يذكر عزيز عيد في مذكراته التي نشرت بمجلة" الدنيا المصورة" عام 1937 أن ولد بكفر الشيخ، وكان والده من الأثرياء فلما بلغ السابعة أرسل إلى بيروت للالتحاق بمدرسة الحكمة، ثم أنتقل إلى مدرسة اليسوعيين. وقد اهتم بدراسة الأدب المسرحي، وساعده على ذلك معرفته بالفرنسية. وما إن بلغ الخامسة عشرة حتى كانت لديه خبرة كبيرة. وتوفى والده فعاد إلى كفر الشيخ. وخسرت الأسرة كل ممتلكاتها عندما بلغ السابعة عشرة، فانتقلوا إلى القاهرة. وفى بيروت شاهد فرقاً تمثيلية فرنسية، وأعجب بما تقدمه، فعزم على أن يكون ممثلاً كما قال لفاطمة رشدي. راجع كتابه: كفاحي في المسرح والسينما. وحين انتقل إلى القاهرة اشتغل بالبنك الزراعي فكان وزميله نجيب الريحانى يمثلان فى المكتب ويعتبر عزيز عيد عام 1904 تاريخ ميلاده الجديد، إذ كان بداية احترافه التمثيل.

ففى أوائل القرن بدأ السوريون يؤلفون فرقهم فى مصر، وكان فى مقدمتهم إسكندر فرح وسليمان وحداده القبانى وغيرهم. وكان أداؤهم التمثيلى – فى ذلك العهد – صراخاً ومبالغة فى الإلقاء وإلقاء أقرب إلى الخطابة، وكانوا يمثلون روايات لا تقوم على دعائم فنية، أو حركة مسرحية صحيحة، أو مغزى يفيد الجمهور.

وبينما كان يسير فى شارع عبد العزيز – كما يقول فى مذكراته – رأى مسرح سلامة حجازى "التياترو المصرى".

وكان غناء الشيخ – لا التمثيل – هو الذى يجذب الناس. وكان بجوار التياترو مشرب ملحق به يجلس عليه الممثلون، فخالطهم وجالس شيخهم. ولاحظ أنه يعتبر أستاذاً فى الفن المسرحي بالنسبة لهم.

وتوجه الى الاسكندرية ليلتحق بفرقة قرداحى. وناداه قرداحى قبل التمثيل وقال له كما يقول لفاطمة رشدي:

-    مثل هيك مثل ما بتمثل. بتاخد خطوتين لقدام وخطوتين لورا .. وترفع صوتك عالي وتفتح صدرك وتقول: "ع الباب يا مولاي قاصد".

-    ويذكر أن قرداحي كان يمثل مسرحية فيها طعن فى النساء فلما انتهى من دوره، اقترب من الجمهور، وهو على المسرح، وقال مخاطبا السيدات:

-    وبخاطركن يا هوانم، لا تؤاخذونا، هادا تمثيل هيك المحنة بتحكم!!

 

اعتلاء عزيز عيد للمسرح

وعندما أراد عزيز عيد اعتلاء خشبة المسرح منعه عبد الرازق بك عنايت المفتش السابق بوزارة المعارف، وكان صديقاً لمدير الفرقة، ويمده بالمعونة المالية. وكان له – بعد ذلك – شأن كبير لا ينسى فى المسرح المصري.

عاد عزيز عيد من الإسكندرية، وانضم إلى فرقة إسكندر فرح، وكان أخوه صاحب تياترو التفاريح – مكان سينما أولمبيا بشارع عبد العزيز – وألف فرقة مع سليمان الحداد.

وكان مخرجاً لها. ثم عمل مع الشيخ سلامة حجازي، وأخرج لفرقته بعض الروايات، ومثل فى بعضها كما مثل فى فرقة أحمد الشامي، وأخرج لها عدة روايات منها: "30 يوم في السجن" التي ترجمها توفيق الريحاني شقيق نجيب .. كما أنشأ فرقة من الهواة تمثل بالفرنسية، فحازت إقبالاً عظيماً واعتقد بعض الفرنسيين وهو يمثل دور "الأب ليونار" فى المسرحية التى تحمل هذا الاسم ، أنهم يشاهدون ممثلهم الكبير كوكلان. وتساءل ما قد فرنسى: هل حضر كوكلان. وتساءل ناقد فرنسى: هل حضر كوكلان الى مصر دون أن أعلم؟ وصعد على خشبة المسرح ورآه ثم أقبل بعد التمثيل وعانقه عناقاً حاراً.

