمد فؤاد حسن, مكان الصدارة وصاحبت الفنان عبد الحليم حافظ, بينما قامت الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرّام بمصاحبة الفنانة فايدة كامل, في حفلاتها بالنوادي نظراً لأن تكلفتهم المادية كانت أقل. كما عملت الفرقة في تلك الفترة أيضاً مع الفنانين: سعاد محمد , ومحمد عبد المطلب, وعباس البليدي. وكانت الفرق الموسيقية حتى ذلك الوقت تحفظ الألحان عن طريق تكرارها أثناء التدريبات, فكان حفظ الألحان عن ظهر قلب هو الطابع المميز لأداء الفرق الموسيقية حتى تلك الفترة. ولكن عندما أنشئ التليفزيون المصري عام 1960, تغير أسلوب العمل في الفرق الموسيقية, التي كان مطلوب منها تسجيل عدد كبير من الأعمال أسبوعيا. فاضطرت الفرق إلى تدوين موسيقا تلك الأعمال وقراءتها من المدونات مباشرة, وتوفيراً للوقت, ولملاحقة السرعة المطلوبة في أنجاز الأعمال. وهذا هو ما فعله الفنان صلاح عرّام في فرقته. والجدير بالذكر أنه يتفق مع الكثيرون في إن إدخال الآلات الموسيقية التي تعمل بالكهرباء في فرق الموسيقا العربية قد أضرت كثيراً بطابع الموسيقا العربية, بسبب سوء استخدامها في أغلب الأحيان. وقد زار الفنان صلاح عرّام وفرقته معظم دول العالم.

  فزار كل الدول العربية والدول الأوروبية وبعض البلاد الأفريقية, كما زار الولايات المتحدة الأمريكية مرتين, وفي كل مرة طاف مع فرقته كل الولايات في جولات فنية, كما زار استراليا. وقد صاحبت الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرّام الكثير من الفنانين والفنانات المصريين والعرب. وهو حاليا وكيلا لنقابة الموسيقيين المصريين. وقد كتب عدداً من المقطوعات الموسيقية نذكر منها ( ليلة حلوة- فرحة- مسا الجمال- فكرة- لعبة).

عبد الحكم عبد الرحمن

  والشخصي الثانية التي نتعرف عليها هو عازف الكونتراباص والمؤلف الموسيقي عبد الحكم عبد الرحمن الذي ولد في أول سبتمبر عام 1923, بمحافظة القليوبية. وكان والده الشيخ (محمد عبد الرحمن البجيرمي) من علماء الأزهر, كما كان شقيقه الأكبر هاويا للموسيقا ودرسها سرًّا دون علم والده. فكان يعزف العود, وصديقا لعدد من الفنانين. فأحب عبد الحكم عبد الرحمن الموسيقا وعشقها, وأراد أن يتعلمها, خاصة وأنه كان يرى عازفي الأوركسترا السيمفوني العسكري بزيهم المزركش فينبهر بهم ويتمنى أن يصبح مثلهم. وبمجرد أن فاتح والده في الأمر قوبل طلبه بالرفض الفوري والقاطع. فاحتال على الأمر عندما علم بأن (ياور) الملك يصلي خلف والده في المسجد, ويستمع إلى الدرس الذي يلقيه. فكلّمه عبد الحكم, ذات يوم عقب الصلاة, وأبدى رغبته الشديدة في تعلم الموسيقا بالأوركسترا العسكري, وتمنعه معارضة والده. فما كان من ذلك الرجل الطيب إلا أن أقنع الشيخ بأهمية ورُقيّ هذا العمل. بالفعل ألتحق الفنان عبد الحكم عبد الرحمن بالأوركسترا العسكري. وفي البداية طلبوا منه أن يتعلم عزف آلة الترومبون النحاسية, ولكنه كان يرغب في تعلم عزف آلة التشيللو, وبالفعل تم له ما أراد, فدرسها لمدة خمس سنوات, أتيح له خلالها أن يتعلم على أعظم الأساتذة الايطاليين في مصر آنذاك (بُونشي) و(جراسيمو), ومن المصريين درس على يد كل من:( عبد الشافي خليل) و(محمود عبد الرحمن).

  ثم بدأ بعض عازفي الأوركسترا في الاستقالة بعد أن أمضوا فترة التطوع الإجبارية وهي خمس سنوات.  فطلب مدير موسيقيات الجيش, الفنان (عبد الحميد عبد الرحمن) من عبد الحكم عبد الرحمن أن يتدرب على عزف آلة الكونتراباص, لأنهم سوف يحتاجون إليها في القريب. ونظرا لقربهم من آلة التشيللو, فقد ساعده ذلك على أن يتعلمها بسرعة. فأتقن عزفها حتى أن الفنان (عبد الحميد عبد الرحمن) كان يستعين به كعازف كونتراباص في أداء الموسيقا التصويرية التي كان يكتبها للأفلام المصرية آنذاك. وفي عام 1947 إفتتح المعهد العالي للموسيقا المسرحية, فالتحق به الفنان عبد الحكم عبد الرحمن وتخرج فيه عام 1950. وبمجرد تخرجه أُرسل له خطاب تعيين ليعمل مدرسا بوزارة المعارف, فاستقال من عمله في الاوركسترا السيمفوني العسكري, وتسلم عمله الجديد. وفي العام التالي أنشئت فرقة موسيقا الإذاعة, فعمل بها عبد الحكم عبد الرحمن كعازف لآلة الكونتراباص لمدة تسع سنوات وبعد التحاقه بالفرقة بفترة تم اختياره ضمن بعض العازفين المهرة للعمل في أوركسترا الإذاعة السيمفوني مع القائد الأجنبي (فرانز ليتشاور), وأثبت عبد الحكم عبد الرحمن كفاءة فنية جعلت القائد يرتبه العازف الثاني بين أثني عشر عازفا لآلة الكونتراباص في الاوركسترا. ووقف عبد الحكم عبد الرحمن بجوار أستاذه, وتخطى كل العازفين الأجانب. وخلال تلك الفترة اكتسب خبرة كبيرة في الممارسة العملية للعزف بين الأساتذة وتحت قيادة مدرب قدير. ثم تكونت الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن, فكان عبد الحكم عبد الرحمن من بين مؤسسيها الأوائل. وقد بدأت الفرقة بمجموعة من الزملاء خريجي المعهد العالي للموسيقا المسرحية. وأحرزت الفرقة نجاحا بعد آخر حتى أصبحت الفرقة الأولى في مصر. وكما هو معروف فإن الفرقة الماسية قد صاحبت نجوم الغناء في مصر والعالم العربي, وعلى رأسهم الفنان الكبير محمد عبد الوهاب, والفنان القدير عبد الحليم حافظ, ومن المغنيات نذكر كلا من: شادية- فايزة أحمد- وردة- نجاة. وبالإضافة إلى عمل عبد الحكم عبد الرحمن كعازف بارع لآلة الكونتراباص, فإنه قد عمل أيضا أستاذا لها في المعهد العالي للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون بالقاهرة. كما قام بالتعاون مع زميله (مجدي بولس) عازف التشيللو المعروف بوضع منهج لعزف الموسيقا العربية بآلة الكونتراباص, وأخيرا فإن عبد الحكم عبد الرحمن قد كتب عدداً من المقطوعات الموسيقية نذكر منها: ( دعاء الروح- رحلة- أوهام- من قلبي- أيام- حلوة يا بلدي- وداع- بنت الحته- ليالي الأقصر- سماح).