ونعود إلى عبد الرازق بك عنايت، فتقول إن الخديو عباس حلمى الثانى كان قد أرسل جورج أبيض فى بعثة إلى فرنسا على نفقته الخاصة، وعندما كون فرقته الاولى كان عبد الرازق بك هو ممولها كما كان القوة التى فتحت لعزيز أبواب النجاح. فبعد بضعة أعوام من منعه من الظهور بمسرح قرداحى عاونه على تكوين فرقة تولى هو شئونها، المالية والإدارية وأعطاها من إخلاصه ما يذكر عزيز عيد فى مذكراته أنه يعجز عن وصفه.

وعندما أصيب الشيخ سلامة حجازى بالشلل فى دمشق وعاد من بيروت وهو لا يقوى على الحركة، عهد إلى عبد الرازق بك تأليف فرقة لدار التمثيل العربى تحت إشرافه، وكون عبد الرازق بك فرقة أوكل مهمة إخراج مسرحياتها إلى عزيز عيد. ونجحت الفرقة نجاحاً كبيراً، وسافرت إلى الشام. وأثناء تدفق الأموال عليها فى حلب، أخبرهم عزيز عيد بسرعة الاستعداد للسفر لنشوب الحرب العالمية بين ألمانيا وفرنسا، فركبوا آخر باخرة متجهة إلى مصر.

ومرض عبد الرازق بك بعد شهر واحد، وتوفاه الله دون أن يترك شيئاً من ثروته الكبيرة. وفقد عزيز عيد بوفاته – كما يقول – الركن الشامخ الذى كان يستند إليه.

المازنى وممارسة النقد المسرحى

وثمة أثرياء آخرين اهموا فى النهضة المسرحية منهم محمود بير الذى تزوج منيرة المهدية عام 1905 وساعدها بماله.

ومن هؤلاء الأثرياء عبد الخالق مدكور باشا الذى ساعد عزيز عيد فى تكوين إحدى فرقة.

وتذكر روز اليوسف فى كتابها: "ذكريات" أن مسرح رمسيس افتتح بمسرحية : "المجنون" ... وبعد نهاية التمثيل فى الليلة الأولى وقعت أزمة كبيرة، ظل يوسف وهبى يجهلها زمناً طويلاً.

فقد كان إبراهيم عبد القادر المازنى من بين شهود الرواية، وكان مختصاً بكتابة النقد الفنى بجريدة: "الاخبار" التى كان يصدرها أمين الرافعى. وكتب المازنى مقالا يمدح فيه الممثلين، وينتقد تمثيل يوسف وهبى بالذات، لأن الجنون أنواع: فهناك الجنون الهادىء، والجنون الذاهل، والجنون الثائر، وهناك من ينطوى على نفسه، ومن يضرب ويحطم. ولم يوضح يوسف وهبى نوع الجنون المصاب به البطل. ولكنه خلط كل أنواع الجنون، وانطلق يصنع على المسرح ما يشاء، مما يتيح للناقد أن يحاسب على الأداء حساباً دقيقاً.

وكان عبد الخالق مدكور صهراً لأسرة يوسف وهبى، فطلب من صديقه العزيز أمين الرافعى عدم نشر المقال، فالفرقة ما زالت جديدة، وعلينا تشجيعها، وصمم المازنى على الاستقالة. وبعد مفاوضات طويلة، قبل العودة، لكنه امتنع عن كتابة النقد الفنى طيلة عمل فرقة رمسيس.

 

المصدر/ جريدة مسرحنا

العدد 83 – بتاريخ 9 من فبراير 2009

بقلم/ محمد محمود عبد الرازق

 

 

ساحة النقاش

egyptartsacademy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,205,856