عبد الفتاح منسى

  بعد ذلك نتعرف على حياة واحد من الشخصيات البارزة التي كان لها آثارها الإيجابية الواضحة في حياتنا الموسيقية ذلك هو عازف القانون الراحل ( عبد الفتاح منسى), الذي أطلق عليه الفنان الكبير محمد عبد الوهاب لقب (الأسطول) تقديراً لقدراته الفنية المتميزة. ولد عبد الفتاح منسى بمدينة القاهرة في الخامس والعشرين من يوليو 1924. وكان والده عبد الوهاب منسى من كبار عازفي العود كما كان مطربا, ومعاصرا لمنيرة المهدية وجيلها. وهو شقيق عازف الكمان البارع الراحل أنور منسى. وقد أحبًّ عبد الفتاح منسى آلة القانون وعمره ست سنوات. ونظراً لأن والده كان يعزف على آلة العود, فهو لم يكن يعرف- آنذاك- شكل آلة القانون, ولكن كان من المعتاد في تلك الأيام أن يمر بعض البائعين المتجولين ويستبدلون أي سلعة معهم بزجاجة فارغة. وكانت أسرة منسى تسكن في ذلك الوقت بحي الموسكي, وعندما كان يمر أحد هؤلاء البائعين كان الصغير عبد الفتاح منسى يسرع ومعه زجاجة ليستبدلها بإحدى الآلات الموسيقية التي مع الرجل, وكان يختار قطعة من الخشب مشدود عليها ثلاثة أو أربعة أسلاك, وتشبه في شكلها آلة القانون, وكان شقيقه أنور منسى يختار آلة بسيطة تشبه الربابة ولها وتر واحد. ويظل عبد الفتاح يلهو بلعبته حتى تتقطع أسلاكها, وعندئذ أدرك والده- بحكم خبرته- حبه لآلة القانون, فاشترى له آلة قانون تركي صغيرة (ثلث) لتناسب سنه. ثم ألحقه هو وشقيقه أنور بمعهد الاتحاد الموسيقي الذي كان قد أفتتحه الفنان إبراهيم شفيق بشارع حسن الأكبر بحي عابدين بالقاهرة. وهناك درس عبد الفتاح منسى على يد عدد من كبار الأساتذة نذكر منهم: (عبده العراقي- محمود المحلاوي- إبراهيم شفيق). وبعد أن انتهى من دراسته وتمكن من عزف آلة القانون, قام عبد الفتاح منسى بدراسة عزف آلة البيانو دراسة جادة لمدة خمس سنوات متوالية على أستاذ روسي يدعى (تشير نيفسكي) كان يعيش في مصر آنذاك, كما درس على الأستاذ المعروف (تيجرهان). وفي هذه الناحية حاول الفنان عبد الفتاح منسى أن يستفيد من أسلوب عزف البيانو, في تطوير العزف على آلة القانون العربية, ولذلك فقد تميز عزفه بطابع خاص ومتميز. وقد مارس عبد الفتاح منسى عمله كعازف بارع لآلة القانون, فعمل في فرقة (بديعة مصابني), كما عمل مع كبار المطربين والمطربات والراقصات, وكان ذلك في الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن.

  وقال الفنان عبد الفتاح منسى، إن الفنان الكبير محمد عبد الوهاب كان من أوائل الموسيقيين المصريين الذين ألفوا مقطوعات موسيقية بحتة, بعد أن كان الأداء الموسيقي يعتمد فقط على عزف البشارف والسماعيات واللونجات وغيرها. وقد سافر عبد الفتاح منسى في رحلة إلى بلاد شمال أفريقيا مع الفنان فريد الأطرش حيث زار كلا من تونس والمغرب والجزائر. وفي عام 1946 سافر إلى دولة فلسطين حيث عمل هناك, وأثناء وجوده هناك تعلم على يده عازف سوري يدعى (سليم بن نسيم ثروت), وكان منسى يعتز به لحبه للموسيقا وحرصه الشديد على التعلم. وفي عام 1948 عاد منسى إلى أرض الوطن. وواصل عمله كموسيقي محترف. وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952, أنشئت فرقة موسيقا الإذاعة المصرية, وعمل بها أربعة عازفين لآلة القانون كانوا يتناوبون العزف مع الفرقة وهم: ( محمد عبده صالح- عبد الفتاح منسى- كامل عبد الله- أمين فهمي). وكذلك فقد عمل منسى أستاذا لآلة القانون في المعهد العالي للموسيقا العربية بالقاهرة, وفي أحد الفترات جاءه اعتراض على عمله كعازف في الفنادق الكبرى وغيرها من الأماكن, مما يتعارض مع واجبات وظيفته, فاستقال من عمله بالمعهد, ليعيش فنانا حرًّا. وقد زار عبد الفتاح منسى كل بلاد العالم العربي, وعمل كأستاذ وعازف في كل من: ليبيا (حيث أسس مع الفنان عطية شرارة معهداً للموسيقا بمدينة طرابلس), وكذلك فقد ساهم في أنشاء معهد الموسيقا بالكويت- وقام بالتعليم في معهد الموسيقا بقطر. وفي شهر أغسطس 1989, عاد عبد الفتاح منسى إلى أرض الوطن، حيث عاد لعمله كعازف بارع لآلة القانون, كما عاد لتعليم آلة القانون بالمعهد العالي للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون بالقاهرة. وبجانب براعته في عزف القانون بالطريقة التقليدية, فقد كان عبد الفتاح منسى القاسم المشترك في كل المؤلفات التي كتبت لآلة القانون مع الأوركسترا السيمفوني, نظرًا لبراعته في العزف وفي قراءة التدوين الموسيقي من أول وهلة. وقد جاءت تلك الأعمال على النحو التالي:

1-    موسيقا فيلم (زينب) التي كتبها الموسيقار المصري الراحل إبراهيم حجاج (1916- 1987). وقد فازت موسيقا الفيلم بجائزة في الخارج بسبب استخدام آلة القانون مع الأوركسترا.

2-    مُؤَلّف بعنوان (نُور من الشرق) يتكون من ثلاث حركات. وقد كتب ألحانه الفنان عبد الفتاح منسى, ووزع موسيقاه الفنان عطية شرارة (1923).

3-    كونسير للقانون, لمؤلف الموسيقا المصري الراحل فؤاد الظاهري (1916- 1988). وقام بعزف القانون عبد الفتاح منسى.

4-    المتتالية الشعبية, التي كتبها مؤلف الموسيقا المصري الراحل أبو بكر خيرت (1910- 1963) في عام 1958. وجاءت المقطوعة الثانية فيها بعنوان (أغنية وقانون). وقام بعزف القانون عبد الفتاح منسى, وتم تسجيل العمل على اسطوانة في يوغوسلافيا.

5-    كونشيرتو القانون والاوركسترا الذي كتبه عام 1966, مؤلف الموسيقا المصري المعاصر رفعت جرانة (1924). وقد رجع إلى صديقه الفنان عبد الفتاح منسى للتعرف على إمكانيات آلة القانون وقدراتها التي يمكن استغلالها في عمل مع الاوركسترا السيمفوني الكامل- وقد عزف الكونشيرتو عند تقديمه الفنان سيد رجب بمصاحبة الاوركسترا السيمفوني العربي بقيادة شعبان أبو السعد. والجدير بالذكر أن عبد الفتاح منسى عندما اشترك بالعزف مع الأوركسترا السيمفوني, ظهرت له بعض الصعوبات في إمكانيات آلة القانون, فأضاف إلى الآلة عددا من (العُرَبْ) الجديدة مكنته من التغلب على تلك الصعوبات والعزف مع الاوركسترا في سهولة ويسر, كما ألف كتابا لتعليم عزف آلة القانون جاء في عدة أجزاء (لم ينشر).

  وقد حصل الفنان عبد الفتاح منسى على العديد من الأوسمة نذكر منها:

-         وسام من جلالة الملك حسين ملك الأردن.

-         وسام من جلالة الحسن الثاني ملك المغرب.

-         وسام من الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية.

-         جائزة تقديرية من الرئيس الراحل أنور السادات.

  وفي الخامس عشر من فبراير 1990 قدمت فرقة أم كلثوم للموسيقا العربية حفلا بقاعة سيد درويش بالهرم. وشارك الفنان عبد الفتاح منسى بالعزف المنفرد بمصاحبة الإيقاع, وكان دوره في بداية الفصل الثاني من الحفل. وعندما ظهر على المسرح استقبل أحسن استقبال من جمهور الحاضرين, وبعد أن عزف حوالي عشرون دقيقة, أصيب فجأة بنوبة قلبية, وهو أمام الجماهير فأسرع إليه زملائه من الكواليس, وصعد إليه طبيب كبير كان من بين جمهور الحاضرين وأوصى بسرعة نقله للمستشفى وبالفعل تم ذلك. وفي اليوم التالي (الجمعة 16 فبراير 1990) لقي عبد الفتاح منسى وجه ربه وعادت روحه إلى بارئها, رحمه الله رحمة واسعة.

عبد المنعم الحريري

  والشخصية الرابعة التي نتعرف عليها هو واحد من أبرع الموسيقيين المصريين, شهد له الجميع بالكفاءة الفنية المتميزة والخلق الإنساني الرفيع, ذلك هو عازف الكمان والملحن المصري الراحل عبد المنعم الحريري الذي ولد بحي الجمَّالية بالقاهرة في التاسع والعشرين من فبراير 1924, لأسرة ضمت موسيقيون لهم مكانتهم البارزة في الحياة الموسيقية المصرية, نذكر منهم: الشيخ درويش الحريري والفنانين مرسي الحريري, ومصلح الحريري, والأخير هو الأخ الأكبر للفنان عبد المنعم الحريري. وقد كان بالنسبة له بمثابة الأخ والأستاذ والصديق والناصح الأمين, فهو بمجرد أن اكتشف مواهب أخيه الأصغر عبد المنعم الموسيقية, تكلم مع والده ليعلمه. ولكن الوالد عارض في بداية الأمر ثم وافق في النهاية. فتعهده أخاه مصلح بالرعاية والتعليم حتى استطاع أن يتقن عزف آلة العود, وان يحفظ الكثير من الأدوار والموشحات وهو مازال في التاسعة من عمره. وذات يوم سمعه الشيخ درويش الحريري في منزل الأسرة, فأعجب بمواهبه الموسيقية وأدهشه أن يتمكن الصبي عبد المنعم الحريري أن يستوعب كل هذا التراث وهو في تلك السن المبكرة, فاصطحبه معه وقدمه لمصطفى بك رضا, الذي كان مديراً لمعهد فؤاد للموسيقا العربية –وهو معهد الموسيقا الكائن بشارع رمسيس بالقاهرة حاليا- فعزف عبد المنعم الحريري على آلة العود أمامهم وأجاد, وأدهش الجميع ببراعته. ولكن حال صغر سنه دون التحاقه بالمعهد فورا, فأتقن مصطفى بك رضا مع الشيخ درويش الحريري على أن يحضر بمجرد حصوله على الشهادة الابتدائية, ليكون سنه قد أصبح مناسبا للالتحاق بالمعهد، وذلك ما حدث بالفعل. وبدأ عبد المنعم الحريري دراسته بالمعهد فتعلم عزف آلة الكمان على الأستاذ (أرميناك), وبدأ أيضا يمارس عمله كموسيقى محترف في الحياة الموسيقية. فعمل عازفا لآلة الكمان مع المطرب إبراهيم حمودة الذي كان يغني بين فصول الروايات في فرقة علي الكسار وكان أخوه مصلح يحرص على أن يزود بالنصائح التي تحميه من الانزلاق إلى أي انحراف, وكذلك فقد لعب عازف القانون القدير والعلامَّة في الموسيقا العربية الراحل (فهمي عوض) دوراً هاما في إكسابه الخبرات الفاضلة في الحياة ومعاملة الناس. وبعد فترة من عمل عبد المنعم الحريري عازفا لآلة الكمان مع عدد من المطربين والمطربات المتوسطي الشهرة من أمثال (حسن الحلواني- هيام- أمال حسين). وكان في ذلك يتقاضى أجراَ يتراوح بين ثلاثين وأربعين قرشا ( مع ملاحظة أنه في ذلك الوقت كان الرجل يكفيه ثلاثة جنيهات ليعول أسرته وأولاده ويعيش عيشة متوسطة). وكانت الأغاني في تلك الفترة تذاع في الإذاعة على الهواء مباشرة, وكان الفنان عبد الغني السيد يدفع له أجراً قدره خمسون قرشا, بينما كان كل من فتحية أحمد وفريد الأطرش يدفع للموسيقي ستون قرشا, حيث كانت الإذاعة في ذلك الوقت تدفع للمغني أو المغنية والفرقة معا أجراً يتراوح بين ستة جنيهات وأثنتا عشر جنيها مصريا. كما عمل عبد المنعم الحريري حوالي عام 1940 عازفا لآلة الكمان مع المطرب الكبير صالح عبد الحي. وبدأ يؤلف المقطوعات الموسيقية العربية, وكان ذلك أيام عمل الفنان عبد الحميد عبد الرحمن مستشاراً موسيقيا للإذاعة المصرية, الذي قبل من عبد المنعم الحريري ست مقطوعات موسيقية دفعة واحدة, وتقاضى الحريري ست جنيهات عن كل مقطوعة.

  ثم عمل عازفا لآلة الكمان مع الفنان الكبير محمد عبد الوهاب, وكان أول عمل شارك فيه هو أداء موسيقا وأغاني فيلم (ممنوع الحب) الذي عرض عام 1942. وفي عام 1947 أفتتح المعهد العالي للموسيقا المسرحية فالتحق به عبد المنعم الحريري, وفي نفس العام عمل أيضا كعازف كمان فرقة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم, بعد أن سمعت عنه من الفنان الكبير رياض السنباطي الذي أعجب به فرشحه للعمل معها. وكانت أم كلثوم قد سمعت بعض مؤلفاته الموسيقية من الإذاعة, وأعجبت بها. وكانت المشكلة أنهم لا يعرفون عنوانه, فاتصلت بسكرتير مدير الإذاعة, الذي قام بدوره بإرسال خطاب لعبد المنعم الحريري يخبره فيه برغبة أم كلثوم في لقائه. وبمجرد تسلمه الخطاب اتصل بها تليفونيا فوراً. فطلبت منه أن يحضر في اليوم إلى فيلتها. وكان منتهى أمله أن يعمل معها. وفي ذلك اليوم كانت الفرقة تجري تدريباتها على أغنيات (غلبت أصالح في روحي- سلوا قلبي- رق الحبيب) فحفظ عبد المنعم الحريري الألحان على الفور. ومنذ ذلك اليوم أصبح مقربا جداً من السيدة/ أم كلثوم, وكانت تثق تماما في رأيه الفني وفي صدقه وصراحته. وفي عام 1949 تخرج في المعهد العالي للموسيقا المسرحية, ومن زملائه آنذاك نذكر الفنانين : عبد الغني عبد السيد –محمد فوزي –أنورب منسى – أحمد الحفناوي – فؤاد بيومي – محمد نصر الدين- كامل عبد الله – محمود كامل "الملحن". وبعدها أنطلق عبد المنعم الحريري يمارس عمله كعازف كمان مع كل من عبد الوهاب وأم كلثوم. وفي عام 1958 أتجه الحريري إلى التلحين, ولحن أغنية (تاني) فلقي كمل التشجيع من الفنان الكبير محمد عبد الوهاب. فلحن الحريري لكل من ( سعاد محمد –هدى سلطان –ليلي مراد –أحلام –سعاد مكاوي –هاني شاكر –محمد ثروت). وفكَّر عبد المنعم الحريري في أن يلحن أغنية لأم كلثوم. ولما علم الفنان الكبير رياض السنباطي بذلك رحبَّ به, لأنه لم يكن ليرضى أن يقف إلى جواره في التلحين لأم كلثوم إلا ملحن له وزنه الفني. ورغم أن الحريري أتم لحن أغنية (الحنان من أيدك شربت كاس الحنان) إلا أن أم كلثوم لم تغنها حتى وافتها المنية, في الثالث من فبراير 1975. ويرجع السبب في ذلك إلى خجل عبد المنعم الحريري, وشعوره بالحياء من أن يُلح عليها أن تغني لحنه, برغم أنه كان يراها يوميا تقريبا, باعتباره عازفا لآلة الكمان في فرقتها الموسيقية . والجدير بالذكر أيضاً أن الفنان عبد المنعم الحريري, كان طوال حياته كان متمتعا بحب وثقة وتقدير الفنان الكبير محمد عبد الوهاب. وبجانب عمل الحريري كعازف لآلة الكمان وكمؤلف للمقطوعات الموسيقية العربية وكملحن, فأنه كعمل أيضا أستاذاً لآلة الكمان في المعهد العالي للتربية الموسيقية –الذي أصبح الآن كلية التربية الموسيقية- حوالي عشرين عاما, كما قام بتدريس الموشحات بالمعهد العالي للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون بالقاهرة, لمدة ثماني سنوات, وفي عام 1980 قام عبد المنعم الحريري بتدريب فرقة الإنشاد الديني التي أنشأها المعهد بجانب فرقة أم كلثوم للموسيقا العربية. وبالإضافة إلى ذلك فقد كتب الحريري العديد من المقطوعات الموسيقية البحتة نذكر منها ما يلي: (أحلامي –هدية – سناء –سحر الشرق- رقصة الربيع – سماره- ليالي الحدائق- سوسن- فكرة – نجوم- أفراح- نجوى- سامبا- ميمي- من حبي- شرقيات- عيون حبيبي- سماعي حجاز كار كرد- ليالي بغداد- بشاير –ذكرى –أمل- سمية- سماح). وظل الفنان عبد المنعم الحريري يؤدي دوره بإخلاص في الحياة الموسيقية في مصر حتى آخر لحظة من حياته, حتى وافاه الأجل المحتوم بمدينة القاهرة في السادس عشر من فبراير 1989, عن عمر يناهز الخامسة والستين, رحمه الله رحمة واسعة.

محمود عفت

وأخيراً عزيزي القارئ نتعرف على واحد من نجوم الحياة الموسيقية في مصر, ذلك هو عازف الناي القدير الفنان محمود عفت الذي ولد بمدينة القاهرة في العاشر من نوفمبر 1935, وكان والده (محمد نور) موظفاً ببنك التسليف, ويتمتع بصوت جميل, وكان محبا للغناء. وقد سجل أسطوانات لأغاني لحنها لكل من : محمد القصبجي, وكامل الخلعي, وداد حسني. وكان الأخ الأكبر لمحمود عفت عازفا لآلة العود, وعلى يديه تلقى دروسه الأولى في الموسيقا. وفي المرحلة الثانوية درس محمود عفت بمدرسة السعدية الثانوية بالجيزة, وفيها التحق بفريق الموسيقا, كعازف لآلة  الفلوت, ثم تحولت هوايته من الفلوت إلى الناي. وفي تلك الفترة كانت تعقد في القاهرة ندوات ثقافية يحضرها كبار الموسيقيين أمثال محمد القصبجي وزكريا أحمد وغيرهما. وكانت تلك الندوات بمثابة المدرسة العملية الأولى التي تدرب فيها محمود عفت بعد أن استوعب قواعد الموسيقا وتدوينها في المدرسة الثانوية. وفي عام 1954 حصل على الثانوية العامة, وأراد الالتحاق بإحدى المعاهد الموسيقية لإكمال دراسته بها. ولكنه وجد أن مناهج تعليم آلة الناي التي كانت تُدرس في ذلك الوقت أقل بكثير من المستوى الفني الذي كان قد وصل إليه, ففضل عدم إضاعة الوقت, والتحق بكلية التجارة بجامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1962. ولكنه ظل طوال الوقت يمارس هوايته في عزف آلة الناي واكتساب المزيد من الخبرة العملية. وفي عام 1959 تبلورت خبرات محمود عفت في عزف الناي ووضعه في منهج لتعليم آلة الناي. ثم قام بتدريس آلة الناي في المعهد العالي للتربية الموسيقية في نفس العام, ومنذ عام 1967 وهو يقوم بتعليم عزف آلة الناي في المعهد العالي للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون بالقاهرة, وهو يعمل حاليا خبيراُ لآلة الناي بالمعهد. وفي عام 1968 نشر محمود عفت منهجه لتعليم آلة الناي في كتاب أسماه( أصول دراسة الناي), ومازال هذا الكتاب يدرس للآن في المعاهد الموسيقية في مصر, وفي الكثير من الدول العربية الشقيقة. وقد عمل محمود عفت كعازف ناي محترف في الكثير من الفرق الموسيقية المختلفة, وعلى رأسها الفرقة الماسية وأخيرا بفرقة موسيقا الإذاعة المصرية تحت قيادة الفنان الكبير أحمد فؤاد حسن. والجدير بالذكر أن الفنان محمود عفت قد أضاف لآلة الناي (غَمَّازّيِن), مستفيدًا من فكرة الغَمَّازات الموجودة في آلة الفلوت, وكان من نتيجة ذلك أن اتسعت المساحة الصوتية لآلة الناي العربية. كما أن محمود عفت قد أضاف ألوانا من التعبير  الصوتي لآلة الناي, مثل العزف المتقطع والعزف بقوة وبضعف, بجانب الأداء السريع غير المعهود في آلة الناي, مما دعا بعض الموسيقيين المصريين أن يكتبوا له  أعملا خصيصا له ليؤديها على آلة الناي, ومن تلك الأعمال نذكر: (دموع البلبل) لأحمد فؤاد حسن, (الناي الساحر) لمختار السيد و(كونشيرتو الناي) لعطية شرارة. وفي شهر نوفمبر 1987 حضرة إلى القاهرة بعثة فرنسية لتسجيل موسيقا على آلة ناي فرعونية  لمصاحبة عرض هرم زجاجي مقام في متحف اللوفر بباريس, فاتصلوا بالفنان محمود عفت. وفي المتحف المصري بالقاهرة وجدوا نايات مصنوعة من الغاب والعظام, لم يمكن الاقتراب منها لتهالكها, ولكنهم وجدوا نايا من البرونز, فنظفوه بحذر شديد ثم قام الفنان محمود عفت بالعزف عليه, وسُجلت الموسيقا التي عزفها.

  وفي الخامس والعشرين من مارس 1990 قدم المعهد العالي للموسيقا العربية ندوة عن "استخدام الحاسب الآلي في التحليل الموسيقي" وفي تلك الندوة أعلن الفنان محمود عفت, أن نغمة (لا) في الناي الذي عزف عليه في المتحف المصري هي (440) ذبذبة في الثانية, وهي نفس الذبذبات المستخدمة حاليا في كل الآلات الموسيقية.

  وختاما عزيزي القارئ أرجو أن أكون قد ألقيت بعض الأضواء على حياة الفنانين الذين تناولتهم في هذا المقال, تقديراً لما قدموه بإخلاص وحب لفن الموسيقا في مصر والعالم العربي.

وإلى اللقاء إن شاء الله تعالى مع شخصيات موسيقية أخرى في مقال قادم.

 

المراجع

1-    لقاء مع الفنان صلاح عرّام يوم 17/9/1989.

2-    لقاء مع الفنان عبد الحكم عبد الرحمن يوم 20/12/1989.

3-    بقاء مع الفنان عبد الفتاح منسى يوم 30/8/1987.

 

المصدر: مجلة الفنون 

 

بقلم : أ.د . زين نصار 

أستاذ النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى 

أكاديمية الفنون 

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,831,926